هجوم ميونيخ تفاصيل مروعة ولمحات إنسانية
وصفت الشرطة الألمانية يوم السبت المراهق الألماني الإيراني الأصل الذي قتل تسعة أشخاص في ميونيخ بأنه مسلح منفرد مختل العقل مهووس بعمليات القتل الجماعي ولم يستلهم فعلته من التشدد الإسلامي.
وفتح المسلح الذي يبلغ من العمر 18 عاما - والذي ولد وتربى في ألمانيا - النار قرب مركز مزدحم للتسوق في مدينة ميونيخ مساء يوم الجمعة مما تسبب في إغلاق المدينة وهي عاصمة ولاية بافاريا في ثالث هجوم يستهدف مدنيين في غرب أوروبا والثاني في جنوب ألمانيا خلال ثمانية أيام.
وقالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل يوم السبت إنها في حداد على من قتلوا في الهجوم وتعهدت بأن تبذل أجهزة الأمن كل ما في وسعها لضمان سلامة الجماهير.
وقالت ميركل "كلنا - وأقول ذلك نيابة عن الحكومة الاتحادية - في حداد بقلوب حزينة على من لن يعودوا أبدا لأسرهم."
وأضافت "وللأسر والآباء والأمهات والأطفال الذين بدا لهم كل شيء اليوم فارغا وعبثيا أقول لهم بشخصي وباسم الكثير والكثير من الناس في ألمانيا: نشاطركم ألمكم نحن نفكر فيكم ونعاني معكم."
وقالت الشرطة إن سبعة من القتلى أيضا مراهقون وربما اقتيدوا لموتهم من خلال حساب على فيسبوك تم التسلل إليه لتنفيذ هجوم تزامن مع الذكرى الخامسة لتنفيذ السفاح أندرس برينج بريفيك هجومين في النرويج قتل فيهما 77 شخصا.
وقال رئيس مكتب مكافحة الجريمة في ولاية بافاريا روبرت هايمبرجر إن المسلح - الذي قالت وسائل إعلام ألمانية إن اسمه علي ديفيد سنبولي - كان يحمل أكثر من 300 طلقة في حقيبة الظهر التي كان يحملها ومسدسا وعثر عليه في وقت لاحق مقتولا بعيار ناري.
وبعد تفتيش الشرطة لغرفة المهاجم التي عثرت فيها على كتاب عن حوادث إطلاق النار التي ينفذها مراهقون استبعد قائد شرطة ميونيخ هوبرتوس أندريه وجود صلة لإسلاميين متشددين بالهجوم الذي أصيب فيه 27 شخصا بعضهم جرحوا في التدافع نتيجة انتشار الفزع.
وأضاف خلال مؤتمر صحفي "بعد عملية البحث لم تكن هناك أي مؤشرات على الإطلاق على أن هناك صلة بالدولة الإسلامية" أو قضية اللاجئين.
وقال أندريه "عثرنا على وثائق عن هجمات بإطلاق النار فمن الواضح أن المهاجم أجرى أبحاثا عن هذا الموضوع بشكل مكثف."
وقال أندريه إن التحقيقات لم تعط سببا للاعتقاد بأن القاتل كان له شركاء وأضاف أنه ولد ونشأ في منطقة ميونيخ وقضى وقتا في تلقي رعاية نفسية.
وقال وزير الداخلية الألماني توماس دي مايتسيره إن من السابق لأوانه أيضا ربط إطلاق النار في ميونيخ ببريفيك الذي أطلق النار وقتل 69 شخصا في مخيم صيفي للشباب في 2011 بعد ساعات من قتله ثمانية آخرين بتفجير سيارة ملغومة في أوسلو.
لكنه أضاف لتلفزيون ألمانيا أن الحكومة ستفحص بدقة إجراءاتها الأمنية بمجرد اكتمال التحقيق للتأكد من أن الأمر يتطلب إجراء تعديلات.
وقال إن وحدة من الشرطة الاتحادية تأهبت يوم الجمعة بعد مؤشرات أولية باحتمال وقوع هجوم مسلح على نطاق واسع لكن في نهاية الأمر لم تكن هناك حاجة لتحركها.
*دعوة لتناول الطعام
قال هايمبرجر في مؤتمر صحفي إن الشرطة تحقق في أدلة تشير إلى أن مسلح ميونيخ دعا أشخاصا لمطعم للوجبات السريعة في مركز التسوق عبر حساب على فيسبوك.
وأضاف "قال إنه سيشتري لهم ما يرغبون من الطعام على حسابه ما دام ليس مكلفا جدا. كانت هذه هي الدعوة." وقال إنه ما زال يتعين التحقق من ذلك الأمر لكن هناك الكثير من الخيوط التي تشير إلى أن المهاجم أعد الدعوة وأرسلها أو نشرها عبر الإنترنت.
وقال وزير الخارجية التركي إن ثلاثة مواطنين أتراك من بين القتلى التسعة في هجوم ميونيخ بينما قالت وزارة الخارجية اليونانية إن يونانيا واحدا من بين القتلى. وذكرت وسائل إعلام أجنبية إن هناك ثلاثة من ألبان كوسوفو بين الضحايا.
وقال هورست زيهوفر رئيس وزراء ولاية بافاريا إن هجوم ميونيخ وهجوما آخر بفأس نفذه طالب لجوء يبلغ 17 عاما من العمر وأصاب خمسة أشخاص في مدينة فويرتسبرج الواقعة في الولاية أيضا يوم الاثنين يجب ألا يؤثرا سلبا على الحريات الديمقراطية.
وقال للصحفيين وقد بدا عليه التأثر "للمرة الثانية خلال أيام قلائل صدمنا حمام الدماء غير المبرر... يجب ألا نسمح للشك والخوف بأن تكون لهما اليد العليا."
وكان يتحدث بعد ما يزيد قليلا على أسبوع من مذبحة يوم الباستيل التي نفذها سائق شاحنة في مدينة نيس الفرنسية وقتل فيها 84 شخصا. وأعلنت الدولة الإسلامية مسؤوليتها عن هجومي نيس وفويرتسبرج.
* لماذا يقتل المراهقون؟
قالت الشرطة إن مسلح ميونيخ - الذي قال أحد جيران والده إنه عمل كسائق سيارة أجرة - ليس له سجل إجرامي لكنه كان ضحية لجنحتين وهما سرقة في 2010 وإيذاء جسدي في 2012.
وقال دي مايتسيره إن هناك دلائل على أن القاتل تعرض لمعاملة سيئة "من آخرين في سنه".
وداهم أفراد من قوات الكوماندوس التابعة للشرطة شقة في حي ماكسفورشتات بميونيخ في وقت مبكر يوم السبت وقال أحد الجيران لرويترز إن المسلح كان يعيش في تلك الشقة مع والديه منذ أربع سنوات تقريبا.
وفي غرفة المسلح عثرت الشرطة على ترجمة ألمانية لكتاب عنوانه "لماذا يقتل المراهقون-- داخل عقول منفذي إطلاق النار في المدارس".
ولدى سؤاله عما إذا كان المهاجم قد استهدف مراهقين عمدا قال أندريه إن هذه النظرية لا يمكن تأكيدها ولا استبعادها.
وقال وزير داخلية ولاية بافاريا يواخيم هيرمان إن هناك الكثير من الإشارات على أن المهاجم كان يعاني من "اضطرابات نفسية خطيرة".
وقال قائد الشرطة إن ثلاثة من القتلى كانوا في الرابعة عشرة من العمر واثنين في الخامسة عشرة وواحدا يبلغ 17 عاما وآخر يبلغ 19 عاما إضافة إلى قتيلين في العشرين والخامسة والأربعين.
كما ستسعى الشرطة أيضا لمعرفة كيف حصل المهاجم على السلاح الذي استخدمه في الهجوم في بلد لديه نظام للرقابة على الأسلحة تصفه مكتبة الكونجرس الأمريكي بأنه "من بين الأكثر صرامة في أوروبا".
وقال هايمبرجر "لا يزال التحقيق يحاول معرفة من أين أتى السلاح" وأضاف أن المهاجم لم يكن هو المالك المسجل باسمه السلاح.
وقال تيلفي داليبي (40 عاما) وهو مقدوني الجنسية وأحد جيران المسلح لرويترز "أنا مصدوم. ماذا حدث للصبي؟ الله وحده يعلم ماذا حدث ... ليس لدي فكرة عما إذا كان فعل شيئا سيئا في مكان آخر أم لا."
لمحات إنسانية
في خضم الفوضى التي عمت ميونيخ بعيد اطلاق النار في المركز التجاري الجمعة سارع سكان المدينة الى فتح منازلهم امام التائهين في خطوة اشادت بها المستشارة الالمانية انغيلا ميركل معتبرة ان قوة المانيا تكمن في قيمها.
واثر قيام الشرطة باغلاق وسائل النقل العام مساء الجمعة لمنع المشتبه بهم من الهرب، عمد السكان الى عرض مساعدة العالقين في المدينة على وسائل التواصل الاجتماعي.
وتحت وسم “الباب المفتوح”، تمكن سكان من ايجاد مأوى الى حين عودة الحركة في وسائل النقل العام، وهي مبادرة سبق ان شهدتها فرنسا بعد اعتداءات باريس ونيس.
وكتب احد السكان في تغريدة على تويتر “لدينا جعة ومكان للمبيت قرب برنزريغنتبلاتز/ماكس ويبر بلاتز″.
واعتبرت ميركل ان السخاء الذي اظهره سكان ميونيخ يثبت اننا “نعيش في مجتمع حر يتمتع بالانسانية” مضيفة ان “ابرز مواطن قوتنا” تكمن في هذه القيم.
واضافت ان “الناس في ميونيخ عاشوا ليلة من الرعب، من الصعب علينا تقبل مثل هذه الليلة”.
وكانت ثالث مدن المانيا لا تزال تحت الصدمة السبت بعدما قام الالماني-الايراني ديفيد علي سونبولي البالغ من العمر 18عاما باطلاق النار داخل مركز تجاري وقتل تسعة اشخاص واصاب 16 اخرين قبل ان ينتحر.
وسرت معلومات في بادىء الامر عن احتمال وجود ثلاثة مهاجمين لكن الشرطة استبعدت ذلك مساء الجمعة واكدت ان سونبولي تصرف بمفرده.
ومبادرة “الباب المفتوح” لاقت اشادات واسعة لدى السلطات الالمانية والصحافة.
وقال وزير مالية بافاريا ماركوس سويدر للصحافيين “هذا التضامن ترك اثرا كبيرا لدي. انها اشارة جيدة على مجتمع اهلي”.
واضاف “وسط كل الصدمة والحداد، لا يزال هناك امل”.
وعبرت صحيفة “ابندتسايتونغ” المحلية عن رأي مماثل.
وكتبت في افتتاحيتها “في مساء غرقت فيه المدينة في الذعر وفر سكان ميونيخ خائفين من الاماكن العامة والمطاعم والحدائق، قام كثيرون بشكل عفوي بتقديم ملجأ لهم”.
– تساؤلات-
قالت امرأة شابة عرفت عن نفسها باسم تامارا لوكالة فرانس برس انها كانت تتسوق مع عائلتها في المركز التجاري حين بدأ اطلاق النار.
واضافت انها وجدت نفسها مع زوجها التركي وولديهما (2 و 4 سنوات) بدون اي مكان يلجأون اليه لان الشارع القريب الذي يقيمون فيه اغلقته الشرطة.
وتابعت “حصل كل شيء بسرعة فائقة. ادركنا ما يحصل حين شاهدنا التقارير المتلفزة. طلب منا مغادرة المركز التجاري باسرع ما يمكن واعتقدنا في بادىء الامر انه انذار كاذب”.
واضافت “لكن حينئذ رأينا الجميع يهربون ايضا. وحين ادركت العائلة ان ليس بامكانها الذهاب الى المنزل لجأت الى مبنى قريب”.
وقالت تامارا “صعدنا الى الطابق ال14 وقرعنا جرس الباب” ففتحت لهم عائلة اخرى ودعتهم الى الدخول.
وفي وسط المدينة فتحت الفنادق ايضا ابوابها امام كل العالقين او التائهين وسمحت لهم بالبقاء في بهو الفنادق اذا كانت كل الغرف محجوزة.
وكان المركز التجاري لا يزال مغلقا السبت فيما كان خبراء المتفجرات يفتشون الموقع لكن السكان كانوا يضعون الزهور ويضيئون الشموع في ذكرى الضحايا.
وكتب على ورقة بخط اليد عبارة “لماذا؟”.
وقال ميزاروس المجري البالغ من العمر 78 عاما انه يقيم في المنطقة منذ اكثر من اربعين عاما.
واضاف متسائلا “ما يدور في ذهن شخص كهذا، بماذا يشعر اصدقاؤه وعائلته؟”.
وتابع تعليقا على ان مطلق النار يحمل الجنسيتين الالمانية والايرانية قائلا “هذا يعني انه نشأ هنا. هل تغير فجأة ام ان هناك دوافع سياسية” وراء تصرفه.
وخلص الى القول “لم يحصل اي شيء كهذا هنا من قبل، انه امر لا يصدق”.
المصدر: وكالات