سوريا.. خطوط تماس على شاكلة خطوط حرب لبنان الأهلية

26.05.2016

صرح مصدر في القيادة السورية العليا، لصحيفة "الراي"، أن وزير الخارجية الامريكي جون كيري، أخبر نظيره الروسي سيرغي لافروف، بكلمات لا تقبل التأويل، أن الولايات المتحدة "تريد إنهاء الحرب في سوريا وتجميد الوضع على جميع الجبهات، لحين الوصول إلى توافق شامل على حل سياسي يضم جميع الأطراف المنغمسة في الصراع السوري".

وأضاف المصدر أن "الولايات المتحدة تنصح الروس بألا يعلقوا في المستنقع السوري، كما حدث مع الولايات المتحدة في العراق، لأن واشنطن مستعدة وتعتزم ضمان قدرة المعارضة السورية على الصمود أمام أي هجوم، وستقوم بتزويدهم بالسلاح والمال والكوادر (على مثال ما فعلت روسيا وإيران لـ"حزب الله" وقوات "حاشد" العراقية)، في حال شعرت واشنطن بأن المعارضة تخسر الحرب. ولذا فإن الولايات المتحدة، تعتقد أن التقيد بوقف إطلاق النار دون تحديد مدته، سيدفع جميع الأطراف لتركيز جهودها على مكافحةتنظيم "الدولة الإسلامية"، بهدف حصر المنظمة في إطارها الجغرافي الراهن، الأمر الذي سيؤدي إلى كسر مخالبها".

كما واستطرد المصدر بأن "الهدف من ذلك، هو تحديد خطوط تماس في سوريا، شبيهة بتلك التي وضعت خلال سنوات الحرب الأهلية في لبنان. من الطبيعي أن تكون هناك اشتباكات متقطعة على طول هذه الخطوط. وستكون هناك معارك في اتجاه أو آخر، وسيحدث دوريا تدهور في الوضع العسكري، عند محاولة جانب، الفوز على الآخر، ولكن مع ذلك، بداية النهاية للحرب في سوريا، بالفعل نظر العيان. مثل هذا الحل السياسي للصراع، لا يوجد به جهة منتصرة، ولكن القرار في حد ذاته، إذا لم يقنع، فهو لن يستفز أي طرف من الأطراف. وبالنظر إلى أن الضغوط في ظل القيادة الأمريكية الحالية، كافية لمنع أي تصعيد للحرب بمبادرة من أنصار المعارضة في المنطقة، وينطبق الشيء نفسه على روسيا، وتأثيرها على حلفائها. هذا يعني أن الاتفاق بين روسيا وأمريكا يمكن أن يتواصل لعدة أشهر أو حتى سنوات، في حال إلتزمت قيادة الولايات المتحدة المستقبلية، بالسير على الطريق الذي اختاره أوباما".

وبطبيعة الحال، مثل هذا الاتفاق سيسبب خلافات بين الحلفاء. على سبيل المثال، قتل أكثر من 500 شخص في الغوطة بسبب المعارك الدائرة بين "جيش الاسلام " و"فيلق الرحمن"، وكلاهما جماعتان مدعومتان من قبل "جبهة النصرة" و"أحرار الشام". وتنقسم منطقة الغوطة إلى جزئين، شرقي وغربي، في كلاهما يتنافس "إخوة السلاح" بين بعضهم البعض، كما كان الحال في لبنان بين "حركة أمل" ومنظمة التحرير الفلسطينية، وبين حركة "امل" والحزب التقدمي الاشتراكي أو بين الفلسطينيين و"المرابطين"، الخ. وبالتالي تجميد النضال ضد دمشق، سيكون كافيا للتأكد من حتمية قضاء هذه الجماعات على بعضها البعض، "بسبب الخلافات بين القادة الميدانيين للأحزاب السياسية المسلحة".

ويتضح هذا الأمر، في الحرب المعلنة من قبل شهاب الدين (زعيم حركة "نور الدين زنكي" الإسلامية المدعومة من أنقرة) ضد المقاتلين الأكراد السوريين "إذا لم يغادروا المواقع التي سيطروا عليها مؤخرا"، بعد نجاح "وحدات الدفاع الشعبي" الكردية في هجمات بعدة مناطق في شمال سوريا، قطعت خطوط الإمداد (بما في ذلك طريق "كاستيلو")، وبالتالي خلقت وضعا جديدا في المنطقة.

هذا الوضع أجبر "حزب الله" على نقل وسحب كمية كبيرة من قواته عن خطوط التماس الموجودة الآن. وقد اتخذ هذا القرار من قبل القيادة العليا في لبنان. وبالنظر إلى أن الهجوم لا يزال في حالة تجمد، على الأقل في الوقت الراهن، فلدى "حزب الله" مهمة واحدة - حماية الخط الحيوي، الذي يضمن تواصله مع لبنان.

ترفض قيادة "حزب الله" التدخل في السياسة السورية. وهم بأي حال من الأحوال، لن يسعوا للتأثير على الاتفاق بين روسيا وأمريكا. هم ببساطة سيراقبون عن كثب. ولهذا، قرروا سحب قواتهم من خط التماس. وفي حال الوصول إلى اتفاق سياسي، سيؤدي "حزب الله" مهمة المدافع عن دمشق وغيرها من المدن الرئيسية على طول الحدود السورية اللبنانية، ولكن لن يترشح لدور الموجه للحكومة بعد استقرار النظام السوري. في المقابل، الحكومة السورية ستستبدل استراتيجيتها الهجومية،  بموقف دفاعي.

ولكن اثنتين من المعضلات متمثلتان بـ"داعش" و"جبهة النصرة" ستبقيان. وفيما يتعلق بـ"جبهة النصرة"، جميع الأطراف المعنية في سوريا، تعتقد أن وقف إطلاق النار، كاف لتغيير الوضع ضدها، إذا لم تنأى بنفسها عن تنظيم "القاعدة" بهدف الذوبان في وعاء جماعات المعارضة الباقية. من ناحية أخرى، حتى لو لم تغير "جبهة  النصرة" موقفها فيما يتعلق بتنظيم "القاعدة"، في أية حال، سيقف السكان المدنيون ضدها بسبب الموقف السلبي تجاهها.

والآن ينبغي إيلاء الاهتمام بالفيل في الغرفة – تنظيم "الدولة الإسلامية". فمن الطبيعي تماما أن المنظمة ستكون هدفا مثاليا للجميع. ولكن على الأرجح، حتى لو استخدم أوباما كل الوقت المتبقي لديه في منصب الرئيس الأمريكي، فمن غير المرجح أن يكون قادرا على تدمير هذه المنظمة، لكن ما يزال من الممكن توحيد كل القوى الأخرى ضد الجماعة الإرهابية، التي أصبحت الحلقة الأضعف في العراق وسوريا والمنطقة ككل.

وبهذا، تبدأ مرحلة جديدة من الحرب في سوريا. نحن نقترب من وقف تصعيد القتال والدمار، ولكن لا وقف نهائي للقتال. القوى الإقليمية تخلي ساحة المعركة للقادة الميدانيين. والشعب السوري لم يحدد مصيره بعد.