الشمال بدلا من الغرب، من أجل تطور حضاراتنا
اتحاد روسيا وأوروبا لن يحدث بضم المجال ما بعد السوفيتي إلى الغرب، بل بالجمع بين الحضارة الرومانية الجرمانية والأوروبية الآسيوية
حلم الليبراليين الروس يكمن في الحصول على الاعتراف الأوروبي والمساواة. هذا الحلم يجعلهم شبيهين بالليبراليين من بلدان أوروبا الوسطى، الذين يسعون لإثبات لإصبات أوروبيتهم وليبراليتهم وديمقراطيتهم لزملائهم في أوروبا الغربية.
المضحك ليست هذه الأفكار الطوباوية عن المساواة التامة مع أوروبا، بل أن هذه المساواة سيتم الإعتراف بها من قبل الأوروبيين في نهاية المطاف، ولكنها لن تكون مساواة مع الليبراليين الروس بل مع القوميين والوطنيين من المحافظين الروس الأورآسيويين.
تمت السخرية من هذه الفكرة، في كلاسيكيات الأدب الروسي بالقرن التاسع عشر. دوستويفسكي قال أن "الليبرالي الروسي، ليس أكثر من خادم، يبدو كما لو أنه يبحث عن شخص لينظف له الحذاء. وعن طبيعة الليبرالية الروسية، قال تيوتشيف:
جهد ضائع، لا، لن يتركوه
كلما ازدادت ليبراليتهم، كلما صاروا أكثر بجاحة
الحضارة بالنسبة لهم صنم يعبدوه
ولكن فكرتها لهم غير متاحة.
حتى لو كسرتم ظهوركم انحناء أمامها
لا، لن تعترف بكم أوروبا
ستبقون دائما في عينها
ليس حتى خدما للتنوير، بل عبيد
ومع ذلك، تحول اتضح أن هذا الحلم ما زال يعيش لدى البعض، رغم فشله الأكيد، بسبب:
1. ما أثبتته تجربة 200 عام من التاريخ
2. حقيقة أن أوروبا مقسمة إلى دول قومية وللتوحد معها، (حتى لو افترضنا موافقة الأوروبيين)، من الضروري النظر للاتحاد الروسي على أنه دولة قومية. هذه الفكرة تحظى بشعبية بين الليبراليين الروس، الذين لا يعتبرون أنفسهم أوروآسيويين، بل أوروبيين. الليبراليون طبعا لن يأخذوا الأقليات العرقية الأصلية، وخاصة جيراننا في آسيا الوسطى، إلى أوروبا. هذه الفكرة في حد ذاتها سخيفة، لأن الاتحاد الروسي يعتبر بهيكله دولة-إمبراطورية. السكان الروس في روسيا وكازاخستان السكان الروس في روسيا وكازاخستان لا يمكن فصلهم عن الشعوب الأصلية.
هذه الشعوب لا تعيش بشكل منفصل، ولكنها تشكل كتلا مختلطة مع العرقية الروسية. كما أنه من غير الضروري الحديث عن التواصل التاريخي التقني والهندسي وفي مجال النقل والبنية التحتية لهذه الأراضي. كيف ينوون فصل جمهوريتي تتارستان وبشكيريا المسلمتين عن الأراضي الروسية العرقية، وأين سيذهبون بـ 8 ملايين روسي كازاخي؟ هذا أمر غير معروف، إلا لو كانت موسكو وسان بطرسبورغ ستنفصل عن مناطق روسيا الأخرى، والتي تمتلك المواد الخام، وستنضم لأوروبا.
3 . الأقليات الليبرالية من الاتحاد السوفياتي السابق، جنبا إلى جنب مع البولندية والتشيكية، لا يحلمون بأن الألمان والفرنسيون سيعترفون بمساواتهم معهم.
المضحك ليست هذه الأفكار الطوباوية عن المساواة التامة مع أوروبا، بل أن هذه المساواة سيتم الإعتراف بها من قبل الأوروبيين في نهاية المطاف، ولكنها لن تكون مساواة مع الليبراليين الروس بل مع القوميين والوطنيين من المحافظين الروس الأورآسيويين. وهذا لا يمكن أن يحدث بضم المجال ما بعد السوفيتي إلى الغرب، بل بالجمع بين الحضارة الرومانية الجرمانية والأوروبية الآسيوية
فكرتنا العليا التي تجعلنا حضارات محلية خاصة، من حيث المبدأ لا تتعارض مع بعضها البعض. هي ترتدي الرداء الديني للتقاليد المسيحية، الغربية والشرقية.
هذا الارتباط بين الحضارات لديه منظور من ناحية المفاهيم - هو يسمح للصراع التاريخي بين الحضارات الأوروبية والأوراسية بأن يتحول إلى منافسة مثمرة.
الأوروبيون يحلمون بتطوير العالم عبر ثقافتهم المادية، ونحن نحلم بتحقيق عالم الحقيقة والعدالة. هم يريدون مشاركة قميصهم الثاني مع الشعوب الأخرى، كما أمر المسيح، ونحن نحلم بأن يقوم على الأرض، النظام الذي أنشأه الله في السماء، وكل سيحصل على ما يستحقه. الطبيعة المشتركة للفكرتين، تكمن في عدم وجود تناقضات أساسية بينهما، ما يمكن أن يصبح قاعدة لتوحيد الحضارتين في المستقبل.
هذا سيحدث برأيي، فقط عندما يفهم الأوروبيون أخيرا، أن الروس (الأوروآسيويين) ليسوا بحاجة لقميصهم الثاني، نحن بالفعل قادرين على القيام بكل شيء بأنفسنا، ونعيش في فقر وعدم استقرار بالمقارنة مع الأوروبيين، بسبب التجارب الاجتماعية التي ينفذها الغرب علينا. فكرة أنه لا داعي لتعليم الروس كيفية العيش، تنتشر أكثر وأكثر في العالم الغربي.
الجزء المحافظ من أوروبا يميل لروسيا، وقد بدأ يفهم أن فكرة تخليص العالم الروسي لا معنى لها، والجزء الليبرالي لا يزال غير قادر على فهم هذا. هذا على ما يبدو، يرجع إلى حقيقة أن الليبراليين، لديهم فهم خاطئ لفكرة الخلاص. هم يعتقدون أن القميص الثاني، هو الديمقراطية والسوق، الذي يجب منحها للعالم. الآن نرى كيف أن "فكرة الخلاص" الغربية فشلت، جنبا إلى جنب مع القيم الليبرالية. هذه المواقف تقوي من وضع المحافظين الأوروبيين اليوم، وتضعف الليبراليين.
إذا كان الليبراليون الأوروبيون يتطفلون على حضارتهم من خلال استغلال الافراط في فكرتها التخليصية الفائقة، فالروس والتشيك والبولنديون الليبراليين لا يستخدمون أي أفكار فائقة، هم ببساطة في فضاء ما بين الحضارات.
من الواضح أن لدينا اثنتين من الحضارات، أقرب إلى بعضها البعض من الحضارات المحلية الأخرى: الإسلامية والبوذية والهندية. هذا يعني أنه من الممكن أن نتحدث عن مجتمع معين بين الحضارات. هذا، على ما يبدو، هو المقصود عند الحديث عن الحضارة المسيحية الشاملة، فكرة الشمال، وتكامل أوروبا، من لشبونة الى فلاديفوستوك.
هذا الارتباط بين الحضارات لديه منظور مهم من الناحية المفاهيمية - فهو يسمح للصراع التاريخي بين الحضارات الأوروبية والأوراسية بأن يتحول إلى منافسة مثمرة. الرغبة في اثبات كل جهة أن حلمها هو الأفضل، في حد ذاته يمكن أن يكون بمثابة حافز قوي للتطوير. طموح الشعوب الرئيسية في المنطقة، الروسي، الألماني والفرنسي، يجعل واقع المنافسة مضمونا. حقيقة أن موضوع المنافسة سيكون حلما، ولكن ليس على مستوى التنمية الاجتماعية والاقتصادية، ما يجعل ظروف الانطلاق على قدم المساواة. في هذه الحالة، فضاء ما بعد الاتحاد السوفياتي لن يكون في حالة اللحاق بركب التنمية.
يجب هنا أن نوضح نقطة واحدة. عن الشراكة معنا في المستقبل المنظور، يمكننا أن نتكلم فقط عن أوروبا القارية. التحدث عن جمع حضارتنا الأوراسية مع الجزء الأنجلو سكسوني من الغرب في هذه المرحلة من التاريخ ليس ضروريا. وعلى ما يبدو، اتحاد أوروبا القارية مع العالم الروسي ليس ممكنا، دون الانفصال عن العالم الأنجلو سكسوني.