إتفاق الهدنة في سوريا يؤجج الخلاف بين الخارجية الأمريكية والبنتاغون
أجج الاتفاق الأميركي - الروسي لتهدئة العنف في سوريا، الخلافات بين وزير الخارجية الأميركي جون كيري وبين وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر، الذي يتحفظ على خطة التنسيق والتعاون ين القوات الأميركية والروسية لاستهداف الجماعات الإرهابية.
فالوزير كارتر هو من بين عدة مسؤولين في الإدارة الأميركية وقفوا موقفاً معارضاً للاتفاق وذلك أثناء مكالمة فيديو عبر الأقمار الصناعية جمعت هؤلاء المسؤولين في البيت الأبيض مع الوزير كيري الذي حدثهم من جنيف.
دار أثناء المكالمة جدل بين الطرفين نفد له صبر كيري، ورغم أن الرئيس أوباما وافق في نهاية المطاف على الاتفاق وتفاصيله بعد ساعات من الجدل والنقاش إلا أن مسؤولي البنتاغون ما زالوا على موقفهم غير مقتنعين بالاتفاق.
أسباب الخلاف
في يوم الثلاثاء 13 سبتمبر/أيلول 2016، رفض المسؤولون في البنتاغون أحد بنود الاتفاق الأولية، الذي ينص على أنه في حال أوقِف إطلاق النار ونجحت تهدئة أعمال العنف لـ7 أيام في سوريا، فعندئذ تلتزم وزارة الدفاع الأميركية بتنفيذ حصتها من الاتفاق في اليوم الثامن، التي تقضي بأن تتعاون مع روسيا تعاوناً فوق العادة يتشارك فيه الجيش الأميركي المعلومات مع موسكو حول أهداف تنظيم داعش في سوريا.
الفريق جيفري هاريغيان، قائد الإدارة المركزية للقوات الجوية الأميركية، قال لصحفيين في مكالمة فيديو: "لست أقول نعم أو لا، فمن المبكر القول إن كنا سندخل في الاتفاق من فورنا".
كذلك تشكك مسؤولو البيت الأبيض، فقال السكرتير الصحفي للبيت الأبيض، جوش إيرنست، يوم الاثنين 12 سبتمبر/أيلول 2016 في بيان موجز: "أظن أن لدينا أسباباً تدعونا للتشكك بقدرة الروس أو في رغبتهم الصادقة بتنفيذ الاتفاق حسب الطريقة الموصوف بها"، وأضاف بنبرة كلها تشكك: "لكننا سنرى".
من وجهة نظر كيري، كان على الإدارة الأميركية فعل كل ما بوسعها لوقف استمرار قوات الرئيس بشار الأسد في قصف المدنيين، وعندما دخل الروس طرفاً في الحرب بات مربط الفرس عند الرئيس بوتين، فبالاتفاق معه عندها سيعمد الروس إلى الضغط على الأسد؛ كي يكف بأس طيرانه عن سماء البلاد.
بالنسبة لكيري، فإن قضيةَ تهدئةِ العنف في سوريا والتوصلَ في نهاية المطاف إلى اتفاق سياسي يتخلى فيه الأسد عن السلطة بالحسنى هي قضية تمثل إرثه ووصيته وسمعته الشخصية؛ حيث إن أول مشروع رئيسي تولاه كيري حينما تسلم وزارة الخارجية –الذي كان إحياء محادثات سلام الشرق الأوسط- فشل فشلاً ذريعاً قبل أن يكمل الوزير عامه الأول في منصبه؛ في حين أن مشروعه الرئيسي الثاني (اتفاق إيران النووي) شهد نجاحاً أكبر بمساعدة الدبلوماسيين الروس؛ حيث تم إقناع الإيرانيين بشحن معظم مواد برنامجهم النووي إلى خارج البلاد وتفكيك أهم مرافقه.
أما الاتفاق السوري، فبشهادة كيري نفسه أمام وزارته يوم الاثنين هو أكثر تعقيداً، والسبب في ذلك جزئياً يعود إلى كثرة أطرافه -ما عدا واشنطن وموسكو- وتضارب مصالح الجميع فيما ستؤول إليه الحرب.
كذلك صارح كيري مساعديه وأصدقاءه سراً بأنه لا يعتقد أن الأمر سينجح، إلا أنه قال إنه عازم على المحاولة كي لا يغادر هو وأوباما منصبيهما مخلفين وراءهما فشلاً في مداواة جراح حرب أودت بحياة نصف مليون إنسان تقريباً.
اليوم الأول الذي مر بأكمله دون إطلاق نار كان الثلاثاء 13 سبتمبر/أيلول 2016 من دون خروقات تذكر، لكن غمامةً مثقلة بالتشكك والارتياب خيمت على أجواء مناطق الحرب السورية وفق ما أفاد به السكان ومجموعات المراقبين هناك. زاد الشكوكَ بشكل جزئي ما بدا أنه تلكؤ وتأخير أممي في الإسراع بتوصيل المساعدات إلى مدينة حلب وغيرها من مناطق القتال شمال البلاد؛ حيث يعاني المدنيون حرمان الطعام والدواء. يذكر أن توصيل المساعدات إلى تلك المناطق عنصرٌ هام ضمن بنود اتفاقية الهدنة.
من جهته، قال مسؤول الوساطة الأممية ستيفان دي ميستورا من جنيف متحدثاً للصحفيين إن ثمة "انخفاضاً كبيراً في العنف" منذ دخول اتفاق الهدنة حيز التنفيذ مع مغيب شمس يوم الاثنين 12 سبتمبر/أيلول (الذي وافق أول أيام عيد الأضحى المبارك)، بيد أنه قال إن شاحنات المساعدات الأممية المتجهة إلى حلب والمصطفة عند الحدود التركية - السورية لم تتلقَّ بعد تأكيدات سلامة تنقلها؛ كذلك قال دي ميستورا إن الحكومة السورية لم تقدم بعد التراخيص المسموحة والإذن بدخول المساعدات إلى مناطق أخرى، مضيفاً: "لكننا نتطلع ونأمل ونتوقع أن تصدر الحكومة هذه التراخيص عما قريب جداً".
الشرخ بين كيري وكارتر يعكس الانقسام الداخلي ضمن سياسة أوباما تجاه سوريا، فقد طالت الرئيس أوباما انتقادات نارية متزايدة لرفضه التدخل بقوة أكبر في الحرب التي دامت 5 سنوات حتى الآن، والتي تقول الأمم المتحدة إنها قتلت أكثر من 400 ألف شخص وشردت 6 ملايين آخرين وفجرت أزمة لاجئين في أوروبا.
بالتالي أصبح الوضع بالنسبة للجيش الأميركي كما يلي: في الوقت الذي تجد فيه الولايات المتحدة وروسيا نفسيهما منهمكتين في أشد وضع قتالي لهما منذ نهاية الحرب الباردة، فجأة ترِدُ الجيشَ الأميركي أوامر تلزمه بعد أسبوع بمشاركة المعلومات الاستخباراتية مع أحد أكبر أعدائه كي يستهدفا قوات تنظيم داعش وجبهة النصرة في سوريا.
الجنرال فيليب بريدلوف الذي استقال مؤخراً من منصب قائد أعلى في حلف الناتو، قال يوم الاثنين 12 سبتمبر/أيلول 2016 في مقابلة: "إني أظل متشككاً بأي شيء له علاقة بالروس، فهناك أسباب كثيرة تدعونا للقلق من مشاركة معلومات أماكن تموضع قواتنا".
وفي رسالة إلكترونية، قال بيتر كوك السكرتير الصحفي للبنتاغون: "كما قال الوزير كارتر، لقد عمل الوزير كيري بلا كلل أو ملل في محاولة لتخفيف معاناة الشعب السوري والتوصل لحل دبلوماسي للحرب السورية، فإن جرى التنفيذ بالكامل عندها قد يفلح الاتفاق في إحراز تقدم نحو هذه الأهداف الهامة".
وأضاف كوك أن وزارة الدفاع "سوف تضطلع بمسؤولياتها، لكن الأمر في الحقيقة عائد إلى روسيا ونظام الأسد لتنفيذ البنود والشروع أخيراً في فعل الصواب في سوريا".
ومن أهم مخاوف البنتاغون، هل ستنكشف طريقة استخدام أميركا للمعلومات الاستخباراتية في إجراء القصف الجوي إن هي شاركت معلومات الأهداف مع روسيا ليس فقط في سوريا بل في غيرها من الأماكن كذلك؟ الخوف هو من أن تستخدم موسكو هذه المعلومات لاحقاً للكشف عن تورط الجيش الأمريكي في أعمال غيرقانونية ودعم جهات إرهابية ومتطرفة.
ولكن بالنسبة لفريق مستشاري كيري المقربين، فإن مقاربة البنتاغون وأسلوبه يعلَل بعقلية رد فعلي انعكاسي منشؤه أيام الحرب الباردة، فرغم كل أسباب التوتر الأخرى مع موسكو يري فريق كيري أن الروس أنفسهم لم تكن نيتهم التورط في أوحال المعضلة السورية، وأنهم سيبدون تعاوناً إلى درجة ما.
في الماضي عمل البلدان معاً ضمن نطاق محدود رغم أن تعاونهما ذاك كان على طاولة المفاوضات أكثر منه تعاوناً على أرض المعركة. كذلك عمل الدبلوماسيون الروس والأميركيون معاً على التوصل لاتفاق إيران النووي، وأيضاً حاولوا لكن دون جدوى التوصل إلى اتفاق دائم حول نزع الأسلحة النووية من شبه الجزيرة الكورية، بيد أن كوريا الشمالية منذ وقتها أجرت اختبارات لعدة أسلحة نووية.
عندما دخلت روسيا معمعة الحرب السورية عام 2015 ضد تنظيم داعش وضد المعارضة المشكوك بتوجهاتها والمدعومة أميركياً في آن معاً، اتفق البلدان على عقد محادثات لتخفيف حدة المواجهة في نشاطهما العسكري، لكن تلك المحادثات كان في إطار ضيق، حيث انصب تركيزها في المقام الأول على الاحتراز من اعتراض الطائرات الروسية والأميركية لطريق بعضهما عبر أجواء المجال الجوي السوري. وقد قال مسؤول في البنتاغون إن محادثات "تخفيف المواجهة" هذه قد نجحت إلى حد كبير لكن مع استثناءات.
في الوقت ذاته اتخذت قوات وجيوش البلدين وضعيات متأهبة قتالية متزايدة في مواجهة بعضهما البعض في مناطق أخرى، مثل البحر الأسود وبحر البلطيق.