من ميونيخ إلى أوسلو : عملية الموساد في طرابلس (الجزء الأول)
وجدت إسرائيل في عملية ميونخ فرصة تاريخية لا تعوض ، لتصفية كل من يعارض التسوية داخل صفوف منظمة التحرير الفلسطينية ، فقد استهدف الموساد بأوامر من غولدا مائير كل اصحاب الروؤس الحامية.
بعد قيام إسرائيل بتنفيذ عملية عملية فردان والتي راح ضحيتها ثلاثة من قادة المقاومة الفلسطينية هم: أبو يوسف النجار، كمال عدوان، و كمال ناصر. بدء القلق يساور سعيد السبع بعد ان فقد صديقه كمال عدوان، في نفس الوقت وصل إلى مدينة طرابلس مجموعة من الاجانب بجنسيات عديدة واوقات مختلفة، كانوا جميعا اعضاء في فريق كيدون المخصص للعمليات الخارجية والاغتيالات لاستكمال استهداف قادة الفدائيين الفلسطينين في شمال لبنان. وقد اقامت الشبكة في شارع الثقافة، حيث يقيم سعيد السبع. كان على رأس الفرقة تسفي زامير مدير جهاز الموساد اضافة إلى مدير وحدة كيدون مايك هراري، منتحلاً صفة القس روبرت مالاوي، والذي تبين انه مطرود من السودان لأسباب سياسية، حسب ما افاد سعيد السبع للصحفي فى مجلة الحوادث ابراهيم عوض.
لكن أكثر ما اثار الريبة كانت تحركات الألماني اورلخ لوسبرخ، والذي كان يتردد الى مدينة طرابلس، منذ بداية شهر شباط 1973، ثم انتقل للسكن بشقة خطيبته اللبنانية جميلة معتوق المواجهة لشقة سعيد السبع بعد عملية فردان مباشرة. لاحظ سعيد السبع ان الالماني اورلخ لوسبرخ كثيرا ما يسهر على شرفة منزل خطيبته محاولا التقاط الصور لشقته، فكلف عدداً من الفدائيين الفلسطينين التابعين له بمراقبة الالماني لوسبرخ. فتبين انه يتردد على محل رينوار للتصوير في شارع عزمي بوسط مدينة طرابلس، ولدى مراجعة صاحب المحل تبين انه يملك ملفا للصور يحتوي على كل اقسام منزل سعيد السبع. وعند الاستفسار من صاحب محل التصوير، تبين ان ملكية الصور تعود للمهندس الاسكتلندي جيمس بول اسمه الحقيقي تسفي زامير، ادى هذا الإكتشاف إلى وضع جيمس بول واورلخ لوسبرغ تحت المراقبة، فتبين انهم يلتقون باستمرار في اماكن مختلفة خارج مكان سكنهم، بينما كانوا لا يتحدثون مطلقا مع بعضهم البعض عند لقائهم في شارع الثقافة، حيث سكنهم. ادت هذه المعطيات مجتمعة إلى تبلور قناعة عند سعيد السبع، انه فى دائرة الهدف، وان مسالة تصفيته هي قضية وقت فقط، فبادر الى ابلاغ النائب طلال المرعبي بهذه المعلومات، والذي بدوره وضع الاجهزة الامنية اللبنانية في الصورة، كما انه اجرى اتصالا مع علي حسن سلامة يبلغه بالأمر. لا شك ان هذا التحرك السريع من قبل ابو باسل (سعيد السبع)، ادى الى افشال مخطط اغتياله، وهروب المجموعة الاخرى، التي كانت تسكن فوق منزله المكونة من ثلاثة بريطانيين، رجلان وامرأة، يعتقد انها سلفيا روفئيل التي اعتقلت فيما بعد في النرويج على خلفية اغتيال أحمد بوشيخي، اضافة إلى القس الاميركي روبرت مالوي اسمه الحقيقي (مايك هراري)، والذي كان يسكن فوق الشقة التي يقيم فيها اورلخ لوسبرخ المواجهة لشقة السبع، كما ان المهندس الاسكتلندي جيمس بول اختفى من شقته أيضا، والتي تبعد خمسين متر عن شقة اورلخ لوسبرخ. بعد هذا الاخفاق غادر فريق الاغتيالات لبنان إلى إسرائيل ومنها إلى النرويج ليتم تصفية أحمد بوشيقي في 21 يوليو1973، ومن ثم ادعت إسرائيل انها قتلت علي حسن سلامة. بمحاولة لرفع اسهم علي حسن سلامه، بعد الاعترافات التي ادلى بها اورلخ لوسبرغ في التحقيق.
بعد اخلاء فريق الموساد للشقق التي إستأجرتها في محيط منزل سعيد السبع على خلفية كشف الصور، لجأ الموساد إلى خطة B، وضع مايك هراري خطة اختطاف اورلخ لوسبرغ من مدينة طرابلس قبل مغادرة فريق الموساد، وعليه اتفق اورلخ لوسبرغ مع اربعة لبنانيين اضافة إلى خطيبته جميلة جورج معتوق على اختطافه من مقهى التوب في شارع عزمي وسط مدينة طرابلس في العاشر من يوليو1973، فعند الساعة الثانية الا عشر دقائق من منتصف الليل، توقفت سيارة مرسيدس زجاجها مموه من الخلف، نزل منها شابين يرتديان جلابية زيتية اللون وملثمين بكوفيات بيضاء، ثم اتجها نحو اورلخ لوسبرغ شاهرين أسلحتهم ودافعاً به إلى داخل سيارة المرسيدس. وبينما كان الألماني لوسبرخ يدخل السيارة، اطلق احد الخاطفين ثلاثة طلقات نارية في الهواء من مسدسه لترهيب المارة. شاع خبر خطف الألماني في مدينة طرابلس، فقام الامن اللبناني بمداهمة وتفتيش كل الاماكن التي يتواجد فيها الاجانب الموجودين في طرابلس. كما تم مداهمة "فندق المنتزه"، الواقع في شارع المئتين بمدينة طرابلس حيث ينزل معظم الاجانب. كانت المفاجئة ان الألماني المخطوف سجل اسمه في الفندق في اليوم ذاته الذي خطف به، ووضع امتعة بسيطة في غرفته (عدة حلاقة وغير ذلك) لكنه لم يعد اليه. في نفس اليوم تم مداهمة منزل خطيبته جميلة معتوق التي تعرف بـ"جيجي" معتوق، والتي انكرت اي معرفة لعملية الخطف التي تعرض لها خطيبها، بدأ النقيب عصام ابو زكي بجمع المعلومات عن الألماني وشخصيته، فتبين له انه على علاقة مع شخص اسمه عبد العزيز محمد الهدى الملقب (الغزاوي) كان أحمد رسلاني العامل في بلدية طرابلس والمرتبط مع اجهزة الامن اللبنانية قد تمكن من العثور على عبد العزيز الغزاوي، بعدما شاهده خارجا من صالة سينما المتروبول بمدينة طرابلس. فألقي القبض عليه وسلمه للنقيب عصام ابو زكي.
كان هدف الموساد من اختتطاف اورلخ لوسبرخ توجيه الاتهام لسعيد السبع انه وراء عملية الخطف وذلك لتعميق الخلاف بين الدولة اللبنانية والمقاومة الفلسطينية وتجديد الاشتباكات التي وقعت في شهر ايار 1973 في محاولة لإشعال فتيل الحرب الأهلية اللبنانية.
ما ان شاع خبر اختطاف اورلخ لوسبرخ بمدينة طرابلس حتى احتجت السفارة الألمانية في بيروت عبر سفيرها في لبنان ولتر نوفاك، مدعيا ان الألماني المخطوف هو دبلوماسي ألماني، وهذا اعتداء سافر على الحكومة الألمانية ورعاياها في لبنان، من جانب سعيد السبع والفدائيين الفلسطينين، إلا أن الحديث تغير بعد ان تمكن النقيب عصام ابو زكي من القاء القبض عليه، وكشف مسرحية الخطف التي قام بها،مما ادى إلى افتضاح امر اورلخ لوسبرخ إلى وضع السفارة الألمانية في موقف محرج، فطلب السفير الألماني ولتر نوفاك لقاء عاجل مع عادل اسماعيل مدير الشوؤن السياسية في وزارة الخارجية اللبنانية، مطالبا بالافراج عن اورلخ لوسبرخ وصرح اثر المقابلة، بان اورلخ لوسبرخ كان قد تقدم إلى السفارة الألمانية في بيروت في اواخر شهر مايو1973، وانه اجتمع به، وهو مواطن ألماني نصاب وعليه عدة مذكرات توقيف بحقه وانه مطلوب مطلوب للانتربول الدولي بتهم اصدار شيكات من بدون رصيد وسرقة عدد من السيارات في ألمانيا الغربية، وان الحكومة الألمانية تطالب الحكومة اللبنانية بتسليمها الألماني لوسبرخ لمحاكمته على الاراضي الألمانية.
بعد اعتقال سكرتير اورلخ لوسبرخ عبد العزيز الغزاوي، اخضعه النقيب عصام ابو زكي لجلسات تحقيق مكثفة، في بادئ الأمر نفى اي علم له بعملية الخطف، وبعد فترة قليلة انهار في التحقيق، واعترف ان عملية الخطف تمت بمعرفته، وان الألماني اورلخ لوسبرخ، انتقل إلى حقل العزيمة في سير الضنية. روى عبد العزيز الغزاوي تفاصيل علاقته به، قال انه تعرف عليه في المقهى التوب بشارع عزمي، وانه من الاثرياء، ومن كبار ابطال الكاراتيه الدوليين، وانه اشترك في القتال في بنغلاديش وطلب منه ان يعمل سكرتيراً عنده بمرتب شهري مقداره 500 ليرة لبنانية. كما افاد الغزاوي ان الألماني تعرف على جميلة معتوق المعروفة "بجيجي"، بعدما عرف ان منزلها يواجه شقة مدير عام دائرة التنظيم الشعبي في منظمة التحرير الفلسطينية سعيد السبع "ابو باسل". وقد خطبها كي يتمكن من السكن عندها، وانه كان يكثر من الاسئلة ويستوضحه القضايا المتعلقة بالفدائيين الفلسطينيين . كما اعترف الغزاوي بأن لوسبرخ وضع خطة لخطف قنصل المانيا الغربية في مدينة طرابلس (لبنان) جول مسعد، وأنهما قصدا منزل الاخير الواقع في شارع الجميزات، واستخدما شخصين اخرين وجهزوا السيارة لهذا الغرض لخطفه، لكنهم فشلوا لان زوجة القنصل لم تستجب لهم بفتح الباب عندما قصدهم اورلخ وعصابته. كان الهدف الاساسي من خطف القنصل الألماني او قتله إيهام الحكومة اللبنانية ان سعيد السبع هو وراء هذه العملية، وذلك ردا على موقف الحكومة الألمانية السلبي من الخاطفيين الفلسطينين في ميونخ، فتقوم الدولة اللبنانية بمداهمة منزل سعيد السبع واعتقاله، وفي هذه الاثناء ينظم الموساد عملية اغتياله عبر قناص من احدى الشقق المحيطة، وهذا ما سوف يؤدي إلى صدام فلسطيني لبناني، الهدف منه تجديد معارك ايار بين المقاومة الفلسطينية والجيش اللبناني والتي اندلعت بعد عملية فردان فى محاولة لتفجير الحرب الأهلية اللبنانية، والتي اندلعت في 13 أبريل 1975.
كما روى انه اصطحب اورلخ وخطيبته إلى القصر الجمهوري في بعبدا مرتين وحاما حول القصر الجمهوري ومقر الرئيس سليمان فرنجية الصيفي في اهدن. إضافة إلى تردده حول قصر المختارة ومحاولة التقاط الصور لمقر اقامة كمال جنبلاط برفقة خطيبته جميلة معتوق اضافة إلى اشاعة اخبار عن محاولة اغتيال كمال جنبلاط كان سيد المختارة هاجسه الكبير يتسقط اخباره يراقب تحركاته ويترقب تصريحاته كما كانت جزيرة الارانب مقابل طرابلس (لبنان) تشغله فتارة يسأل عن المسافة التي تفصلها عن طرابلس (لبنان) وطورا يعلن عن رغبته في استغلالها سياحيا. وفي شأن حادثة الخطف في شارع عزمي قال الغزاوي ان لوسبرخ وضع الخطة من دون ان يفهم هو ورفاقه الاسباب. وانه وعدهم بمبلغ 50 ألف ليرة بعد تنفيذ العملية واوهمهم انه ينتظر مبلغ 50 الف ليرة من السفارة الألمانية في بيروت، وان علي أحمد ديب وهو صاحب مطعم «كويك ساندويش» في طرابلس (لبنان) استأجر لهم سيارة خصوصية ماركة مارسيدس 190 رقمها 157138 من مالكها زهير زكي هندي زكريا وانه نفذ عملية خطف لوسبرخ برفقة حسن توفيق الحسن وحميد بطرس فرح. وقال انهم لبسوا القمبازات وتقنعوا واخذوا لوسبرخ من المقهى وانطلقوا به إلى المنزل الذي استأجره في حقل العزيمة والذي تعود ملكيته للسيد ميخائيل إبراهيم لاخفاء لوسبرخ فيه. وعندما وصلوا إلى المنزل طلب منه لوسبرخ ان يعودا إلى طرابلس (لبنان) ويتصل بخطيبه جميلة معتوق ويقول لها ان الرسالة وصلت من الكويت وانها تعرف ماذا يقصد. واضاف "قل لها هذا وهي ترافقك إلى بنك جمال في بيروت وتسحب مبلغ 50 الف ليرة من خزنتي الخاصة لانها تحمل المفتاح فتعطي 10 الاف لحميد بطرس فرح و10 الاف لحسن توفيق الحسن والبقية تأخذها لك".
بعد هذه المعلومات توجه النقيب عصام أبو زكي قائد شرطة مدينة طرابلس (لبنان) برفقة عنصرين من الدرك التابعين للفرقة 18 إلى حقل العزيمة حيث يوجد الخاطف و المخطوف، و ما أن داهم المنزل حتى تفاجأ بوجود اثنين من حراس العميد المتقاعد الياس داود تم تكليفهم بحمايته. حاول الألماني المواجهة لكن الدرك كانوا اسرع منه بتوجيه البنادق إلى رأسه فما كان منه الا الاستسلام وخلال تفتيش المنزل عثر مسدس 6 ملم ومسدس ضغط كبير مع ممشطين ومسدس اخر من مسدسات الاولاد وألة تصوير "زوم" وثياب وجلابيات كاكية وكوفيات بيضاء والحبال التي كان قد أوثق بها، ومنشورات حملت اسم منظمة ميونخ 72 وهي منظمة كان قد انشئها في مدينة طرابلس.
بعد اعتقال اورلخ لوسبرخ فى حقل العزيمة تم نقله إلى سرايا طرابلس، وبدء التحقيق معه، لكنه رفض الكلام، و أصر على انكار كل شيء، ونفى معرفته الاشخاص الذين "خطفوه"، وافاد انه جاء إلى لبنان، في منتصف فبراير من عام 1973، على متن الباخرة اوزونيا آتيا من إيطاليا، برفقة رجل ألماني يدعى جو متزيغ، وان الاخير يحمل جوازي سفر أحدهما ألماني والاخر بولوني. واكد انه استأجر المنزل في حقل العزيمة للراحة والاستجمام، ونفى ان يكون أحد قد خطفه. وتناول التحقيق معه قضية منظمة ميونخ 72 الفدائية التي بادر إلى تأسيسها، وتبين من خلال التحقيق انه على تواصل مع بعض العناصر الفدائية في شمال لبنان، وانه زودهم ببيانات وبرنامج سياسي توجيهي كان اورلخ لوسبرخ قد اعطاه لاحد عناصر رصد الفدائيين لتعميمه على رفاقه، وفيه دعوة للقضاء على القيادات الفدائية الناشطة، وخاصة من تتبني عمليات كميونخ داعيا إلى تنقية العمل الفدائي من كل شائبة مدعيا انه مناصر للقضية الفلسطينية.
بعد الانتهاء من استجوابه من قبل النقيب عصام ابو زكي، تمت احالته على المحقق العسكري الياس عساف، الذي باشر التحقيق معه، وتبين من التحقيق انه يحمل جواز سفر ألمانياً مزوراً، عليه سبعة أختام دخول الى لبنان والمانيا، وهو من مواليد دوسلدورف الالمانية 1948، وهو ضابط استخبارات إسرائيلي، كما تبين انه يملك مبلغاً كبيراً من المال مودعاً في بعض المصارف، وكشفت التحقيقات معه عن تحويلات بعشرات الالوف من الدولارات جرت من المانيا الغربية لحساب لوسبرخ الذي ادخر في بنك علي جمال 130 الف ليرة لبنانية إلى جانب تلقيه اموال من مصادر فلسطينية.
حاول الموساد تأسيس منظمة فلسطينية تحمل اسم ميونخ 72 فى طرابلس شمال لبنان ، من اجل ربط الفلسطينين بحادث الألعاب الأولمبية ميونيخ 1972 والحركة النازية ، وتشويه العمل الفدائي كما حدث فى الاردن عام 1970، والقيام بعمليات اغتيال لشخصيات فلسطينية ولبنانية.
خلال تواجد اورلخ لوسبرخ في مدينة طرابلس، عمل الاخير على تأسيس منظمة فدائية فلسطينية، وقد استقطب العديد من الشباب اللبناني والفلسطيني، عندما كان يتردد على مخيم البداوي، لتدريب عناصر الكفاح المسلح الفلسطيني على لعبة الكارتيه، مع العلم ان إبراهيم البطراوي كان يقود جهاز الكفاح المسلح في مخيمات الشمال ، وقد تدخل لدى النقيب عصام ابو زكي مع اجل الافراج عن الجاسوس الألماني الإسرائيلي ، تحت حجة انه مناضل اممي ، على غرار كوزو أوكاموتو وكارلوس ، كما تبين من خلال التحقيقات التي اجراها ابو زكي ان الجاسوس الألماني غرر بعدد كبير من الشباب اللبناني الذين تعرف عليهم خلال تردده على احدى الاندية التي كان يمارس بها لعبة الكارتيه في مدينة طرابلس ، لا شك ان هذه المعلومات وغيرها تلقي الضوء على عمل جهاز الموساد في لبنان والدول العربية والعالم ، وتضع العديد من علامات الاستفهام حول الكثير من التنظيمات المجهولة المصدر مثل داعش والقاعدة.
كما تم استجواب جميلة معتوق التي اقرت بمعرفتها بعملية خطف خطيبها وان اورلخ لوسبرخ اعطاها رسالة باللغتين الألمانية والإنكليزية، وطلب منها تسليمها إلى الدكتور ولتر نوفاك في السفارة الألمانية في بيروت. وافادت جميلة معتوق ان مضمون الرسالة يفيد ان منظمة فدائية فلسطينية خطفت اورلخ لوسبرح، وهو في حالة جيدة، وان المنظمة الفدائية تطلب من الحكومة الألمانية فدية قدرها 15 مليون ليرة لبنانية، بما يعادل ثمانية ملايين دولار اميركي في ذلك الوقت لاطلاقه، وفي حال الرفض ستعمد منظمة ميونخ 72 الفدائية إلى قتله. وقد اتلفت جميلة معتوق الرسالة بعدما افتضح امر الخطف المدبر . وافادت جميلة معتوق انها كانت بمعيته في بيروت يوم 11 نيسان 1973، اي اليوم التالي لتنفيذ عملية فردان وانهما مرا في الشارع وشاهدا الابنية التي قتل فيها قادة المقاومة الفلسطينية الثلاثة. كما انها كانت برفقته عندما زار مخيم نهر البارد ومخيم البداوي بعد عملية نفذها جيش الدفاع الإسرائيلي 21 فبراير1973 والتي استهدفت مواقع حركة فتح، ذهب ضحيتها عدد من الاتراك التابعين لجماعة عبد الله اوجلان، بالاضافة إلى عدد من الفلسطينيين وموقع تدريب الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في مخيم نهر البارد، كان عضو الجيش الأحمر الياباني كوزو أوكاموتو قد تدرب فيه قبل تنفيذ عمليته في مطار اللد .
بعد اعتقال الجاسوس اورلخ لوسبرغ، اسمه الحقيقي حجاي هداس، في حقل العزيمة من قبل قائد شرطة مدينة طرابلس النقيب عصام ابو زكي، كلف ياسر عرفات مسوؤل الكفاح المسلح الفلسطيني في شمال لبنان الرائد إبراهيم البطراوي بالتواصل مع النقيب عصام ابو زكي من اجل اقناعه بالافراج عن الجاسوس اورلخ لوسبرخ تحت حجة انه مناضل اممي يناصر القضية الفلسطينية، وله افضال على الفدائيين الفلسطينيين الذين كان يدربهم في مخيم البداوي، فرفض النقيب عصام ابو زكي هذا الامر بشدة، وابلغه ان الألماني اورلخ لوسبرغ هو ضابط إسرائيلي مكلف باغتيال سعيد السبع، وان ملفه اصبح بعهدة المحكمة العسكرية فى بيروت.
بعد توقيف الجاسوس الإسرائيلي، وما ادلى به من اعترافات امام المقدم عصام ابو زكي. بدأ السفير الالماني ولتر نوفاك مع ضابط سي أي أيه في بيروت، روبرت اميس، بممارسة الضغوط على الحكومة اللبنانية للافراج عن اورلخ لوسبرخ، كما ان مدير الشعبة الثانية اللبنانية جول بستاني تحرك في كل الاتجاهات من اجل تبرئة الجاسوس الإسرائيلي، اما النقيب عصام ابو زكي، فقد تم ابعاده عن الملف، بعد الضغوط التي مارسها ضابط سي أي أيه في بيروت روبرت اميس على الاجهزة الامنية اللبنانية، حتى لا يدلى بشهادته فى المحكمة العسكرية، فتم ترشيحه الى دورة لمكافحة المخدرات فى الولايات المتحدة حسبما جاء في وثائق ويكيليكس مع ان الدورة لم تكن من اختصاصه، وبعد وصوله إلى الدورة في امريكا، تقدم منه احد الضباط المشاركين في الدورة، معرفاً عن نفسه بأنه ضابط درزي من إسرائيل ،وهو يرغب بالحديث والتعرف اليه عن قرب بحكم انه من نفس الطائفة، لكن النقيب عصام ابو زكي، كان حازما عندما رفض الحديث معه بصورة قطعية. بقي اورلخ لوسبرخ في المعتقل اللبناني لمدة شهرين، وتم تحويل ملفه مع عشرين شخصا من معارفه إلى المحكمة العسكرية، التي كانت برئاسة القاضي اسعد جرمانوس وتولى الدفاع عنه وعن جميلة معتوق المحامي والوزير اللبناني رشيد درباس، إلى ان تم ترحيله من لبنان واغلاق ملفه بظروف غامضة، هي اشبه بالصفقات السوداء.