خيالات الغرب.. عن "روسيا العدوانية" و"إيران المتهورة"!
احتدم التصعيد الأخير بين روسيا من جهة، والناتو والاتحاد الأوروبي من جهة أخرى، إلى حد ينذر بخروجه عن السيطرة. وفي ظل هذه الظروف، يبرز السؤوال الأهم، هل من المتاح الحد من التوتر ونزع فتيل التصعيد الذي يخيم على العلاقات بين روسيا والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.
الجميع وبعد اندلاع الأزمة الأوكرانية، أدركوا أنهم صاروا يعيشون في عالم آخر، وأصبحوا شاهدين على صعوبة المرحلة، وأصبح الجميع على يقين تام بهشاشة النظام الذي ترسخ في أوروبا في أعقاب انتهاء الحرب الباردة سنة 1989، بل وأن الاتفاقات والمعاهدات التي جرى إبرامها في تلك الحقبة، قد ولدت عددا من النزاعات فاق ما حلّت من خلافات.
الاتحاد الأوروبي، قدم نفسه كـ"مشروع سلمي"، واستطاع تحقيق الكثير من هذا السلم داخل حدوده، فيما كان من المرجح في إطار هذا المشروع، أن يحاط الاتحاد الأوروبي بعد قيامه بطوق من الأصدقاء، حسبما أكد في حينه رئيس اللجنة الأوروبية رومان برودي، فيما تحول النطاق المنشود، إلى حزام من النار التف حول الاتحاد الأوروبي، حيث انهارت الدول في شمال إفريقيا، وصار الشرق الأوسط ساحة لجملة من الحروب المتراكمة بعضها على بعض.
إن "التدخل العسكري الروسي في سوريا"، قد فتح جبهة للمواجهة بين موسكو وواشنطن، يتسابق فيها الجانبان على حق الاستحواذ على الأفضلية في تقرير مصير سوريا، بما يحمله ذلك في طياته من خطر نشوب مواجهة فعلية بين البلدين، فضلا عن الكثير من بؤر النزاعات المحتملة التي قد يسبقها تصعيد ينتهي بنزاع مسلح.
وفي هذه المناسبة، تحدر الإشارة إلى استمرار الناتو بزعامة الولايات المتحدة في تعزيز وجوده في محيط روسيا برا وبحرا وجوا، ناهيك عن إطلاقه في مايو/أيار الماضي، أول محطات الدرع الصاروخية الأمريكية في رومانيا.
موسكو من جهتها، ترى في منظومة الرادار وبطاريات الصواريخ الاعتراضية التي نشرها الناتو في رومانيا، خطرا يتهدد قوات الردع النووي الروسية، في هذا الوقت، صارت معاهدة نزع الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى المبرمة بين موسكو وواشنطن سنة 1987، على المحك، بما يفتح الباب على مصراعيه أمام جولة جديدة من إعادة نشر روسيا لهذه الصواريخ، التي ستجعل أوروبا بالكامل في مرماها المباشر.
كما تواصل السفن الحربية الأمريكية، مناوراتها الاستعراضية على مسافة عدة عشرات من الكيلومترات عن قاعدتي روسيا الحربيتين في بحري البلطيق والأسود، فيما روسيا، وشعورا منها بالخطر على أمنها، قد تقدم على تصويب صواريخها النووية المنتشرة في كالينينغراد والقرم على العدو المفترض.
وفضلا عن ذلك، شارفت روسيا على الانتهاء من اختبار منظومات صواريخ “إس-500″ المضادة للأهداف الجوية القادرة على تدمير الصواريخ البالستية بما فيها العابرة للقارات، ناهيك عن الصواريخ المجنحة الفوق صوتية والطائرات القادرة على التحليق بسرعات تصل إلى أكثر من خمسة ماخ.
وقد يفضي الإخلال بمعاهدة الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى، واتفاقية الأسلحة الهجومية الاستراتيجية المبرمتين بين موسكو وواشنطن، إلى إجهاض نتائج عشرات السنين من المفاوضات المضنية بين الجانبين للحد من الأسلحة.
إن بعض المحللين العسكريين، صاروا يجزمون بأنه قد تم القضاء بالكامل على ثمار التعايش السلمي في حقبة ما بعد الحرب الباردة، وأن ذلك تم بالدرجة الأولى نتيجة لممارسات روسيا وأوكرانيا، وهذه المزاعم، تبرز في ما نشره الجنرال البريطاني ريتشارد شريف النائب السابق لقائد قوات الناتو في أوروبا في كتابه "الحرب مع روسيا سنة 2017"، محذرا من خطورة حرب حقيقية مع موسكو.
كما تكهن الجنرال البريطاني والذي ترسخت تخيّلاته في عقول استراتيجيي الناتو، بأن تحاول روسيا في إطار تفادي تطويق الناتو لها، الاستيلاء على أراض في شرق أوكرانيا، لتفتح من هناك معبرا بريا إلى جمهورية القرم، وتجتاح البلطيق بالتوازي.
فيليب بريدلاف القائد العام السابق لقوات الناتو الموحدة في أوروبا، تحول بدوره مع اندلاع الأحداث في أوكرانيا سنة 2014 إلى عرّاف تخصص في التنبؤ بجملة لا تحصى من غزوات ستشنها روسيا في أوروبا.
ويجدر تسليط الضوء على التوتر الحاصل بين روسيا والناتو، فلقاء الأطلسي الذي عقده في مايو/أيار الماضي، جرى تحت شعار "الردع والحوار"، فيما كان التركيز خلاله على ما حملته الكلمة الأولى من معان في هذا الشعار.
واستنادا إلى اجتماع الناتو السابق، من المرجح أن تخلص جلسات الأطلسي المزمعة في يوليو/تموز القادم في وارسو، إلى أن الأخطار التي تتهدد أمن الولايات المتحدة وحلفاءها تكمن في "العدوان الروسي"، وولع إيران بالمغامرات، والتوسع الصيني، واضطرابات الشرق الأوسط.
كان من الأجدى عوضا عن صب الزيت في النار، إطلاق العمل الدبلوماسي لإزالة التوتر. فالناتو من جهته، يرفض العودة بالتعاون مع روسيا إلى صيغته القديمة، إلا إذا نفذت روسيا بنود اتفاقات مينسك بالكامل، التي –بالمناسبة- يتوجب على أوكرانيا، لا روسيا، تنفيذ جملة من البنود ذات الأهمية في هذه الاتفاقات.
وهذا يعني، أن روسيا ومعها أوروبا قد أصبحتا رهينة لحفنة من الراديكاليين الأوكرانيين الدائبين على تعطيل أي خطوة على طريق الانتخابات في منطقة دونباس جنوب شرق أوكرانيا، وتطبيق كييف الإصلاحات الدستورية اللازمة للحد من سلطة المركز وقيام حكم ذاتي بصلاحيات محلية موسعة جنوب شرق أوكرانيا.
وفي نةقف الاتحاد الأوروبي من كل ما يحدث، يخشى الكثيرين تحول الاتحاد الأوروبي إلى شريك صغير للأطلسي، وفقدانه ما تبقى من استقلالية القرار، التي كان له أن يسخرها في حل القضايا الجيوسياسية ذات الأهمية.
فرغم أن متانة العلاقات بين بروكسل وبلدان شرق أوروبا تصب في صالح الاتحاد الأوروبي وحلف الأطلسي في آن واحد، إلا أن شراكة بروكسل مع الناتو بمعزل عن المصالحة مع روسيا، سوف تنقلب إلى مغامرة جيوسياسية يخوضها الاتحاد.
في مقدمة سبل المصالحة بين الاتحاد الأوروبي وروسيا، مشروع "أوروبا الكبرى" الذي طرحته موسكو ويعود بجذوره إلى الفهم الديغولي لأوروبا. الولايات المتحدة معنية قبل كل شيء ببقاء بريطانيا في عضوية الاتحاد الأوروبي، بما يتيح استمرارها في لعب الدور الذي حذر منه ديغول، معتبرا لندن "حصان طروادة" لدخول أوروبا.
عجز الاتحاد الأوروبي عن حساب عواقب ممارساته، ما أدى إلى اندلاع أفظع نزاع معاصر في أوروبا على أرض أوكرانيا، التي تحولت إلى أداة في أيدي بلدان شرق أوروبا لتأجيج الأحقاد التاريخية، عوضا عن تخطيها.
روسيا من جهتها، لا يتوجب عليها تقديم الدعم للشعبويين اليمينيين داخل الاتحاد الأوروبي، نظرا لأنهم لا يمثلون أكثر من حركة واحدة وسط طيف من التيارات الطامحة إلى تبديل سياسة بروكسل.
"نيزافيسيمايا غازيتا"