لا أحصنة طروادة في آستانا

16.01.2017

ذاك الصحافي العربي «الكبير» (الكبير بعباءته المرصعة) وهو يقول علنا لزميل له من دولة عربية اخرى «اننا هدفنا ازالة بشار الاسد ولو ركبنا على ظهر الشيطان، حتى ولو ركب الشيطان على ظهورنا».
الصحافي الذي ينطق بلسان من ينطق، قال «ان مستقبلنا مع اسرائيل استراتيجي وايدويولوجي»، مستعيداً فتوى سرية لشيخ كبير يعقد فيه القران بين النص القرآني والنص التوراتي.
لا عدو للعرب والمسلمين سوى ايران «حين انظر في صورة علي خامنئي لا اجد فيها سوى وجه كسرى انو شروان. الاحلام الايرانية لا تتوقف عند دمشق وبغداد وبيروت والمنامة، بل هي تنسحب على مكة المكرمة وعلى المدينة المنورة، والا ماذا يفعل الايرانيون في صنعاء الان، واي رؤية جيوسياسية تأخذهم الى جبال صعدة؟».
متى نتخلى، ولو عن شيء من سذاجتنا، من غبائنا، لندرك ان ما ترمي اليه اسرائيل ليس تقويض الدولة في سوريا، واقامة دويلات على شاكلتها فحسب، وانما تفتيت دول المنطقة برمتها. عودوا الى زئيف جابوتنسكي، وهو المرشد الروحي لوالد بنيامين نتنياهو، الذي قال في عام 1923 بتفكيك المنطقة اتنياً وطائفياً.
ومن اشعيا الذي قال ان دمشق «تزول من بين المدن وتصبح ركاماً من الانقاض» الى بنيامين نتنياهو الذي يطلق صواريخه على دمشق ليقول، ليقول فقط، ان الحرب في سوريا بدأت بأمر من الحاخامات وتنتهي بأمر من الحاخامات».
حمقى اولئك الذين يقولون، ويكتبون (حتى بتفاصيل كاريكاتورية) ان الصواريخ على مطار المزة استهدفت صواريخ كانت في طريقها الى «حزب الله» ودون ان ندري لماذا يفترض بهذه الصواريخ ان تتكدس في مطار المزة، ودائما في العراء او داخل مستودعات مكشوفة للعيان.
كل تلك الخفايا لدى قيادة «جبهة النصرة» التي يديرها سياسياً، وميدانياً، مستشارون عرب واتراك. لدى الاستخبارات الروسية معلومات هائلة حول اللقاءات التي عقدت بين مسؤولين في الجبهة (وقد غيرت اسمها الى جبهة فتح الشام) وضباط ومسؤولين في الاستخبارات الاسرائيلية...
اللقاءات عقدت في اكثر من مكان في تركيا، وفي اغلب الاحيان في ضاحية مدينة غازي عنتاب، وثمة اجتماع او اثنان عقدا في احدى الدول العربية وبرعايتها...
لا ريب ان التدخل الروسي غير المنتظر فاجأ الاتراك وفاجأ جهات عربية كانت تتوقع ان يصل ابو محمد الجولاني خلال ساعات الى قصر الشعب في دمشق، على ان يستقبله زهران علوش بالازهار وبالخيول..
اشياء كثيرة تغيرت على  الارض السورية. موسكو نبهت من نبهت الى انها تعرف قادة «النصرة» واحدا واحدا. وعلى هذا الاساس، لا مجال لأحصنة طروادة في مؤتمر آستانا في كازاخستان، وبعدما تبين ان الذين يشكلون الوفد المعارض انتقوا ثلاثة وربما اكثر من قيادة الجبهة الذين سبق لهم والتقوا بمسؤولين اسرائىليين.
مرة اخرى، انها الحماقة ان نقول ان قاذفات نتنياهو توخت ضرب صواريخ عائدة لـ« حزب الله» او انها توخت توجيه انذار الى السوريين لمنع نقل اي سلاح الى الحزب الذي لا تنقضه البراعة ولا الدقة، في شق الطريق امام صواريخه، والا كيف لعشرات آلاف الصواريخ، ومنها الحديث جدا، ان تستقر في صوامعها؟
معارضون سوريون ويؤكدون ان العلاقات بين فصائل معارضة، وبينها «جبهة النصرة» و«احرار الشام» والاسرائىليون اخترقت حتى العظم ليست علاقات تكتيكية بل استراتيجية، وتحت مظلة انقرة وعواصم عربية اخرى مضت بعيدا في التنسيق الاستخباراتي مع تل ابيب.
الطريف ان يكون هناك من يسأل ما اذا كانت الصواريخ الاسرائىلية تستهدف مطار المزة في دمشق ام مطار استانا. بنيامين نتنياهو الذي كان في قلب الحرب يريد ان يكون في قلب التسوية، هذا اذا كان لا يسعى ولا يشارك في حرب لا تبقي حجرا على حجر في سوريا.
لنقل بشيء من التفاؤل، ان المأزق التركي ادى الى تغيير دراماتيكي في الخطط وفي المعادلات. نتنياهو يدرك ذلك، ويضرب بكلتا يديه على الزجاج، على زجاج ردهة المفاوضات.