ما الدور الذي تلعبه روسيا في الأمن الأوروبي
لا تزال مسألة تكيف روسيا في أي هيكل جديد للأمن الأوروبي قابلة للنقاش في جميع أنحاء أوروبا من قبل منظمات مثل منظمة الأمن والتعاون، التي عقدت مؤخرا مؤتمرين هامين لمناقشة هذا التحدي.
لا يزال مستقبل الأمن الأوروبي في إطار النقاش في جميع أنحاء القارة. لم تكن فقط قمة الاتحاد الأوروبي في بروكسل في 28-29 يونيو، أو التحضيرات لقمة حلف شمال الاطلسي في وارسو المقرر عقدها في 08-09 يوليو. إنما قررت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، عقد مؤتمرين كبيرين - أيام منظمة الأمن والتعاون في أوروبا ومؤتمر مراجعة الأمن السنوي - في يونيو حزيران لمناقشة الحالة الراهنة للأمن في أوروبا.
وكان الهدف من هذه الأحداث هو محاولة ايجاد سبل للخروج من جو المواجهة الناجمة عن الأزمة الأوكرانية وغيرها من التطورات السلبية الأخيرة، بما في ذلك أزمة الهجرة الأوروبية. بالإضافة إلى بعد المفاجئات القليلة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الاوربي .
"أيام منظمة الأمن والتعاون في أوربا" هو تجمع غير رسمي من الدبلوماسيين والخبراء وممثلي المجتمع المدني (افتتح في 23 يونيو في برلين في الوقت الذي أغلقت فيه مراكز الاقتراع حول استفتاء Brexit أبوابها في بريطانيا). في صباح اليوم التالي، صدم المشاركين بشكل واضح من نتائج الاستفتاء حيث فاز أنصار الخروج من الاتحاد الأوروبي، وخلق مزيدا من عدم اليقين حول الوضع المتأزم والمتوتر.
"هذا يوم أسود لأوروبا"، أعلن جيرنوت ايرلر، ممثل الحكومة الألمانية الخاص في منظمة الأمن والتعاون الأوروبي، في كلمته الافتتاحية. وأضاف "إننا نشهد فترة من عدم اليقين والاضطراب السياسي"، وذلك بعد عدة أيام في فيينا في الجلسة الافتتاحية في مؤتمر مراجعة الأمن السنوي. وخلافا لمؤتمر أيام منظمة الأمن والتعاون، فإن هذا الحدث هو لقاء رسمي من كبار الدبلوماسيين من الدول المشاركة في المنظمة.
"إن المبادئ الأساسية وقيمنا المشتركة موضع تساؤل. أمننا المشترك مهدد من الداخل ومن الخارج. مقارنة مع الحرب الباردة، وعلى الرغم من إعادة التموضع، في كثير من الأحيان، إلا أن هذا لايغطي الموقف. ونجد أنفسنا في مواجهة مع التزامن والخلط بين التحديات المتنوعة "، تابع ايرلر.
توقعات عالية، بدون تحقيق إنجازات في منظمة الأمن والتعاون الأوروبي
وضعت توقعات عالية بعد رئاسة ألمانيا منظمة الأمن والتعاون هذا العام، مع كثير من الأمل أن يساعد ثقل ألمانيا الجديد داخل المنظمة في حل الأزمة الأوكرانية، وربما حتى قد يؤدي إلى تعزيز وإصلاح منظمة الأمن والتعاون.
وتمت صياغة تصريحات ايرلر في مؤتمري منظمة الأمن والتعاون الأوروبي دون أي خطاب قاسي في وجه روسيا، وهذا ماكان سمة من سمات العديد من التصريحات من قبل المسؤولين الغربيين على مدى العامين الماضيين.
وأضاف "وحرصا على الحوار البناء يجب علينا أن نكون مستعدين لرؤية الأشياء من وجهة نظر الطرف الآخر وجهة نظر، على الرغم من أن هذا قد يبدو من الصعب وغير مريح في بعض الأحيان. ولكن هذا ممكن إذا تركنا التشدق وراءنا، وكذلك إصرارنا أن موقفنا هو الوحيد الحقيقي والصحيح ".
هذا الانفراج لم يحدث سواء في المناقشة المفتوحة في برلين أو في الجلسات المغلقة في فيينا. الأحزاب كانت تعيد إلى حد كبير المواقف المعروفة والروايات المتباينة. وكان هذا واضحا خصوصا عند مناقشة الصراع أوكرانيا أو انتقادات الحشد العسكري في أوروبا.
"هذا هو الوقت الخطأ للانفراج المحتمل وأشياء كثيرة جدا تتغير"". قال دبلوماسي من الوفد الغربي.
وفي الوقت نفسه، قال روبرت كوبر، وهو عضو في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية والرئيس السابق لتخطيط السياسات في وزارة الخارجية البريطانية أن نوعا من التسوية في أوكرانيا هو شرط أساسي لأي خطوات جديدة لتحسين الأمن الأوروبي."
"إذا أردنا إعادة بناء الثقة، التي لابد من التعامل من خلالها، فإن الكلام وحده لايكفي، يجب القيام بشيء ما" ، قال كوبر خلال مؤتمر برلين الاسبوع الماضي.
الحذر في تسليح بعثة منظمة الأمن والتعاون الجديدة
وقال كوبر "إن الطريقة التي أرى فيها الوضع بشكل محايد، أن توفير الأمن لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي اليوم يتم من خلال الثقة المتبادلة. في اللحظة التي تبدأوا فيها بالتسليح، سوف تغيرون طبيعة المهمة. شخص ما سوف يبدأ في التفكير، إن هؤلاء الناس يتسلحون ضدنا" ، أعتقد أن هذه القضايا يجب التعامل معها بحذر شديد، وهذا تعبير دبلوماسي".
وعلى نحو مماثل، قال اندريه كيلين، رئيس قسم التعاون الأوروبي في وزارة الخارجية الروسية أن تسليح البعثة يعني فصل دونباس عن بقية أوكرانيا.
وأضاف "تسليح البعثة يعني الانفصال، لأن الأمن في هذه الحالة سيتم توفيره ليس عن طريق قبول الدول، وليس من الأوكرانيين أو من قبل الشعب في دونباس، ولكن من قبل البعثة نفسها، وهذا سوف يعني المزيد من تجميد الوضع"، وقال كيلين "خطنا الرسمي مختلف. إذا كانت كييف تعتقد بقوة أن إعطاء بعض الأسلحة إلى الناس اللذين يتحركون نحو الانفصال سوف يكون مفيدا، نحن لسنا ضد ذلك، ولكن إعطاء السلاح لما يسمى" الشرطة الانتخابية " سوف يكون مضرا. والارتياب سيكون أعلى، وسوف يكون من الصعب التوفيق ".
وفي غضون ذلك، قال الأمين العام للمنظمة لامبرتو زانير "إننا مستعدون لمناقشة السيناريوهات المحتملة التي تنطوي على تسليح أفراد القوات المسلحة لمنظمة الأمن والتعاون.
وقال "يجب أن نحدد بوضوح أن [بعثة المراقبة الخاصة] هي مهمة مدنية وستبقى كذلك ما لم يتخذ قرارا رسميا بإجماع كل الدول المشاركة ال57" خلال مؤتمر "مراجعة الأمن السنوي" في فيينا.
"إدارة الأزمة"
وقال ستيفن فولن الممثل الخاص لجمهورية التشيك في منظمة الأمن والتعاون الأوروبي والمسؤول الأسبق عن التوسع في الاتحاد الأوروبي وغرب البلقان "اذا لم نكن قادرين على منع تدهور الوضع، يجب علينا احتواء وإدارة هذا التدهور".
وقال سفير أوكرانيا إلى ألمانيا أندريه ملنيك أنه من وجهة نظر أوكرانيا، لا توجد إمكانية للانتقال من المواجهة إلى التعاون في أوروبا ما لم "يتم وقف انتهاكات القانون الدولي في شرق أوكرانيا والقرم"، واستعادة وحدة أراضي أوكرانيا.
في الواقع، كرر الجانبين الروسي ,الاوروبي مواقفها المعروفة من خلال مؤتمرات في فيينا وبرلين الاسبوع الماضي. ذكر كيلين أن عدد وحجم مناورات حلف شمال الاطلسي قرب الحدود الروسية، هو نطاق لم يسمع به منذ عام 1989، فضلا عن خطط لنشر وحدات وبنية تحتية عسكرية التي تعتبر أساس للمخاوف الأمنية الروسية. ومع ذلك، أصرت ستيفاني بابست، رئيسة الكفاءة التحليلية الاستراتيجية للناتو، على أن تدابير الناتو دفاعية وشفافة. وأضافت أنه تمت دعوة المراقبين الروس لحضور التدريبات العسكرية بما في ذلك "اناكوندا 2016"
في نفس الوقت، أكدت وكيلة وزير الدفاع الجورجي، آنا دوليدج، التي شاركت في النقاشات نفسها، انفتاح جورجيا للحوار مع روسيا. "إن استعدادنا للتعبير عن نوايا الثقة من جانبنا مستمر". وقالت نحن نأمل بنوع من الخطوات المتبادلة ".
أربعة مشاريع، وكلها في الأزمات
في محاولة لتيسير إجراء مناقشة أكثر تحررا وانفتاحا على مستقبل الأمن الأوروبي، نظمت الرئاسة الألمانية لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي فعالية اخرى في فيينا الأسبوع الماضي (حلقة نقاش "الأمن الأوروبي، الامر الواقع"، التي ضمت خبراء روس وأوروبيين بارزين. نظروا في المشكلة من منظور أوسع.
وقال إيفان كراستيف، رئيس مركز صوفيا للاستراتيجيات الليبرالية إن أوروبا اليوم تتعامل ليس مع عامل احد، ولكن مع لا يقل عن أربعة عوامل رئيسية، والتي وصلت إلى مرحلة حرجة. ووفقا له، هذا ليس فقط توسع في المؤسسات والقيم الأوروبية، ولكن أيضا بناء الدولة. بعد كل شيء، ظهرت العديد من الدول الجديدة في أوروبا، سواء في البلقان وفي الفضاء السوفياتي السابق، والكثير منها كان لها فقط اسم وحدود. وكان الاتجاه الثالث هو ظهور تركيا "مابعد أتاتورك"، والاتجاه الرابع كان التحول من روسيا.
"كل من هذه المشاريع الأربعة كانت معقدة جدا وحساسة جد، وفي هذه اللحظة كل من العوامل الأربعة تعاني من مشاكل داخلية مهمة جدا. وأرى أن مشكلة الأمن الأوروبي ليست فيما بين العلاقات بين الدول الأوروبية، ولكن تتعلق بالمشاكل الداخلية في هذه المشاريع الأربعة. نحن لا نعرف كيفية تحقيق التوازن بين بعضها البعض. قال كراستيف، ووفقا له، فإن عدم الاستقرار الحالي في أوروبا بشكل رئيسي هو بسبب نقاط الضعف الداخلية.
وقال أوزغور أنلوهيسارجيكل، رئيس مكتب أنقرة لصندوق مارشال الألماني، أن الوضع الحالي في أوروبا هو أكثر مماثلة لفترة الحرب العالمية الأولى منه إلى الحرب الباردة.
"لا يوجد أي نظام مقبولا من كل الجميع، وليس هناك توازن في القوى، هناك سياسات ذاتية قائمة على المصالح من قبل جميع الجهات الفاعلة الرئيسية والرغبة في التهرب من المشاكل التي من المفترض أنه لا وجود لها. ولذا، فإن التهديد هو أكبر من ذلك بكثير، ونحن لا يمكن أن ننتظر لسنوات طويلة للوصول إلى التسوية ".
وقال أوزغور إن المواجهة سوف تصبح مستدامة بمجرد إعادة تأسيس توازن القوى. قمة وارسو لحلف شمال الاطلسي قد تكون خطوة هامة في هذا الاتجاه، على حد اعتقاده.
وفي الوقت نفسه، قال فيودور لوكيانوف، رئيس مجلس السياسة الخارجية والدفاع أن المواجهة العسكرية من غير المرجح أن تستمر لأكثر من ثلاث سنوات لأن الجانبان سوف يدركان أنه لا معنى لذلك . وأضاف " اليوم ثلاثة أرباع سكان العالم لا يهمهم ما يحدث بين روسيا وحلف شمال الأطلسي. سيكون لدينا فترة عصبية جدا، ولكن ذلك لن يدوم أكثر من سنتين إلى ثلاث سنوات وبعد ذلك سوف نواجه وضعا مختلفا. وربما أسوأ ".
تغيير إطار النقاش
ومن وجهة نظر كراستيف، ذهبت الاطراف "بعيدا جدا" في عدم ثقتها في بعضها البعض، وساهمت روسيا بشكل كبير في خلق هذه البيئة عندما، على سبيل المثال، نفى الرئيس بوتين في اتصال هاتفي مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أن هناك قوات روسية في شبه جزيرة القرم. الاتصالات العسكرية والمخابراتية مهمة. ولكن في إطار النقاش يحتاج أيضا إلى تغيير.
"لقد بدأنا جميعا نتحدث إلى الجماهير الوطنية. اليوم التحدث في السياسة الخارجية هو أساسا فقط خطاب موجه للشعب. وقال " قليلا أكثر من التحليل والاهتمام بالآخرين لن يضر بنا ".
وتعتقد كونستانز ستيلزينمولر، زميلة بارزة في مركز وروبرت بوش في معهد بروكينغز، أنه سيكون من الصعب للغاية بشكل فوري بالنسبة للغرب إجراء محادثة بناءة مع روسيا بشأن المسائل الأمنية. أوروبا، وخاصة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وما تلاها من تغييرات في الاتحاد الأوروبي، سوف تضطر إلى إلاء المزيد من الاهتمام لمرونتها. الخاصة.
وأضافت "لكن في نهاية المطاف لا يمكن أن يكون هناك أمن جديد في أوروبا بدون روسيا". وقالت إن السؤال هو كيف ستكون روسيا وكيف ستكون أوروبا، وليس فينا من يملك كرة بلورية ليقول لكم ذلك".