ميناء الحديدة : المعركة المؤجلة ..حسم الخيارات في بوابة جنوب البحر الاحمر

07.06.2018

مدينة "الحُديدة" هي منطقة عمق استراتيجي، ومعركتها الهامة كانت مؤجلة منذ بدء الحرب في اليمن في مارس 2015، حيث اشتعلت خلال عامين من حين الى اخر معارك في الساحل الغربي تقدمت باتجاه الميناء، وما لبثت ان تراجعت، ومؤخرا يبدو ان هناك محاولة سعودية لحسم المعركة سياسيا وعسكريا ، خاصة انها منطقة نفوذ امريكيه –بريطانية منذ 4 عقود، بعد تقاسم تركة الاتحاد السوفيتي ، حيث كانت قاعدته العسكرية في جنوب البحر الاحمر.

المعركة مشتعلة بين قوات التحالف السعودي "قوات دعم الشرعية" ، وجماعة انصار الله الحوثيين الموالية لطهران، وهي بحسب الخارطة العسكرية معركة مصيرية لكلا الطرفين.

اهميتها تأتي من اهمية موقع محافظة الحُديدة الساحلية على البحر الاحمر المشرف على اكبر واهم الموانئ اليمنية في شمال غرب اليمن، حيث باب المندب، ونقطة الامداد الحيوي لليمن، والتي تقع منذ نهاية العام 2014 تحت سيطرة جماعة الحوثي.

ميناء الحُديدة من ناحية عملية ومن وجهة نظر الامم المتحدة والمنظمات الانسانية، هو خط الامداد الاقتصادي والتجاري لنقل البضائع والمساعدات، وزادت اهميته خلال سنوات الحرب كشريان وحيد لانقاذ ملايين اليمنيين، وسط تفاقم كارثة انسانية، ونقص المواد الغذائية والدوائية، وتفشي المجاعة. وهي المأساة التي تصنفها الامم المتحدة بأنها الاكبر منذ الحرب العالمية الثانية، وتضع المجتمع الدولي في مأزق قانوني وانساني- حقوقي.

لكن "الحُديدة" في عين التحالف السعودي، هي شريان الحياة بالنسبة لجماعة الحوثي اليمنية، التي تستفيد من عائدات الميناء، وموارده المالية، كما انه منفذها البحري الوحيد لوصول الدعم المسلح للحوثيين من البحر. ولولا الحديدة لتم حصر وحصار الحوثيين في جبال الشمال من صنعاء الى صعده.

و الحُديدة في نظر الحوثيين هي النافذة التي تطل عليها الجماعة المسلحة على اهم ممر ملاحي في المنطقة ، والذي يشكل مع مضيق هرمز، وقناة السويس مثلث مرور التجارة العالمية ، ويعتبر من اهم نقاط قوة سيطرتها العسكرية في اليمن، ومرتكز اساسي لبقاء حكم الجماعة في اهم المواقع في منطقة جنوب الجزيرة العربية.

ولقد كانت محل الخلاف الابرز منذ العام 2013 في مؤتمر الحوار والذي كان برعاية اممية وسعودية -امريكية، حيث طرح فيه فكرة تقسيم اليمن الى 6 اقاليم، منها اقليم "ازال " وعاصمته صنعاء، وهو يمتد الى الشمال حيث صعده منطقة نفوذ الحوثيين ، عبر سلسلة المناطق الجبلية المعزولة عن البحر، دون ان يكون هناك اي منفذ مائي، وهو الامر الذي اثار رفض جماعة الحوثي، وفجر الخلاف في مؤتمر الحوار الذي انتهى في بداية العام 2014 باقرار قانون الاقاليم دون تعديل، بعدها اقتحمت قوات الحوثيين المسلحة صنعاء، وسيطرت على ميناء الحديدة، وطردت منها قوات الرئيس عبد ربه هادي وحلفائه من الاحزاب السياسية.

احكام قبضة جماعة الحوثي على الحديدة بعد اسابيع من سيطرتها على صنعاء، مكنها من احكام سيطرتها على الشمال كاملا، فتاريخيا كانت الحديدة هي بوابة صنعاء البحرية، وبدون الحديدة تبقى صنعاء قلعة مقفلة على حاكمها، لذلك كان اهتمام كل من حكم اليمن الشمالي بالحديدة. وبموقعها المهم القريب من باب المندب حيث تمر عبره ناقلات نفط الخليج الى اوروبا.

غير ان نفوذ وسيطرة الحوثيين على المواقع والجزر التي تشرف على باب المندب تقلص فيه كثيرا منذ مطلع هذا العام، وفقدوا السيطرة على كثير من الجزر والمواقع المطلة على المضيق، واهمها موقع مديرة "ذو باب".

المندب كان محل اهتمام تاريخي من قبل السعودية، وهي تركزحاليا في خطابها للعالم على الخطر الذي يشكله سيطرة جماعة مسلحة على هذا الميناء ، لتفسير بأن سيطرة الحوثيين عليه يشكل خطرا على خط الملاحة الدولي، اي انه خطر عالمي لايهمها وحدها بل ايضا الحركة التجارية العالمية، ويجب انهاء سيطرتهم المسلحة عليه ، لحماية الممر العالمي ، بعد ان استهدف الحوثيون بوارج وسفن حربية خليجية وامريكية.

الحديدة "بضم الحاء" هي سبب الحرب الاخيرة في اليمن، وهي سبب سيطرة الحوثيين على اليمن، واهم اسباب استمرار الحرب، وكذلك عرقلة المفاوضات، انها اهم من مجرد ميناء، انها ملخص لاهمية موقع اليمن الاستراتيجي، والصراع التاريخي عليه .

في الستينات كانت الحديدة سببا في تغيير الواقع السياسي اليمني، حيث كان رصف وتوسيع ميناء الحديدة، وشق الطريق من الحديدة الى صنعاء على يد السوفييت والصينين في زمن حكم الامام احمد بن حميد الدين ، عاملا مساعدا لقيام الثورة اليمنية عليه، بدعم الجيش المصري في سبتمر 1962 – حيث وصلت القوات المصرية الى ميناء الحديدة ومنها دخلت الى صنعاء، وقلبت نظام الحكم من نظام ملكي – امامي موالي للسعودية، الى نظام جمهوري موالي لمصر جمال عبد الناصر.

ومن هنا كان اهتمام الرئيس المصري الراحل "جمال عبد الناصر" بموقع اليمن المشرف على باب المندب، حيث انه البوابة الجنوبية للبحر الاحمر ولقناة السويس، ومن مهام الجيش المصري، تأمين قناة السويس وخطها الجنوبي، لذلك فاليمن عمق مهم لمصر، وبوابة صد في خارطة الامن القومي، فتأمين عروبة باب المندب اولية لدى الجيش المصري. في حربه وقتها مع اسرائيل. وكذلك في اشتراكه مؤخرا بقطع بحرية في عمليات "عاصفة الحزم" 2015 والحرب السعودية في اليمن، لتامين هذا الخط الحيوي المتعلق مباشرة بقناة السويس.

وهذه الاهمية الامنية للموقع هي من تدفع السعودية ، لمنع وجود اي قوات اخرى عليها، سواء كانت المصرية في الستينات، او حاليا الحوثيه الموالية لايران، لذلك فان بقاء الميناء في يد الحوثيين هو مصدر قوة لهم ، ومصدر خطر على السعودية، ومصدرضغط دولي على الامم المتحدة.

بدأت العمليات العسكرية المتقطعة في الساحل الغربي في العام 2016 ، وهي العمليات التي تقودها على الارض القوات الاماراتية ، باسناد جوي سعودي- امريكي، وحلفائها على الارض قوات المقاومة الجنوبية ، ومؤخرا انضمت لها الوحدات العسكرية بقيادة "طارق صالح" بعد فض الشراكة العسكرية مع الحوثيين لقتلهم عمه الرئيس السابق "علي عبد الله صالح".

الامم المتحدة كانت قد اقترحت وقتها تسليم ادارة الميناء لجهة محايدة، تدير الميناء لضمان وصول البضائع والمساعدات لملايين اليمنيين، وهو المقترح الذي رفضته كل الاطراف، فالامم المتحدة وبعض الدول كروسيا لاتؤيد فكرة دخول الحديدة على خط النار المشتعل في اليمن، او نزع سيطرتها من جهة وتسليمها لجهة اخرى.

ففي حال سيطرة قوات التحالف السعودي – الاماراتي على كامل الشريط الساحلي وعلى ميناء الحديدة، فان هذا يضع الميناء تحت طائلة الصورايخ الحوثية التي ستتخذ من الجبال في الشمال منصة صواريخ تستهدف بها الميناء والمدينة المكتضه بالسكان، كما ان فكرة حصار الحوثيين في الشمال، من خلال الاستيلاء على ميناء الحديدة، يعني محاصرة ملايين اليمنيين ومنع دخول الغذاء والدواء ويرفع ارقام المجاعة والاوبئة.

خطورة الموقف تترجمه زيارة المبعوث الاممي لصنعاء هذا الاسبوع لتأكيد موقف الامم المتحدة من عامين، واقناع الحوثيين بتسليم الميناء لجهة محايدة، وهو الامر الذي قبله الحوثيون مؤخرا بشروط اهمها تسليم الرواتب وفك الحصار.

الوضع الاقتصادي الخانق زاد مع نقل البنك المركزي من صنعاء الى عدن قبل عامين ، حيث ارتبكت السياسية المالية لقوات الشرعية، وفشلت في احتواء الامر مما تسبب في قطع رواتب الموظفين لاكثر من عامين، وزيادة الازمة الانسانية والاقتصادية ، وانهيار سعر العملة المحلية، وسعر الصرف.

وهو ما دفع باللجنة الرباعية "امريكا- بريطانيا- السعودية- الامارات" للتفكير بنقل البنك المركزي من عدن الى الاردن، وهي الخطوة التي لم تتم، ولكنها تظهر جزء من التخبط وسوء الادارة والفشل الاقتصادي في ادارة موارد اليمن، والسيطرة عليه في المناطق التي تقع تحت سيطرة التحالف السعودي.

ولقد حذر خبراء الاقتصاد وقتها من ان نقل البنك المركزي من صنعاء الى عدن ليس بالفكرة السليمة، وانه سيفاقم من الازمة الاقتصادية، ويعني حدوث مجاعة، وهو ما حدث فعلا ، ولكن تحالف السعودية كان يفكر فقط بقطع الامداد المالي على الحوثيين في صنعاء دون اهتمام بمردود ذلك على ملايين اليمنيين، ومن هنا يأتي تخوف المنظمات الدولية، والخبراء، من فكرة سيطرة قوات الشرعية – السعودية على ميناء الحديدة، بهدف محاصرة الحوثي، لانه الامر الذي سينعكس بالسوء على الوضع الانساني.

ووسط قبول امريكي ، كانت روسيا قبل عامين قد اعلنت رفضها للامر ، واظهرت القلق من مساهمة ذلك في تفاقم الكارثة الانسانية، وحاليا تعود الحديدة للصداره ، كمعركة كانت مؤجلة وقتها.

ويبدو ان قوات التحالف السعودي تريد حسم الامر قبل بدء المفاوضات التي يمهد لها المبعوث الاممي، وان صح موافقة الحوثيين على الاقتراح الاممي، فان هذا قد يجمد العمليات العسكرية في الساحل الغربي عموما، ويعيد مسار المفاوضات المتوقف منذ عامين، ويخفف من المأساة الانسانية. خاصة انه من ضمن الشروط التي يضعها الحوثيون فك الحصار وفتح مطار صنعاء وتسليم الرواتب لموظفي الدولة.