بريطانيا وروسيا.. مساع لتحسين العلاقات ولقاء قريب بين بوتين وماي
بعد ما يقارب العشر سنوات من الانتقادات الحادة في المملكة المتحدة للسياسة الروسية هناك مؤشرات إلىا أن الحكومة البريطانية قد تكون مستعدة للتعاون مع روسيا مرة أخرى.
وافق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي على الاجتماع في قمة مجموعة العشرين في الصين في الرابع والخامس من -سبتمبر/ ايلول عبر اتصال هاتفي، وقد أعرب الزعيمان عن استيائهما من الحالة التي وصلت إليها العلاقات البريطانية الروسية. قرار الاجتماع الذي جاء بمبادرة من البريطانيين قد يكون مؤشرا إلى مستقبل مشرق لهذه العلاقات.
وقال المتحدث باسم الحكومة البريطانية إن الزعيمين توصلا إلى قرار مفاده أن مواطني المملكة المتحدة وروسيا يواجهون مختلف التهديدات التي تتعلق بالإرهاب. ذكر الكرملين أن بوتين وماي اتفقا على العمل معا والتواصل في مجالات الاستخبارات وسلامة الطيران من أجل صد تهديدات الإرهابيين الدوليين في المستقبل.
بدأت التوترات بين البلدين بالتدهور عام 2007 بسبب المسؤول السابق في المخابرات الروسية ألكسندر ليتفينينكو، الذي تورط بقضية التسمم الإشعاعي الغامضة، وكان قد طلب اللجوء إلى المملكة المتحدة.
في ذلك الوقت، حكومة بروان غوردون براون لحزب العمال قطعت الاتصالات المرتبطة بالإرهاب الدولي مع روسيا ، ووضعت قيود جديدة للتعاون. اتخذت حكومة حزب العمال قيودا على تأشيرات الدخول وغيرها من الإجراءات التي وصفت بالقاسية. أصبح التعاون أكثر صعوبة في ظل صراع روسيا مع جورجيا عام 2008، والذي اعتبرته المملكة المتحدة عملا عدوانيا من قبل روسيا.
في هذا الوقت، أجبرت المشاكل العالمية كلا البلدين على التعاون كأعضاء في مجلس الأمن الدولي. الأزمة المالية العالمية في عام 2008 أجبرت غوردون براون على إرسال أحد وزراء التجارة في حكومته بمهمة رسمية إلى موسكو.
في نوفمبر/ تشرين الثاني 2009، قام ديفيد ميليباند وزير الخارجية البريطاني بأول زيارة رسمية إلى روسيا بعد خمس سنوات من القطيعة. في سياق المحادثات تم توقيع ثلاث اتفاقيات رئيسية تتعلق بالشأن الإيراني وبأفغانستان وبالشرق الأوسط ومع ذلك، ظل التوتر قائما بين البلدين.
التعاون الاقتصادي بين البلدين لم يتأثر حتى حصول أزمة أوكرانيا عام 2014. وعلى الرغم من هذه الأزمة، وفقا لوزارة التنمية الاقتصادية، فإن المملكة المتحدة لا تزال واحدة من أكبر الشركاء التجاريين لروسيا.
في نهاية عام 2015، كانت بريطانيا تحتل المرتبة الثالثة عشر من حيث التجارة والتصدير مع روسيا. بلغ حجم التجارة 11.2 مليار دولار، وكان أقل بنسبة 42 في المائة مما كان عليه في عام 2014. وفي يناير حتى مارس من عام 2016، استمر الانخفاض في التجارة. بلغ حجم التجارة الثنائية 2.4 مليار دولار وهو أقل بنسبة 14 في المائة عما كانت عليه في نفس الفترة من عام 2015.
كما تحتل بريطانيا المرتبة الحادية عشرة من حيث الاستثمار في روسيا (7.2 مليار دولار). كما أنها تحتل المرتبة الثامنة في الاستثمار الأجنبي المباشر 8.7 مليار دولار. وعلاوة على ذلك لا تزال الشركات البريطانية تعمل في السوق الروسية. التعاون لا يزال ممتازا بين شركات مثل بي.بي وروسنفت وغازبروم. إضافة إلى ذلك هناك مشاريع جديدة يتم إطلاقها مثل تلك الموجودة في المجال الطبي.
عندما يتعلق الأمر بالمجال السياسي فقد حاول رئيس الوزراء ديفيد كاميرون إعادة تجديد العلاقات في ظل إدارته، الأمر الذي تسبب له بمشاكل داخلية. ويشهد على ذلك الرسالة التي وقعها عدد من وزراء حزب العمل السابق الذين أعربوا عن رفضهم تحسين العلاقات مع روسيا.
في عامي 2011 و2012، تواصلت المقالات الاستفزازية بالظهور في الصحافة البريطانية وعلى أساس قائمة ماغنيتسكي، مما أدى إلى وضع القيود على بعض المسؤولين الروس [وقائمة ماغنيتسكي سميت على اسم سيرغي ماغنيتسكي الذي توفي في سجن بموسكو بعد التحقيق معه في تهم الفساد]. ولكن حتى بعد تقرير السير روبرت أوين حول قضية ليتفينينكو في يناير عام 2016، فإن بريطانيا لم تمرر أي تشريع ضد روسيا، على الرغم من الخطاب القوي المعادي لروسيا.
في ذلك الوقت، كان موقف ديفيد كاميرون يعتبر أن هناك قضايا أكثر إلحاحا من قضية ليتفينينكو. من وجهة نظره فإنه من المهم العمل جنبا إلى جنب مع روسيا بشأن قضايا مثل سوريا وإيران، وتنسيق الجهود ضد "الدولة الإسلامية في العراق والشام". وهناك أيضا قضايا دولية أخرى تتطلب التعاون بين المملكة المتحدة وروسيا.
على الرغم من هذا، تحول ديفيد كاميرون ووزير خارجيته فيليب هاموند مرة أخرى إلى الخطاب المعادي لروسيا - وهذه المرة من أجل ضمان نتيجة إيجابية في الاستفتاء حول بقاء المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي. وذكروا أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيفيد بوتين وروسيا لأن أوروبا ستصبح أضعف. ولكن الرأي العام البريطاني ظل رابط الجأش وصوت في نهاية المطاف لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي.
وذكرت صحيفة "تلغراف" أنه وفقا للدبلوماسي البريطاني توني برينتون، الذي شغل منصب السفير البريطاني لدى روسيا من 2004-2008، قفقد " أدت محاولاتنا بفرض عقوبات صارمة من الاتحاد الأوروبي، واستبعاد أنفسنا من الجهود الفرنسية الألمانية لإيجاد حل تفاوضي للأزمة الأوكرانية إلى حدوث مشكلة لنا. وعلى الرغم من أن أمريكا نفسها تبحث عن طريق للمضي قدما مع الروس حول سوريا، يبدو أننا ما نزال متمسكين بالطلب البسيط وهو أنه على الأسد أن يرحل".
ويلاحظ أن دولا غربية أخرى بدأت بالفعل باستعادة علاقاتها مع روسيا. ويحاول المزيد والمزيد من الوزراء وحتى رؤساء الوزراء السفر إلى موسكو لعقد الاجتماعات. ونتيجة لذلك يضعف الدعم لفرض عقوبات جديدة. "لقد حان الوقت بالنسبة لنا أيضا إلى إعادة النظر في مواقفنا"، اعترف برينتون.
دبلوماسي محنك آخر يرى مشكلة في ذلك التصور السائد بأن الخلاف بين روسيا والغرب سيؤدي إلى "حرب باردة جديدة". ويقول إن "هذا هراء خطير يجب أن يتوقف. الصورة التي نبنيها في أذهاننا عن روسيا التي تريد الانتقام هي سخيفة مثل الصورة التي لديهم بأن الغرب عدواني ويريد تطويقهم".
روسيا تنفق أقل بعشر مرات على الدفاع من منظمة حلف شمال الأطلسي، واقتصاد روسيا يمثل ما نسبته واحد على عشرين من حجم الاقتصاد الأوروبي الأطلسي مجتمعا. الروس، وفقا له، ليس لديهم الرغبة لبدء أية حروب خاسرة.
أطلق توني برينتون خطة لتحسين العلاقات مع روسيا تركز على تحقيق الاستقرار في أوكرانيا والتوصل إلى اتفاق مع روسيا حول سوريا. والعمل على حل أزمة سوريا بمساعدة الجميع والتركيز على عدو مشترك هو "الدولة الإسلامية في العراق والشام". ووفقا له، كان وزير الخارجية فيليب هاموند متصلبا في طرحه ويطالب بالمستحيل عندما طالب: بعودة شبه جزيرة القرم إلى أوكرانيا.
لدى وزير الخارجية الجديد، بوريس جونسون، نهج أكثر واقعية. وهو أيضا ينتقد السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي ويرى أنها تنطوي على توريط بريطانيا في الوحل الأوكراني. في عام 2015، قال مجلس اللوردات البريطاني أن إدارة كاميرون كانت تسير وهي نائمة في الأزمة الأوكرانية.