الجنرالات وسوريا والمنطقة
الرجل الذي يظن ان رأسه قد يلامس، في اي لحظة، قدمي الله. هكذا كان يقول جنكيز تشاندار قبل ان يعتزل الكتابة ضجراً وربما تقززاً. في اخر مقالاته كتب «قد لا يجد الصحافي التركي مكاناً آمنا للكتابة سوى الهواء».
غريب ان الصحافي التركي الرائع كان يتوقع كل ما يحدث الان. حتماً سيحاول رجب طيب اردوغان بعد ان يتوج سلطاناً في 16 نيسان المقبل، ارغام الاتراك على تبني تعديل دستوري آخر يعلنه .... نبياً.
حتى الان ما زال يزاول هواية الخداع. الصحافيون الذين يلتفون حوله كما الببغاءات وضعوا تلك المقالات التي توحي بأنه بحركة من اصبعه (المحترق) يستطيع ان يأتي برئيس الاركان في الولايات المتحدة الجنرال جوزف دانفورد والروسي فاليري غيراسيموف الى انطاليا ليظهرا في صورة واحدة مع رئيس الاركان التركي الجنرال خلوصي آكار.
تسويق الصورة عبر الشاشات التركية كان مثيراً بل ومذهلاً، كما لو ان الاتراك لا يدركون مدى صدمة اردوغان حين اتفق الاميركيون والروس على قطع الطريق عليه والدخول الى منبج بعد ما كان قد اعلن امام الملأ «من الباب الى منبج».
اجتماع انطاليا كان لرسم الخطوط الحمراء امام الجيش التركي، وان كان الكرملين قد وعده بمنع قيام دولة كردية في الشمال السوري. هذا ليس رأي الاميركيين الذين خططوا بدقة لقيام ذلك الكيان اذا كان اردوغان قد قرأ ما كتبه الاميركي مايكل كوفمان من ان هناك في الغرب من يريد ان يرفع العصا في وجه السلطان العثماني.
لدى اجهزة الاستخبارات على انواعها كل المعطيات، وكل التفاصيل وكل الوثائق، حول الدور الذي لعبته الاستخبارات التركية، وبايعاز مباشر من اردوغان، في تصنيع تنظيم «داعش»، ودائماً بالتنسيق مع جهات عربية قال كوفمان نفسه انها كانت تراقص، بالسيوف المرصعة، اكلة لحوم البشر.
اكثر من معلق غربي يعتقد انه لم يعد من سبيل امام الرئيس التركي سوى ان يمد اليد، اليد المحطمة، الى نظيره السوري بشار الاسد. في روسيا يصفونه بـ «الضرورة القاتلة»، وفي اميركا يصفونه بـ «العثماني القبيح»، ودون ان يكتفي بالتعامل مع العرب على انهم من بقايا السلطنة .
ها ان اظافره تمتد الى وجه انغيلا ميركل.هل يمكن ان يكون رجل دولة ذاك الذي يصف ممارسات المستشارة الالمانية بالممارسات النازية لان سلطات محلية في بلادها منعت تنظيم تجمعات لمهاجرين اتراك، ويخطب فيهم اما رئيس الوزراء بن علي يلدريم او وزير الخارجية مولود جاويش اوغلو، او اي وزير آخر لاجتذاب اصوات هؤلاء المهاجرين في استفتاء 16 نيسان حول الصلاحيات الرئاسية.
بمنتهى التهذيب (والتأنيب) ردت عليه ميركل، في حين كان مستشار النمسا كريستيان كيران الذي لبلاده ذكريات صارخة مع الخيول العثمانية اقل ديبلوماسية حين ذكرّه بأن في النمسا دولة القانون لا دولة قطاع الطرق.
على ضفتي الاطلسي لا احد يطيق رجب طيب اردوغان. كلهم يعلمون ويؤكدون على اللقاءات التي عقدت بين مدير استخباراته حقان فيدان وابي بكر البغدادي, واي معلومات اعطيت هذا الاخير لاقتحام الموصل.
عادة في هذا الشرق البائس تموت الوثائق او تهمل لكن الاوروبيين والاميركيين (اين الانكليز؟) قد ينفضون الغبار عنها ذات يوم ليعلم الاحفاد اي دور لعبه اردوغان في تركيب ذلك الطراز من الانكشارية.
اكثر من مرة تحدثنا عن النيوانكشارية للنيوعثمانية. هكذا تم تدمير سوريا، وهكذا تم تفكيك العراق، وهكذا تم استنزاف مائة مليار دولار من صناديق العرب (والاتي اعظم) من اجل معارك (واحلام) دونكيشوتية. ومتى لم يكن العرب يحاربون طواحين الهواء؟
اين هو رجب طيب اردوغان من القضية الفلسطينية التي استخدمها لاختراق الغرائر العربية (الطازجة دوما)، وهل يكفي كرنفال فولكوري في اسطنبول، ونجــومه «الاخوان المســلون» لكي يتمثل السلطان الحالي بالسلطان عبد الحميد.
منبج كانت النقطة الحمراء في لعبة الخطوط الحمراء. منذ بداية الازمة السورية, قال فلاديمير بوتين ان قواعد النظام العالمي الجديد تنبثق من سوريا. حين يظهر رئيسا الاركان الاميركي والروســي على طاولة واحدة في انطاليا (رئيس الاركان التركي لم يكن سوى تفصيل، سوى اداة)، فقل ان يوماً آخر في سوريا، وفي المنطقة، يدق الابواب.