من ميونيخ إلى أوسلو : عملية الموساد في طرابلس (المقدمة)

18.07.2018

عملية طرابلس، هي عملية لجهاز الموساد الإسرائيلي كانت تستهدف اغتيال القيادي الفلسطيني سعيد السبع في مدينة طرابلس اللبنانية، وذلك في منتصف عام 1973، وكان مصيرها الفشل بعد أن شك سعيد السبع بشخص ألماني كان يسكن مقابل شقته، فكلف عدداً من الفدائيين لمتابعته، فتبيّن أنه يتردد على محل رينوار للتصوير في شارع عزمي وسط مدينة طرابلس، وعند الاستفسار من صاحب المحل تبيّن أن لديه مغلفاً يحوي صورا لكافة أقسام منزل سعيد السبع، فتم إبلاغ الاجهزة الامنية اللبنانية، التي لم تحرّك ساكناً، أدى هذا الأمر إلى هروب فريق الموساد من مدينة طرابلس إلى إسرائيل، ومن هناك إلى النرويج ليتم تصفية أحمد بوشيقي بينما بقي أحد أعضاء فريق الموساد في طرابلس، وهو اورلخ لوسبرخ (حجاي هداس) ليخطف نفسه، ويحاول إلصاق التهمة بسعيد السبع بعملية الخطف في محاولة من جهاز الموساد لافتعال صِدَام في شمال لبنان بين المقاومة الفلسطينية والحكومة اللبنانية، تعتبر محاولة اغتيال سعيد السبع جزءا من عملية عملية غضب الله، وهو الاسم الذي أطلقته غولدا مائير، في ذلك الوقت لاستهداف قادة العمل الوطني الفلسطيني، وقد جاءت هذه العملية بعد عملية فردان الشهيرة، التي قتل فيها ثلاثة من القادة الفلسطينين في بيروت.

بعد استشهاد أبي علي إياد والقضاء على الوجود الفدائي في الأردن، بدأت جموع الفدائيين الفلسطينين تنتقل إلى القواعد العسكرية، التي تم تأسيسها في جنوب لبنان بعد توقيع اتفاق القاهرة 1969. الحكومة الإسرائيلية كانت تنظر بعين الريبة إلى تعاظم الوجود العسكري الفلسطيني على حدودها، فأخذت قراراً منذ بداية 1972 بتصفية عدد من القيادات الفلسطينية في لبنان، فتم اغتيال غسان كنفاني في بيروت وبعد اسبوعين انفجر طرد إسرائيلي بين يدي بسام أبو شريف ثم تعرض سعيد السبع وزوجته إلى حادث سير مدبر، عندما كان عائدا من بيروت إلى طرابلس مساء 25 تشرين الأول 1972، وخرج من هذا الحادث بأعجوبة بعد أن تكسرت أضلاعه. كانت بصمات جهاز الموساد واضحة في هذا الحادث، ولكن من دون أي دليل ملموس مع الإشارة إلى أن فريق كيدون الإسرائيلي عندما ينفذ أغلب عملياته، تبدو العملية كأنها حادث عرضي أو وفاة طبيعية، هذه العملية لم تكن الاولى، فقد تعرض إلى محاولة سابقة لاغتياله عندما كان ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في الجزائر في النصف الأول من عام 1966، ثم انتقل بعدها إلى الخرطوم، وهناك كان تحت المتابعة الدائمة من قبل فريق كيدون التابع لجهاز الموساد، والذي كان يقوده مايك هراري، كما ان إسرائيل تحمله مسوؤلية خطف أول جندي إسرائيلي ،وهو شمؤيل روزن فايزر التي نسقها مع ابن خاله أبو علي إياد، إلى جانب عمليات اخرى من جنوب لبنان والجولان المحتل.

نفذت إسرائيل العديد من عمليات الاغتيال قبل عملية ميونيخ، والتي وقعت بتاريخ 5 سبتمبر 1972، فمن يتمعن في مسلسل العمليات يكتشف ان فريق الموساد اغتيال غسان كنفاني في بيروت يوم 8 يوليو 1972، اي قبل شهرين من عملية ميونيخ، ثم ارسلت طرد ملغوم إلى بسام أبو شريف بعد اسبوعين من اغتيال كنفاني، وهذا ان دل على شيء ، فهو دليل قاطع على ان فريق الموساد كان مقيما في بيروت، وينفذ عملياته ضمن اجندة ولوائح تم اقرارها مسبقا من قبل مجلس الامن المصغر، والذي يشرف عليه رئيس الوزراء الإسرائيلي مباشرة، اي جولدا مائير وعضوية تسفي زامير وقادة امنين اخرين فيما عرف بلجنة X اي لجنة الاغتيالات.

لا شك ان عملية ميونيخ قدمت لإسرائيل الفرصة الذهبية والمشروعية الدولية التي كانت تبحث عنها ،لاطلاق يدها حتى تنفذ سلسلة من عمليات الاغتيال، والتي استهدفت قادة العمل الوطني الفلسطيني، كما ان عملية ميونيخ نقلت الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين من داخل الارض المحتلة حيث الجنود والمستوطنين، إلى اوروبا مع ما يعنيه ذلك من نظرة المجتمع الدولي إلى الفدائيين الفلسطينين، على انهم يقتلون اشخاص مدنيين رياضيين ذهبوا إلى مدينة ميونخ من اجل ممارسة الألعاب الأولمبية، الامر الاخر استغلت إسرائيل الحدث لتعيد تذكير العالم بالإبادة الجماعية النازية لليهود، وهذا ما ذكره مدير الموساد تسفي زامير، عندما قال خلال مقابلة مع التلفزيون الإسرائيلي، ان عملية ميونيخ اعادة إلى الاذهان خطاب أدولف هتلر، الذي توعد اليهود بالمحرقة من نفس الملعب الرياضي، عندما القى كلمته عام 1938، وهذا ما كانت تبحث عنه إسرائيل، فاصدرت غولدا مائير المعروفة بتطرفها، قرارا بتعقب قادة فلسطينيين لاغتيالهم، فيما عرف بعملية غضب الله او غضب الالهة.

لقد اعتبر بعض القادة الفلسطنيين، ان عملية ميونيخ سلطت الاضواء على القضية الفلسطينية، خاصة ان كل الاعلام الدولي كان حاضرا في ميونيخ لتغطية الألعاب الأولمبية، لكن الواقع ان إسرائيل استفادت من الحدث بشكل كبير، ووجدتها فرصة لتذكير المجتمع الدولي بمظلومية اليهود في المانيا مع النازية، وكان الفلسطينين يتحملون مسوؤلية عما حدث لليهود خلال الحقبة النازية، لقد تم استغلال حادث ميونيح من قبل إسرائيل دوليا، للتشهير بالعمل الفدائي المقاوم وربطه بالارهاب الدولي بشكل مريب، الامر الاخر الملفت والغريب، هو ما كشفته صحيفة هاآرتس الإسرائيلية، عن ان السفير الألماني في بيروت ولتر نوفاك، اجتمع بعد تنفيذ عملية ميونيخ مع علي حسن سلامة وأمين الهندي، واتفق معهم على اختطاف الطائرة الألمانية الرحلة 615 بتاريخ 29 تشرين الأول 1972، والتي كان على متنها 11 راكبا و7 من أفراد الطاقم على متن الطائرة أثناء رحلتها من بيروت إلى أنقرة (وما بعدها إلى ألمانيا)، والمطالبة بتحرير الأعضاء الثلاثة الباقين على قيد الحياة من منظمة أيلول الأسود المجموعة المسؤولة عن عملية ميونيخ. بينما خطفت الطائرة بوينغ 727 (مسجلة D-ABIG) أجبرت على الدوران فوق مطار زاغريب مما شكل خطر في نهاية المطاف بسبب نقص الوقود، حيث قررت سلطات ألمانية الغربية الامتثال لمطالب الخاطفين. فتم تسليم السجناء الثلاثة، وسمح للطائرة بالتوجه إلى طرابلس الغرب، حيث تم إطلاق سراح الرهائن. ولكن ما يلفت للانتباه، هو السر الذي دفع الحكومة الألمانية للتواصل مع علي حسن سلامة وأمين الهندي، وحثهم على خطف الطائرة الألمانية والضغط الصوري الذي يشبه التمثيلية على الحكومة الألمانية من اجل الافراج عن الفدائيين الفلسطينين الثلاثة المعتقلين من السجون الألمانية على خلفية عملية ميونيخ، وذلك حتى تتخلص الحكومة الألمانية من ضغط المحكمة والاعترافات، التي سوف يدلي بها المعتقلين الفلسطينين، مما يشكل فضيحة للجهات التي تقف حقيقة خلف عملية عملية ميونيخ، التي مولها الرئيس الحالي للسلطة الفلسطينية محمود عباس، عندما كان مسوؤلا عن مالية حركة فتح عام 1972، مع العلم ان الاخير لا يؤمن بفكر العمليات منذ التحاقه بحركة فتح عام 1968، هذه الاسئلة وغيرها تضع العديد من علامات الاستفهام حول الدور الفلسطيني في ميونيخ، وما تلاها من اداء السفير الألماني ولتر نوفاك في قضية اورلخ لوسبرخ، حيث يظهر حجم التعاون والتنسيق بين الاجهزة الامنية الألمانية ونظيرتها الإسرائيلية والأمريكية لجهة اغلاق الملف واخرج الجاسوس من السجون اللبنانية.

الامر الملفت هو رد فعل اسرائيل والسلطة الفلسطينية بعد ان اصدر ابو داود كتابه (فلسطين من القدس الى ميونيخ) عام 1999، حيث قامت اسرائيل بمنعه من العودة الى رام الله بعد ان تحدث عن دور محمود عباس بتمويل عملية ميونيخ ، لان هذه الراوية تفضح دور اسرائيل فى هذه العملية وتجعلها محل ادانة امام شعبها ، خاصة ان هناك 11 رياضي اسرائيلي قتلوا من اجل تمثيلية امنية ، كما انها تظهر الطرف الفلسطيني المتواطئ داخل القيادة الفلسطينية والذي نفذ العملية من اجل التخلص من قيادات فلسطينية تعارض التوجه السلمي مع اسرائيل ، لا شك ان هناك يد خفية فى عملية ميونيخ.

بناء على ما سبق كانت هذه هي المقدمة الأولى لسلسلة حلقات سأقدمها عن محاولة الموساد في إغتيال والدي، نلتقي غدا لاستكمال القصة.

 

مصادر للمطالعة:

 

١-http://web.archive.org/web/20180208132325/http://www.bbc.com/arabic/middleeast/2010/07/100702_abu_daud_tc2

 

٢-http://web.archive.org/web/20170718175246/http://www.altawhid.org/2015/04/21/نجل-السعيد-السبع-للواء-مازن-عزالدين-بل/