سياسة العداء لروسيا تعطل مشروع "نورد ستريم-2" لنقل الغار
لا يزال الجدل مستمرا في أوروبا، بخصوص مشروع بناء فرعين جديدين لخط أنابيب نقل الغاز "نورد ستريم 2" من روسيا إلى ألمانيا. وحسب مجلة "دير شبيغل" الألمانية، فإن هذا المشروع يثير الجدل في أوروبا منذ أكثر من 10 سنوات. وهذه السجالات بدأت قبل وقت طويل من أزمة أوكرانيا، وما أسفرت عنه من تدهور العلاقات بين روسيا وأوروبا. والمعارض الرئيسي للمشروع، هي دول أوروبا الشرقية، التي يمر عبر أراضيها، خط أنابيب نقل الغاز العابر من روسيا إلى أوروبا الغربية، والذي تم بناؤه في أواخر خمسينات وبداية ستينات القرن الماضي. ودخل هذا الاتفاقات تاريخ العلاقات بين الإتحاد السوفيتي وألمانيا الغربية، باسم صفقة القرن "الغاز مقابل الأنابيب"، حين وقع في العام 1970، اتفاق بين الاتحاد السوفياتي وجمهورية ألمانيا الاتحادية، حول توريد ألمانيا الأنابيب ذات الأقطار الكبيرة وغيرها من المعدات للاتحاد السوفياتي، لبناء خط أنابيب غاز إلى أوروبا الغربية، ويتم مبادلة الأنابيب والمعدات بالغاز الذي سيورده الإتحاد السوفيتي لألمانيا من حقول الغاز في غرب سيبيريا.
هذه الإتفاقية وصفت بصفقة القرن، لأنها كانت الأكبر في تاريخ الاتفاقات السوفيتية-الألمانية/الروسية-الألمانية، والسوفيتية-الأوروبية/الروسية-الأوروبية، والتي تعني عقودا من التعاون. في ذلك الوقت، كان من الطبيعي مد هذا الخط عبر دول أوروبا الشرقية الحليفة للمعسكر الاشتراكي، ناهيك عن أوكرانيا، التي كانت جزءا لا يتجزأ من الاتحاد السوفياتي. الآن روسيا مضطرة للبحث عن طرق أخرى للحفاظ على إمداد الغاز المتواصل إلى أوروبا. هذه المشكلة مرتبطة ليس بموقف بلدان أوروبا الشرقية، بقدر ارتباطها برغبة أوكرانيا الحصول على أكبر قدر من المنافع، سواء الاقتصادية أو السياسية باستخدام وضعها. ولكن كما اتضح، بناء فروع إضافية لخط أنابيب الغاز عبر بحر البلطيق، يتواجد تحت نيران الرافضين.
الموقف السلبي لبلدان أوروبا الشرقية وأوكرانيا، يرجع أساسا، إلى المنافع المالية التي ستفقدها هذه البلدان بسبب انخفاض رسوم النقل. وبروكسل تشعر بالقلق، من وجود ما يصفه المسؤولون الأوروبيون، بالاعتماد على إمدادات الغاز الروسية، التي تمثل اليوم حوالي 40٪ من إجمالي حاجة أوروبا للغاز. وهذا هو السبب في أن نائب رئيس اللجنة الأوروبية للطاقة، ماروش سيفتشوفيتش، طالب في الآونة الأخيرة، ببدء نقاشات جديدة حول بناء خط أنابيب "نورد ستريم 2". وهو كان يقصد بشكل عام، إمداد القارة بالغاز، بما في ذلك الغاز الطبيعي المسال. وبرأيه، فإن تشغيل فروع إضافية لخط أنابيب الغاز من روسيا إلى ألمانيا، يعني أن 80٪ من الغاز الروسي سيصل أوروبا عبر طريق واحد، ما يصفه، بالتهديد لأمن إمدادات الغاز إلى أوروبا. الحديث يدور عن 14 مشروعا بديلا تروج لها المفوضية الأوروبية. وتشمل إنشاء محطة لاستقبال الغاز الطبيعي المسال في كرواتيا، وبناء خط أنابيب مماثل في المجر، وبناء عدد من خطوط أنابيب الغاز في فنلندا ودول البلطيق، حيث توجد محطات لاستقبال الغاز الطبيعي المسال، لإمداد بقية أوروبا. ثم انها تعتزم توسيع شبكة خطوط أنابيب الغاز في رومانيا وبلغاريا واليونان.
كل المشروعات المقررة، من المفترض تنفيذها بأموال الاتحاد الأوروبي، وجميع الاتفاقات الحكومية الدولية في مجال الطاقة، فضلا عن العقود المنفصلة للشركات الخاصة، يجب التحقق من صحتها، من قبل خبراء المفوضية الأوروبية. حتى الآن، هذه الأمور مجرد خطط بروكسل. ولكن من الواضح، أن المفوضية الأوروبية تعتزم الآن فرض رقابة صارمة على واردات الغاز إلى أوروبا، حتى لو كان هذا الأمر، يضر بالعوامل الاقتصادية والمالية. إذ من المعروف، أن الغاز المسال الذي تشتريه ليتوانيا، أغلى بكثير من غاز خط الأنابيب الذي تعرضه روسيا.
حاول مسؤولو الإتحاد الأوروبي، معارضة أحد الممثلين الرئيسيين لأوساط الأعمال في ألمانيا، رئيس مجلس إدارة شركة النفط والغاز الألمانية وينترشال، ماريو ميرين، في مؤتمر الطاقة IHS CERA Week، الذي يعقد في هيوستن بالولايات المتحدة الأمريكية، والذي يعتبر أهم مؤتمر للطاقة في الولايات المتحدة، حيث دافع ميرين عن امدادات الغاز الروسي، ومخططات توسيع خط أنابيب "نورد ستريم" عبر بحر البلطيق. وقال ان "نورد ستريم 2" سيوفر إمدادات غاز مستقرة وموثوق بها إلى أوروبا في المستقبل. مؤكدا أن أوروبا ستحصل على الغاز بشكل مباشر وبأسعار تنافسية.
وفي إطار حلقة نقاش حول موضوع "الغاز لأوروبا"، أشار ميرين إلى أنه على الرغم من أن الغاز الطبيعي المسال الأمريكي، سيسهم في تنويع مصادر إمدادات الغاز إلى أوروبا، فإن الاتحاد الأوروبي يبقى سوقا لغاز الأنابيب. وقال ميرين إن "واردات الغاز إلى الاتحاد الأوروبي ستبقى على الأقل في ثلثيها، تعتمد على خطوط الأنابيب"، مؤكدا أن الاتحاد الأوروبي في وضع المستفيد، لأن معظم احتياطيات الغاز في العالم، تقع على مسافات يمكن التغلب عليها بمساعدة خطوط أنابيب الغاز. وهذا بالتحديد يتعلق بروسيا. "يجب استخدام هذه الورقة الجيولوجية الرابحة، الاتحاد الأوروبي يحتاج للغاز، وروسيا لديها الغاز". ووفقا لتقييمه، فإن "نورد ستريم 2" مصمم لاستكمال البنية التحتية القائمة والحفاظ على القدرة التنافسية للاتحاد الأوروبي وصناعاته.
وأضاف ميرين أن "معدلات استخراج الغاز في الاتحاد الأوروبي تتراجع، بينما يتزايد الطلب. وبناء على ذلك، فإن الحاجة إلى الواردات تنمو"، الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى روسيا كشريك موثوق به في قطاع الطاقة، الاتحاد الأوروبي بحاجة للغاز الروسي!. تطوير خط الأنابيب عبر بحر البلطيق ليس مجديا من الناحية الاقتصادية فحسب، بل هو ضروري أيضا اقتصاديا. "الغاز الطبيعي من روسيا، قادر على مواجهة كل أشكال المنافسة!". ووفقا له، "نورد ستريم 2" سيزود أوروبا بالغاز بطريقة مباشرة وأكثر فعالية. ومن الجدير بالذكر، أن آراء ميرين لقيت ترحيبا ودعما من قبل السفير الألماني الجديد لدى واشنطن بيتر فيتيغ، الذي أشار إلى أن الولايات المتحدة تستغل و"تثير مخاوف البلدان الأوروبية".
ماريو ميرين دحض بحجج قوية، المخاوف من الاعتماد الكبير والمفرط على الغاز الروسي. وقال في هيوستن "التخوف من مسألة الإعتماد المفرط، بعيدة كل البعد عن الواقع". إذ انخفضت حصة واردات روسيا من الغاز إلى الاتحاد الأوروبي إلى حد كبير منذ العام 1990: من ما يقرب من 55٪ في العام 1990، إلى 30٪ في العام 2013. في الوقت نفسه، ارتفعت حصة الغاز النرويجي من 13 إلى 23٪. "الأخبار الجيدة لأوروبا، هي أن مصادر إمدادات الغاز للاتحاد الأوروبي الآن تنوعت بشكل جيد". وأضاف رئيس شركة وينترشال، مع ذلك، من أجل ضمان أمن الطاقة في المستقبل، من الضروري أن تواصل البلدان الأوروبية الاستثمار في هذا المجال. من هذا المنظور، "نورد ستريم 2"، مشروع مهم للغاية، يسمح بالمزيد من تنويع طرق الإمداد، ويوفر وصولنا إلى الاحتياطيات الكبيرة في روسيا.
في أواخر شباط/فبراير، اجتمع رئيس شركة "غازبروم" الروسية أليكسي ميلر، بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وبنتائج الاجتماع، يمكن القول إن حجم الصادرات بلغ 159,4 مليار متر مكعب. في العام الماضي، سجلت ألمانيا رقما قياسيا بمشترياتها من الغاز الروسي، 43,5 مليار متر مكعب، أي أكثر بـ 6 مليارات مما كانت عليه في العام 2014. الزيادة في امدادات الغاز الى المانيا خلال الفترة التي انقضت منذ بداية السنة بلغت 44٪، وإلى إيطاليا 42٪، وإلى فرنسا 73٪، وللنمسا 52٪. وفي حين شهد العام 2015، زيادة في الصادرات بلغت في المجمل 11.8 مليار متر مكعب من الغاز، ففي الشهرين الأولين من هذا العام، زادت هذه المعدلات بمقدار 7.5 مليار متر مكعب من الغاز.
لذلك، يتضح دون أدنى شك، أن ما يتعلق بمشروعات بناء طرق نقل الغاز الجديدة إلى أوروبا، وإلى شمال غرب أوروبا، هي مشاريع قابلة للحياة اقتصاديا، يدعمها الطلب المتزايد في الوقت الحالي.
أوليغ نيكيفوروف