الحلف الروسي السوري

04.07.2016

العلاقة بين روسيا وسوريا هي علاقة عميقة وطويلة وتمثل زواج الضرورة السياسية ، هي علاقة الدعم المستور أحيانا,  ولكنها أيضا علاقة تاريخية تقوم على الاحترام الذي بني  على أساس الأفراح والأتراح  وعلى النضال السياسي المشترك. قبل أن أحاول الشرح أو تبني وجهة نظر حول العلاقات بين روسيا وسوريا في الوقت الحاضر الذي نعيش فيه، والذي تدور الآن فيه حرب أهلية في سوريا، أود أن أقتبس من المؤرخ الروماني بوليبيوس الذي درس التاريخ  والإمبراطوريات وأسباب نشوئها في السلم والحرب " التاريخ وحده هو الذي يمكننا من الحكم على أفضل مسار في أية حالة أو أي ظرف دون أن يتسبب في إلحاق الأذى بنا." نحن يجب أن نتذكر هذه الكلمات الحكيمة على مر التاريخ عندما نتابع مسار الإمبراطوريات أو الدول القومية في العالم الحديث. دعونا نلقي نظرة هادئة وواقعية حول تاريخ هذين البلدين اللذين يرتبطان الآن بشكل وثيق في زمن الحرب ضد الإرهاب وفي زمن  وجود الدول القومية التي تسعى للهيمنة على المصائر السياسية والاجتماعية في العالم بغض النظر عن التكلفة البشرية من حيث الخسائر في الأرواح. العلاقة التاريخية بين الدولة القومية في روسيا، رسميا الاتحاد السوفيتي، والدولة القومية في سوريا هي علاقة تعاون حقيقي من خلال فترات الأزمات السياسية الداخلية في سوريا والصراعات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط. لقد وقعت ثلاثة إنقلابات خلال الفترة 1949-1953، حتى جاء البعث إلى السلطة في سوريا عام 1954، لقد تم الاهتمام  بشدة من قبل القيادة السياسية والعسكرية في الاتحاد السوفيتي بسوريا وتعزز التعاون من خلال أزمة السويس عام 1956 عندما حصل العدوان الثلاثي من قبل إسرائيل وفرنسا وبريطانيا. كان هناك دائما ثقافة ودية بين الشعبين الروسي والسوري، وكان هناك مصالح واحتياجات واقعية تتداخل مع  هذه الصداقة ، والتي تؤمن المصالح المتبادلة الاقتصادية والعسكرية على حد سواء.

إذا أخذنا المفهوم التاريخي للعلاقة بين روسيا وسوريا نجد أنه من واجب روسيا أن تدافع عن الحكومة السورية والشعب السوري  الذي يقاتل الإرهاب في الحرب الأهلية الراهنة في سوريا، فلدى روسيا التزام سياسي وأخلاقي للمساعدة في الدفاع عن المصالح المشروعة لسوريا في صراعها ضد الإرهابيين مثل داعش وأن تدافع ضد الدول القومية التي تسعى للإطاحة بالرئيس الحالي لسوريا من أجل الهيمنة التي من شأنها فرض عدم الاستقرار الأكثر خطورة في الشرق الأوسط. الحرب التي تجري على سوريا من الدول القومية الحديثة تخلق سوء التقدير والتناقضات بين القوى الغربية التي تسعى لفرض إرادتها على الدولة السورية من حيث التجارة وبيع الأسلحة والسيطرة على السكان بدون النظر إلى تطلعاتهم. على الجانب الآخر، هناك الدول القومية مثل روسيا وسوريا وإيران والعراق على سبيل المثال، تهتم بتعزيز المصالح الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المستقلة للدول القومية كجزء من عملية تشكيل أكثر واقعية لنظام دولي جديد في جميع أنحاء العالم. ولذلك فإن الحرب الأهلية العميقة التي تجري في سوريا هي في الواقع جزء من هذه العملية الجدلية حول تقرير المصير وحركات التحرر الوطني في جميع دول الشرق الأوسط.
كما كان للروماني القديم مصالح سياسية وعسكرية عميقة في بلاد الشام فروسيا في الحقيقة تريد أن يكون لها في العصر الحديث علاقات سياسية واقتصادية وثقافية وتاريخية مع سورية الحديثة. لقد عمل الاتحاد السوفيتي وروسيا في العصر الحديث  لصياغة المعايير الدولية التي تتعلق بميزان القوى في السياسة العالمية وفي حالات  التدخل العسكري. مع هذا التصور التاريخي ، وخاصة منذ عهد لينين عندما كانت الأممية هي المسيطرة وكان هناك  توجها من أجل التغيير الاجتماعي الثوري كجزء من السياسة الخارجية لروسيا السوفيتية، كان هناك رأي اشتراكي وعملي لتوسيع نظرة القانون الدولي التي تتعارض مع التصور الغربي الذي يفرض النموذج العسكري للهيمنة وكما تنادي به الدول القومية الغربية، مع كون الولايات المتحدة هي زعيمة هذا السلوك السياسي. هذا الاختلاف بين الوجهتين في النظر حول  الأزمات السياسية العالمية كان كافيا  لنشوء ما يسمى  ب "الحرب الباردة"، وكان من شأنه أيضا أن يشكل الخط الفاصل من الحقد وانعدام الثقة والحروب بالوكالة بين الرأيين والاقتراب من استخدام القوة العسكرية أحيانا. وأصبح هذا التنافس الدولي أمرا واقعا فيما يتعلق بالدبلوماسية والحرب. مع هذه التصورات غير المتفق عليها تطور النهج الحتمي من الاحتكاك السياسي والعسكري بين هذين المخيمين المتعارضين، وكان من الطبيعي أن الاتحاد السوفيتي ومن بعده روسيا سوف تعدل إستراتيجيتها علاوة على نهجها التكتيكي في مواجهة القوى الغربية. لقد تساءل المؤرخ، فإن روي أليسون، في عمله روسيا والغرب، والتدخل العسكري " هل تستمر المواقف الروسية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي كقوة عظمى حول مختلف القضايا التي يتردد صداها في المجتمع الدولي؟ واصلت روسيا قبل كل شيء التأثير من خلال وجودها كعضو دائم في مجلس الأمن الدولي من خلال التأثير في " جدول القمة ووضع القواعد العالمية. حافظت روسيا على وجودها أيضا في تجمعات رئيسية لإدارة الأزمات الإقليمية مثل مجموعة الاتصال في الشرق الأوسط ومحادثات الأطراف الرباعية في شبه الجزيرة الكورية والمحادثات بشأن البرنامج النووي الإيراني ".

ومن المثير للاهتمام أن نلاحظ هنا أنه في الفترة الطويلة من التاريخ البشري خلال فترة الحكم السوفيتي في روسيا لم يحدث أي غزو من قبل الجيش السوفيتي في المناطق الغربية من أوروبا. كان هناك احتلال للقوات السوفيتية في هنغاريا وتشيكوسلوفاكيا بسبب انتفاضة عناصر مخابراتية مستاءة من مسؤولي الحزب الشيوعي الذين اعتقدوا بسذاجة أن بعض القوى الغربية ستدعم مثاليتهم في الليبرالية والديمقراطية، ولكن هذه الأحلام أو الأوهام عاشت لفترة قصيرة، لأن جيوش أوروبا الغربية أو الولايات المتحدة لم تأت لنجدتهم. لذلك خلال الفترة الوسطى من القرن العشرين، فإن القوى البرجوازية في أوروبا الغربية مع حليفتها الولايات المتحدة، على الرغم من الاهتمام  والتحضير للهيمنة على العالم لتحقيق  سعيهم الإمبراطوري، كانوا لا يزالون يستخدمون نفس الخطاب وتقنيات الدعاية الخفية في "الحرب الباردة" مع روسيا وحلفائها. كما هو الحال مع نيسياس اليوناني الذي  وقع مع سبارتا معاهدة سلام عام 421 قبل الميلاد حيث أنهى بموجبها النصف الأول من الحرب البيلوبونيسية، لذلك لكان هناك هدنة غير معلنة بين القوى الرأسمالية الغربية والاتحاد السوفيتي و حلفائه الاشتراكيين في أوروبا الشرقية بعد نهاية الحرب العالمية الثانية المعروفة لدى الشعب السوفيتي بالحرب الوطنية العظمى. اعتمدت خلال هذه الفترة من السلام البارد الحروب بالوكالة وحروب التخريب الاقتصادي من قبل الطرفين، أولى الاتحاد السوفيتي اهتماما عميقا لسوريا كسلطة سياسية وازنة في الشرق الأوسط.

كانت هناك العديد من المراحل التي أولت روسيا فيها اهتماما سياسيا في الشرق الأوسط، بما في ذلك سوريا أو منطقة بلاد الشام ​​(إقليم يضم   حاليا سوريا ولبنان). وكان هذا الاهتمام الإقليمي مستمرا في التصور السوفييتي كما في التصور الروسي الحالي. وكانت هذه العملية التشاركية من خلال السياسة والثقافة بين كل من روسيا وسوريا والتي تطورت فيما بعد إلى عملية سياسية جدلية استمرت خلال القرن الحادي والعشرين، وبالتالي هذه  التشابكية السياسية الدبلوماسية هي معقدة وحتى خفية في طبيعتها. وما ينظر إليه على أنه تطور من خلال جدول زمني تاريخي للأحداث بين البلدين لا يمثل النشاطات السرية، التي يمكن تبريرها من خلال المكيافيلية الدافئة بين البلدين حول مختلف المصالح السياسية. المؤرخ، رامي غينات، ويعطي في بداية عمله "سوريا وعقيدة الحياد العربية" وجهة نظر حول كيفية  نظر الدولة الروسية إلى الشرق الأوسط خلال القرون الثلاثة الماضية بالقول على النحو التالي:
لقد اجتذب الشرق الأوسط دائما اهتمام روسيا في مختلف مراحلها التاريخية --- روسيا القيصرية والاتحاد السوفيتي و الاتحاد الروسي الحالي، لأن المنطقة هي البوابة الجنوبية لروسيا. شهد القرنان الثامن عشر والتاسع عشر توسعا لروسيا القيصرية جنوبا كنتيجة للصراع الإمبراطوري مع الإمبراطوريتين العثمانية والفارسية ... وبعد الثورة البلشفية عام 1917، اختارت روسيا الخروج من الحرب العالمية الأولى ... وفي عام 1919 أعلن لينين "أنه سيتم احترام حدود ما قبل الحرب، ولن يتم إعطاء أي من الأراضي التركية إلى أرمينيا، وسيبقى الدردنيل تركيا وتبقى القسطنطينية عاصمة للعالم الإسلامي ".

كما نرى فالمصالح تمتد لفترة طويلة الأمد بين روسيا والشرق الأوسط، إلا أن البريطانيين والفرنسيين لديهم مثل هذه الذاكرة التاريخية الطويلة بشأن علاقاتهما الخاصة مع الشرق الأوسط، في حين أن الولايات المتحدة لديها ذاكرة تاريخية قصيرة حول الشرق الأوسط في أحسن الأحوال، ولكن لديها تاريخ طويل من انتشار آلة الحرب في تلك المنطقة من العالم في العصر الحديث.
لفهم مصلحة الاتحاد السوفيتي مع الدولة القومية الناشئة في سوريا بعد الحرب العالمية الثانية، فمن المهم أن نعرف كيف كان ينظر ستالين لمثل هذا الاهتمام الإقليمي خارج الأراضي الطبيعية لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية. على الرغم من أن هذا المقال لا يشمل الموارد الدبلوماسية الروسية الأولية بين روسيا وسوريا في العالم الحديث، سأحاول استخلاص بعض التخمينات حول التقارب الاقتصادي والثقافي بين البلدين. خلال هذه السنوات الأولى، كان من الواضح وجود إشارات دبلوماسية وتبادل للسفارات بين مختلف الأطراف التي تولى اهتماما لمستقبل سوريا، لقد سعى ستالين، زعيم الاتحاد السوفيتي لبناء نهج ثوري في منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي كان أكثر اهتماما بالثورات الشيوعية وكان من الطبيعي أن يركز  على الأحزاب الشيوعية في الشرق الأوسط   والحكومات الاشتراكية في تلك المنطقة من العالم. وقد قال بعض العلماء في الشرق الأوسط مثل غينات أنه لم يكن هناك تغييرات دبلوماسية كبيرة في الشرق الأوسط حتى وفاة ستالين. ويمكن القول أنه مع بداية الحرب العالمية الثانية، كان لستالين بالتأكيد عملاء من المخابرات في هذا المجال في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة في مصر وسوريا، ناهيك عن العراق. الحكومة السورية في وقت مبكر من عام 1944، أبدت رغبة جادة في إجراء اتصالات دبلوماسية مباشرة مع الاتحاد السوفيتي، وكان لمثل هذه الخطوة عواقب وخيمة يمكن أن تؤثر في مسار الحرب لقوات الحلفاء والاتحاد السوفييتي حيث قد يتغير الوضع إلى الهزيمة على أرض المعركة. لحسن الحظ هذا لم يكن صحيحا، وكان الدبلوماسيون السوريون قادرون على لقاء أول وزير سوفيتي في مصر، نيكولاي نوفيكوف، وعلى الرغم من أن الاجتماع لم يكن جيدا للوفد السوري، فقد كان أول خطوة حاسمة نحو التقارب الرسمي بين الاتحاد السوفيتي والدولة القومية في سوريا. بعد سلسلة من اللقاءات خلال صيف عام 1944، أبلغت الحكومة السوفيتية نوفيكوف أنه اعتبارا من 19 يوليو سوف تبدأ العلاقات الدبلوماسية مع سوريا وأن البعثة الدبلوماسية السوفيتية يمكن  أن تكون في دمشق في ذلك العام. كان يوم 31 يوليو، عندما أعلن الاتحاد السوفيتي وسوريا إنشاء علاقات دبلوماسية رسمية، ولكن ذلك لم يتم فعليا حتى 10 فبراير 1946 حيث تم تبادل البعثات الدبلوماسية الرسمية بين البلدين وحسب البروتوكولات الدبلوماسية. وهكذا نرى أن الطريق إلى الاعتراف الدبلوماسي بين البلدين لم يكن سريعا  ولا سلسا، والحرب العالمية قد جلبتهم  إلى الكفاح معا من أجل الاستقلال على الجانب السوري، والقتال حتى الموت ضد الفاشية النازية من قبل الاتحاد السوفيتي. ما ينبغي أن نلاحظه أيضا كيف لعب ستالين دورا رئيسيا لخلق علاقات صحية بين تلك البلدان في الشرق الأوسط والاتحاد السوفيتي. كما علق غينات في كتابه حول هذا الموضوع، ويجب أن يكون مفهوما أنه لم يكن شيوعيا بل كان يشكل مقياس التغير الخارجي السوفيتي، عندما كتب:

توجه  صناع السياسة السوفيتية إلى الجماعات القومية في الشرق الأوسط التي تركز على مهمة وضع حد للنفوذ الغربي في المنطقة. ولتحقيق هذه الغاية فقد  اهتم السوفييت بالعلاقات مع الحكومات التي تتبع بالفعل سياسات معادية للغرب. ... ستالين بدأ في اتباع خط السياسة الواقعية في برنامج الشؤون الدولية. وكانت السياسة الخارجية، أولا وقبل كل شيء، على أساس الاعتبارات النفعية المشتقة من مصالح الاتحاد السوفييتي  المتنامي في أجزاء معينة من العالم ... ما يهم أكثر لستالين هو أنها انتهجت سياسات معادية للغرب.
وبعبارة أخرى، كان ستالين ذكيا تماما للمحافظة على الواقعية في العلاقات الدبلوماسية مع دول الشرق الأوسط، بما في ذلك ليس فقط حماية حدود الشرق الأوسط التي هي نفسها حماية لحدود الاتحاد السوفيتي، ولكن أيضا من خلال تعزيز الانتصارات التي تحققت بالفعل على أرض المعركة. عندما يجمع زعيم بين تحقيق الانجازات العسكرية ويدعمها باتفاقات دبلوماسية تحقق الاستقرار الإقليمي والعالمي، فيجب أن نذكر لمثل هذا  الزعيم موهبة نادرة في التاريخ. في القرن الحادي والعشرين لا نرى مثل هذه المواهب في العالم. ومع ذلك، استلهم فلاديمير بوتين صفحة ناصعة من صفحات ستالين بشأن معرفته متى يبدأ الحرب، عندما أعطى التوجيه للقوات الجوية الروسية باستهداف داعش المعروف أيضا باسم تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة فرع القاعدة في سوريا، حتى توصل إلى المفاوضات الدبلوماسية بين جميع الأطراف المشاركة في الصراع الإقليمي، كما هو الحال عندما توسطت روسيا والولايات المتحدة الهدنة التي وقعت في فبراير عام 2016 أثناء الحرب الأهلية السورية التي بدأت في 15 مارس 2011.

وهكذا نرى، أن الحقبة من منتصف الحرب العالمية الثانية إلى السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين، تشبه إلى حد كبير ما حدث مع روما الإمبراطورية وسوريا في العصور القديمة. ماعدا القوى الإقليمية، وهذا يعني روسيا وسوريا اللتان لم يكن لديهما مشاريع في الهيمنة  ولا فرض سلوك إلزامي  مباشر على الحلفاء، على  عكس القادة الرومان الذين كانت جحافلهم الرومانية تغزو العدو والصديق على حد سواء، وأولئك الحكام السوريون في سوريا الكبرى الذي قدموا إلى الإمبراطورية الرومانية بدون طلب. روسيا الحديثة متشبثة بقيم الاتحاد السوفيتي الثوري، هي أمة تقيم السلام في نهاية المطاف وتضطر للعب دور على خشبة المسرح في العالم لمكافحة الفاشية الحديثة والإمبريالية الأمريكية سواء كانوا يترددون في تنفيذ مخططاتهم أو على وشك القيام بأدوارهم. سوريا لا تزال مستمرة في  مخاض الولادة بكونها قوة إقليمية من خلال الحروب الأهلية الكلاسيكية التي كتب عنها ثيوسيديدز وتاسيتوس بجرأة.
في التاريخ الحديث للتحالف الروسي السوري، كان هناك توترات ظهرت من خلال الفهم الواقعي للعملية التاريخية للاستقلال وليس من خلال الأجندات السياسة التي يفرضها التدخل الخارجي، خصوصا من الغرب الذي يسعى للهيمنة ، ولكن لضمان أمن الدول العربية الأخرى كذلك. مع أخذ هذا بعين الاعتبار، وعندما يتعلق الأمر بأفعال داعش  يجب علينا أن نفهم كيف ظهرت بذور هذه المنظمة الإرهابية ومن أين نمت هذه الجذور. يقول يفغيني بريماكوف، الذي كان رئيسا لجهاز الاستخبارات الخارجية الروسية، ولكنه كان أيضا وزيرا للخارجية ورئيسا لوزراء روسيا، إن الإرهاب الذي يتوسع في منطقة الشرق الأوسط وينتشر خارجه ينبغي أن يكون مفهوما على هذا النحو:
الخوف لحق بجانبي الصراع في الشرق الأوسط وهو ليس أرضا خصبة للإرهاب الدولي كما ينظر إليه في نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين بالنسبة للمبتدئين. طبيعة الإرهاب في الشرق الأوسط سياسية وليست دينية.
ملاحظة بريماكوف الموجزة حول جوهر الإرهاب في الشرق الأوسط وغيره من أرجاء العالم، تعبر عن فهم عقلاني  وفهم تاريخي لكيفية حدوث الحروب الحديثة التي ليست ذات طبيعة روحية، ولكنها تنطلق من أيديولوجيات متصارعة حول الاقتصاد وتناقض الطبقات.

لكن بريماكوف يذهب أبعد من ذلك في تحليله ويؤكد بشكل قاطع أن "الحرب ضد الإرهاب" في القرن الحادي والعشرين  والتي تمثلها "الشبكة المعروفة باسم تنظيم القاعدة لم ينشأ من الحركة الفلسطينية. لقد كان تنظيم القاعدة الديني يستخدم من قبل الولايات المتحدة خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي، كما اتضح،  وقد جاء إلى حيز الوجود بمساعدة وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي ايه) لكي يقاتل الجيش السوفيتي في أفغانستان ". الآن، في هذه الأوقات التي أكتب فيها هذا المقال، نحن نحصد العنف الرهيب من دوامة الريح خلقنا، واليي بدورها تسبب انهيار العالم الغربي، بما في ذلك الولايات المتحدة أيضا.
ومن المعروف من خلال مصادر مختلفة أن الاتحاد السوفيتي السابق لم يكن منحازا مع سوريا بشأن قضايا مثل الحرب الأهلية في لبنان أو في صراع مختلف الأحزاب السياسية والقوى العسكرية للسيطرة على النضال الفلسطيني. في الواقع، يوري أندروبوف، السكرتير العام للحزب الشيوعي السوفييتي، الذي حاول في عام 1983 التوصل إلى علاقة أكثر تصالحية بين سوريا والقيادة الفلسطينية كان على خلاف مع القيادة السورية بشأن الموقف من عرفات داخل القطاع الفلسطيني. لذلك، إذا حاولنا النظر للسياسة الخارجية للتحالف بين الاتحاد السوفيتي أو روسيا مع سوريا، طوال عقود في العصر الحديث، سنلاحظ أن هناك دائما طبيعة من المد والجزر بين الدولتين القوميتين. القوة التدميرية الكامنة المسببة للحرب والإرهاب في الشرق الأوسط يجب البحث عنها في مكان آخر، إنها مثل التروتسكية أثناء وبعد الثورة الروسية، إنها السياسة الخارجية الأمريكية ، التي تريد  "تصدير" وجهة النظر الأمريكية حول  الديمقراطية داخل حدود الدول القومية في جميع أنحاء العالم. ويشمل هذا الحديث الحرب الأهلية في سوريا التي يمكن أن تسبب إشعال مناطق أخرى في الشرق الأوسط أو تسبب اندلاع الحرب العالمية الثالثة. في سوريا سوف يعبر الناس عن موقفهم  في المعركة ضد الإرهاب الإسلامي، في سوريا مصير العالم سيتقرر بشأن هذه الحرب.
وانطلاقا من هذه الورقة القصيرة التي حاولت من خلالها  أن أبين بطريقة بسيطة أنه لا تتم  صياغة التاريخ  ببساطة عن طريق نزوات الأفراد أو تحقيق مآرب الدول القومية دون عواقب. وإذا لم  نستطع فهم طبيعة التحالفات التي هي موضوع دقيق من البداية وحتى النهاية، فإننا لن نستطيع إنشاء المسار السياسي للعمل الذي سيؤدي إلى فترة من السلام، وعندها لن نجلب سوى الحروب .