سباق بين الحياة والموت في حي الكرادة في بغداد
كان الشابان علي وحسين الفتلاوي يسارعان الى إنقاذ المصابين كلما دوى انفجار في مكان قريب، الى أن سقط أحدهما ضحية الانفجار الذي ضرب حي الكرادة في بغداد قبل ثلاثة اسابيع وأسفر عن مقتل عشرة اشخاص.
عندما فجر تنظيم الدولة الاسلامية سيارة مفخخة قبل منتصف الليل في الخامس من ايلول/سبتمبر في حي الكرادة داخل، كان حسين الفتلاوي (24 عاما) عند باب منزله. ويتذكر بينما تنهمر دموعه "عندما وقع الانفجار، كنت على وشك الدخول الى المنزل"، مضيفا وهو ينظر الى صورة شقيقه "أخرجت هاتفي واتصلت بشقيقي علي لكي نذهب لمساعدة ضحايا التفجير".
لكن علي (26 عاما) لم يرد، الأمر الذي أثار قلق حسين الذي بدلا من أن يتوجه الى مكان التفجير، بدأ البحث عن شقيقه ليعثر عليه في المشرحة.
وكان علي وشقيقه حسين بين أول الواصلين الى موقع التفجير الضخم الذي حصد أكبر عدد من القتلى في اعتداء في العاصمة العراقية، في تموز/يوليو الماضي موقعا نحو 300 قتيل.
ويروي حسام الفتلاوي (34 عاما)، عم علي وحسين، "اعتادا الخروج بعد كل انفجار. اعتدنا على ذلك منذ بداية الانفجارات، وكان المرحوم متعاطفا مع الضحايا. أينما يحدث انفجار، يكون هو وشقيقه حسين في مقدمة المتطوعين".
- تفجيرات لا تحصى -
وشهد حي الكرادة الواقع على ضفة نهر دجلة تفجيرات لا تحصى منذ ما بعد الاجتياح بقيادة الولايات المتحدة عام 2003.
ومنطقة الكرادة داخل مكان مقصود من عدد كبير من سكان بغداد يجلسون في مقاهيها، ويتبضعون من محالها، ويلتقون الاصدقاء، لكنها في الوقت ذاته هدف رئيسي لتنظيم الدولة الاسلامية.
وقبل اجتياح التنظيم المتطرف مناطق واسعة في شمال وغرب العراق وتأسيس "الخلافة الاسلامية" انطلاقا منها ومن مناطق اخرى سيطر عليها في سوريا المجاورة في صيف 2014، كانت بغداد عرضة لتفجيرات يومية.
في شوارعها، بعض المقاهي والمطاعم تضررت او دمرت اكثر من مرة، حتى باتت التفجيرات جزءا من الواقع اليومي.
بعد استهداف الكرادة أكثر من مرة، بات العديد من البغداديين يتجنبون الذهاب الى المنطقة، خصوصا في الاوقات التي يعتبرونها اكثر عرضة للخطر في الاعياد او عطلة نهاية الاسبوع.
بعد المأساة في تموز/يوليو، نصبت السلطات العراقية أجهزة كشف متفجرات أميركية الصنع عند مداخل الكرادة في إجراء احترازي.
وجاء ذلك بعد استياء شعبي عارم من استمرار قوات الامن باستخدام الجهاز المعروف بالعصا السحرية الذي أثبت عدم جدواه، وسجنت السلطات البريطانية التاجر الذي باعه الى العراق بتهمة الاحتيال.
في آب/أغسطس الماضي، تم افتتاح مقهى جديد في الكرادة بحفل موسيقي ضخم.
- أيام قبل المغادرة -
ويقول مهند الحسيني (25 عاما) إن المكان "يجذب الشباب الذين يريدون مكانا هادئا، يمكنهم فيه التحدث بحرية وشراء الكتب وتناول القهوة".
ويضيف "الكرادة يحاول النهوض مجددا، لا سيما اليوم بعد تنظيم مكان التفجير الاخير وإعادة فتح الطريق".
بعد مقتله، انتشر شريط فيديو لعلي الفتلاوي وهو يبكي في موقع تفجير الكرادة في تموز/يوليو على مواقع التواصل الاجتماعي.
وكان علي الفتلاوي يسعى منذ اكثر من ثلاث سنوات الى الهجرة الى الولايات المتحدة، وهو واحد من آلاف الشبان الذين عملوا مع الشركات والقوات الاميركية في العراق وحصلوا على فرصة لتقديم طلب هجرة مكافأة لخدماتهم.
ويروي والده حسن ان علي كان جالسا بقربه عندما اتصل به صديق وتواعد معه على اللقاء في مقهى.
ويتحدث والده بحزن عن اللحظات الاخيرة "تناولنا العشاء سوية قبل أقل من ساعتين من التفجير (...) كان حلمه الوحيد العيش بسلام ومساعدة الضحايا".
قتل في التفجير اربعة من اصدقاء علي أيضا.
وعلي متزوج منذ خمس سنوات لكن لم يرزق باطفال.
ويقول الاب "كان يحلم بأن ينجب اطفالا واراد تحقيق هذا الحلم بالذهاب الى اميركا".
ويقول عمه حسام لوكالة فرانس برس ان موعد سفره كان يتأجل باستمرار لاسباب شتى، تارة من اجل الفحص الطبي وطورا من اجل اوراق اخرى، "حتى قتل بالتفجيرات".
على الرغم من كل الحزن، تبقى الرغبة بالحياة أقوى.
ويقول سعيد علاء عادل (27 عاما) وهو يجلس في المقهى الجديد "جميل ان نرى الناس يحاولون المضي قدما بحياتهم".
ويضيف "لكن الحكومة والبرلمان جزء من المشاكل التي تؤدي الى الارهاب. والى أن يحصل التغيير، علينا ان نكون مستعدين لانفجار جديد".
عمار كريم وصفا مجيد أ ف ب