هل انتهى «حل الدولتين»؟

13.05.2016

تبدو في الآفاق السياسية لقضية فلسطين ملامح يمكن أن تحمل بذور تناقض أو خلاف أو شقاق حول مستقبل القضية، على اعتبار أن مشروع الكيان الصهيوني الذي حل مكان فلسطين وشعبها كان في الأساس مشروعاً مشتركاً بين الحركة الصهيونية، والحركة الاستعمارية الأوروبية، الزاحفة الى منطقتنا.

وقد كان الانسجام بين الشريكين طوال فترة تأسيس الكيان الصهيوني يحمل ملامح مشروع تتضاءل فيه المسافات بينهما إلى درجة الاختفاء احياناً، حتى ليبدو الشريكان (الحركة الصهيوينة، والحركة الاستعمارية، بعد انضمام اميركا ما بعد الحرب العالمية الثانية اليها)، كياناً سياسياً واحداً لا فرق بين عنصريه المكوّنين، في الاستراتيجية العامة او التكتيك التفصيلي.

وحدة الحال هذه، خلال ما يقارب ثلاثة ارباع القرن عليها، خضعت لتحولات بطيئة، ليس الى درجة التصادم، لكنها تمثلت بظهور خلافات تكتيكية هي بالتأكيد مرشحة للاتساع، وهذه البذور لا تضرب في اساس المشروع الذي نشأ في العام 1948، لكن لها علاقة دقيقة بنظرة كل من شريكي المشروع الاستعماري، الى الطريقة التي يجب ان تُدار بها الأمور، بالذات بعد توسع الاحتلال الصهيوني لما تبقى من فلسطين في العام 1967، الأمر الذي مضى عليه نصف قرن بالتمام والكمال حتى يومنا هذا.

وبما ان الحركة الصهيونية تعرضت في هذه الأثناء الى تحولات جذرية مهمة في ظل تحول دفة القيادة من أحزاب «اليسار» الى أحزاب «اليمين المتطرف»، فإن إدارة شؤون الأراضي الفلسطينية التي احتلت منذ العام 1967، بدأت تأخذ، حتى تحت حكم أحزاب «اليسار الصهيوني»، شكل مشروع لتوسيع الاستيطان على ما أمكن من أراضي الضفة الغربية، بما في ذلك القسم الشرقي من القدس، لاستكمال الاستيلاء على ما تصر الحركة الصهيونية، على تسميته (بيسارها ويمينها) "أرض الميعاد".

أما في المجتمعات المدنية في دول الشريك الآخر (الأوروبي خاصة)، فقد بدأت تظهر منذ مدة علامات لا يمكن الاستهانة بدلالاتها، تشير الى ولادة نظرة متعاطفة مع مشروع الدويلة الفلسطينية على أراضي العام 1967.

إن مراقبة دقيقة للعلاقات الديبلوماسية بين حكومة إسرائيل (اليمينية المتطرفة من جهة) وأهم دولتين أوروبيتين (المانيا وفرنسا)، تؤشر إلى وجود صحوة ناقصة بدأت تجتاح المجتمعات الأوروبية الحديثة الخارجة من إطار الاستعمار القديم، ليس في اتجاه المحو الكامل لآثار الجريمة الأصلية التي ارتكبها المجتمع الدولي مع الحركة الصهيونية في العام 1948، بل لاستغلال التراجع الذي أصاب القضية الفلسطينية، ولشراء جريمة 1948 بكل آثارها المدمرة، بدويلة فلسطينية لا مجال أمامها سوى التحول الى كيان تابع لإسرائيل، بعد حسم المستوطنات منها.

لكن الخلاف البسيط بين الشريكين لم يصل، ولا اعتقد أنه قد يصل في يوم قريب، الى حدود أن يضغط الشريك الأوروبي جدياً على الدولة العبرية لقبول حل «الدويلة الفلسطينية»، خاصة ان الدولة العظمى في النظام الدولي (الولايات المتحدة)، ما زالت تقف الى جانب الحلم الصهيوني المتطرف القاضي بالاستيلاء على كامل الاراضي الفلسطينية.

على اي حال، فإن حل الدويلة الفلسطينية لم يعد ممكناً عملياً، ليس فقط بسبب العناد الإسرائيلي، والدعم الاميركي الكامل لهذا العناد، بل ايضا، وقبل ذلك، بسبب نسبة ما تم تهويده من اراضي الضفة الغربية ومن مدينة القدس العربية (المفترض ان تكون عاصمة للدويلة الفلسطينية).

مع ذلك، فإن التخوف في اوروبا يعبر عن نفسه من خشية على اسرائيل، في حال الفشل النهائي لـ«حل الدولتين» بأن تتحول الى دولة واحدة ذات قوميتين، ولكن بنظام عنصري مفضوح، تماماً كالنظام السابق لأفريقيا الجنوبية، الذي أُطيح في نهاية المطاف.

ريدة "السفير"