حلب معركة عالمية تحسم مستقبل المنطقة

20.06.2016

كنت قد ذكرت في مقالات سابقة عن ضرورة تحقيق النصر الحاسم في سوريا بهدف التخلص من الإرهاب الذي يهدد الجسد الكوني كما يهدد الجسد السوري، وكان التركيز فيه على الإرهاب وما يشكله من تهديد. لعلي أود الآن أن أشير أن تحليل الوضع السوري من وجهة نظر الإرهاب فقط هو تحليل يدرس أعراض المرض بدون أن يتفحص أسبابه الحقيقية. فالإرهاب كان وسيبقى نتاج لمرض حقيقي يعاني منه العالم اليوم. دعوني أذكركم بأقوال وتحليلات الفيلسوف الروسي المشهور الكسندر دوغين الذي يرجع مشاكل العالم اليوم إلى طبيعة الليبرالية الجديدة التي تزداد وحشية وشراهة ، قوى المال تبحث أكثر وأكثر عن القوة والسيطرة ليكون العالم كله لعبة تتحكم بها ، وكل ما نسمعه عن  الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان،من وجهة نظر الليبرالية الجديدة، ليس إلا أدوات للحصول على القوة أكثر والسيطرة أكثر. 

لقد وصلت الليبرالية الجديدة إلى قناعة أنه لا حياة ولا مستقبل لها بدون السيطرة على العالم كله بما فيه روسيا، إن الأحادية القطبية هي شرط أساسي من شروط وجودها، فهي لا تقبل الشراكة مع أحد ولا تستطيع الاستمرار والبقاء في عالم متعدد القطبية. لذلك فإن الدعوات الروسية لعالم متعدد القطبية، والتي انطلقت من فهم صحيح لطبيعة العالم اليوم، هي حرب وجود بالنسبة للولايات المتحدة، فالولايات المتحدة من خلال الطبيعة الليبرالية الجديدة الحاكمة فيها لا تستطيع القبول بالتعددية القطبية ولا حتى بدول إقليمية فاعلة ذات وزن وقدرة على الحفاظ على مصالحها الوطنية. ولعل هذا أحد أسباب عدائها مع إيران وسوريا. 
الإرهاب هو نتاج لفكر العولمة الجديدة وهو أحد وسائل التدمير والتقسيم التي تضمن تحقيق الفوضى من أجل تدمير الدول وتقسيمها وإلحاقها فيما بعد بالولايات المتحدة. وهنا اسمحوا لي أن أشير إلى نقطة هامة في لغة المصطلحات السياسية الدارجة، عندما يجري الحديث عن الولايات المتحدة وحلفائها، فالولايات المتحدة ليس لها حلفاء مطلقا، فجميع ما يسمى "حلفاء" هي دول تابعة في الحقيقة، عليها السير في المخطط الأمريكي. حتى شركاؤها الغربيون ليسوا حلفاء وعليهم الانصياع والطاعة والسير في قافلة تحدد مسيرتها "الدولة القائدة في العالم" وهي الولايات المتحدة. إنهم يشبهون تماما حالة الحلفاء في حلف وارسو السابق عندما كانت دول المعسكر السوفييتي "حلفاء" لروسيا. أما "الحلفاء" الإقليمين فحدث ولا حرج عن طبيعة العلاقة غير المتكافئة والتابعة بكل المعايير للتوجيهات الأمريكية، ولكن وعلى الرغم من هذه التبعية يجري استخدام هؤلاء "الحلفاء" الإقليمين كأوراق رخيصة الثمن عند الحاجة، ومثالنا على ذلك هو استخدام ورقتي النظام التونسي والنظام المصري أثناء موجة "الربيع العربي" ورميهما في سلة المهملات، لإظهار أن موجة "الربيع العربي" هي موجة ربيع حقيقي من أجل الوصول إلى الهدف المقصود من كل تلك الورقة المزورة  وهي سوريا ومحورها، من أجل السيطرة التامة على الشرق الأوسط بكامله وما يعني ذلك من مكاسب للولايات المتحدة وإسرائيل. أما حلفاؤها الباقون في المنطقة مثل تركيا والسعودية فكما يبدو أنهما وصلتا إلى حالة قوة تجاوزت الحدود المسموح بها  مما يستدعي تغييرهما من الداخل وبث الفوضى فيهما وتشجيعهما على الإجراءات التي تسبب انهيارهما. ولعل عقيدة أوباما حول هاتين الدولتين مؤشر على ما نقوله.  

دعونا نعود إلى الوضع السوري ومعركة حلب المقبلة، نحن نلاحظ صراعا دبلوماسيا واضحا بين وزيري الخارجية في كل من الولايات المتحدة وروسيا، كيري ولافروف، كيري يهدد ويقول أن صبر الولايات المتحدة يكاد ينفذ ولافروف يرد بشكل قاس على كيري ويتهمه بأنه يتحدث على غير عادته ويتهم الولايات المتحدة بأنها تريد أن تحافظ على ورقة الإرهاب في سوريا من خلال منع ضرب جبهة النصرة، المصنفة إرهابا حسب قرارات الشرعية الدولية. روسيا قبلت بهدنة جديدة في حلب لمدة يومين وربما تمددها لأسبوعين وربما تماطل بها حتى آب حيث تدخل الولايات المتحدة بشكل جدي في لعبة الانتخابات الأمريكية ويتعطل القرار الأمريكي. قلنا في مقال سابق أن سياسة روسيا تعتمد تحقيق المكاسب خطوة خطوة، ولو كان هذا يسبب توترا لدى البعض من الذين يريدون الانتهاء بسرعة من الإرهاب وآلامه، ولكنها الحرب التي تفرض الصبر والحنكة واختيار الأوقات المناسبة للمعارك وإنهاك الخصم من خلال تصويره بأنه يقف إلى جانب الإرهاب، لعلي أتفهم آلام أولئك الذين يصرخون من شدة الألم وأنا أتألم كما يتألمون، ولكني متفهم أيضا أن المحور الذي يعتمد القيم والمصالح هو محور يستطيع إدارة المعركة من خلال فن الممكن في السياسة، حيث تتم إدارة الخلافات التكتيكية مع الحلفاء لصالح الأهداف الإستراتيجية أو إدارة التفاهمات التكتيكية مع الأعداء لصالح الأهداف الاستراتيجية أيضا.

الاشتباك الأمريكي الروسي ليس مناورة دبلوماسية ولا هو توزيع أدوار بين القوتين الأكبر في العالم، إنه فهم روسي  لطبيعة الصراع الحالي الذي تديره الولايات المتحدة بأدواتها المختلفة للسيطرة على العالم، والقبول الروسي بهدنة جديدة هدفه إقناع العالم بعدم جدية الولايات المتحدة بمحاربة الإرهاب. والهدنة ليست شرا مطلقا للجيش السوري وحلفائه بل لها إيجابياتها وسلبياتها، ولا ننسى الإنجازات التي حققها الجيش السوري  أثناء الهدنة في تدمر ومن جديد في الرقة وفي مناطق شمال اللاذقية، ولعل معارك الدفاع عن حلب اليوم التي يقوم بها الجيش السوري وحلفاؤه هي معارك كبيرة ستكون مقدمة للتحول نحو الهجوم وتحرير حلب. 
مستقبل ونتائج الحرب في سوريا هي قضية حياة أو موت بالنسبة لقوى الليبرالية الجديدة التي تريد انهيار روسيا وتربط  مستقبل بقائها بهذا الانهيار ، فهي تحشد القوات في البلطيق وعلى حدود روسيا، وهي تثير المشاكل في أوكرانيا ومقدونيا وغيرهما وتنشر الدرع الصاروخي في دول أوروبا الشرقية وتتمدد في الدول الاسكندينافية من أجل إكمال الطوق حول روسيا، إنه مشروع سياسي عسكري لمنع نشوء التعددية القطبية واستمرار سيطرة القطب الواحد على العالم، إنه مشروع بدأ عسكريا في سوريا لمنع صعود روسيا والصين كقوى متعددة القطبية. لذلك يمكننا القول أن معركة حلب هي معركة مفصلية حاسمة لإعادة هيكلة الإقليم على قواعد جديدة، إن حلب تشكل اليوم خط التماس الدولي بين قوى القطب الواحد وقوى التعددية القطبية في العالم. ولعل اللقاء الثلاثي بين وزراء دفاع روسيا وإيران وسوريا جاء لإظهار أن التحالف قوي ومستمر في نضاله ضد قوى الهيمنة والإرهاب التي تقودها الولايات المتحدة.

معركة حلب القادمة بشكل مؤكد سيكون النصر فيها مؤكدا أيضا لصالح حلف القيم والمصالح الذي يدفع الدماء إيمانا بقيمه ودفاعا عن مصالحه. كل أطراف الحلف الذي تنتمي إليه سوريا تحمل قيما تتطابق مع قيم السماء وتدافع عن مصالحها الوطنية التي حفظتها لها كل الشرائع السماوية والأرضية، بينما يدعي الحلف الآخر بأنه يحمل قيم الحرية والديمقراطية وقيم حقوق الإنسان في الوقت الذي يعمل على تدمير العالم من خلال الجشع والتوسع وخلق الفوضى ونشر الإرهاب في جميع أرجاء العالم.
دعوني أخبركم بنتيجتين حتميتين بعد الانتصار العالمي في معركة حلب وهما انهيار نظامين إقليميين في المنطقة نظام أردوغان ونظام بتي سعود. وسأكتفي بوضع هاتين النتيجتين بدون سرد الأسباب المنطقية الكثيرة لهذا التوقع خوفا من الإطالة.
إن عذابات السوريين واليمنيين والعراقيين واللبنانيين والمصريين والليبيين والتونسيين بل عذابات كل الذين طالهم الإرهاب في العالم هي نتائج لما قام به بنو سعود وأردوغان لتحقيق أطماع أسيادهم في الولايات المتحدة وإسرائيل. لكن الفشل الذي حصدوه سيجعل العقوبة مؤكدة عليهم من سيدهم الأمريكي لأنه يحملهم وحدهم نتائج الفشل في هذا المخطط الجهنمي الذي أريد منه حرق المنطقة بأسرها لصالح إسرائيل وأمريكا.

أما العقوبة الأكبر التي يعمل الملايين من المعذبين والمظلومين على تحقيقها فهي سوف تنتج من خلال ملايين الرسائل التي يرسلونها بوعي أو بلا وعي من خلال أفكارهم وعواطفهم ومشاعرهم إلى الكون كموجات كهرومغناطيسية (تحمل الطاقة والمعلومات) إلى الكون ، والذي يستلمها جميعها ويعالجها ويرد عليها، وفي هذا الكون لا تضيع الطاقة أبدا وهو يحفظ كل صغيرة وكبيرة بل يخزن كل هذه الرسائل في بحر الإمكانيات اللامتناهية لديه، ومن هذه الإمكانيات اللامتناهية سيكون الرد الذي لن يطال فقط بني سعود وأردوغان بل ربما سيطال الجميع في هاتين الدولتين وربما خارجهما أيضا، وهذا ما لا نريده لأننا لا نتمنى الأذى لأحد،  لكن الطاقة لا تضيع وهي محفوظة داخل النظام الكوني على شكل طاقة ومعلومات، وسيختار النظام الكوني ساعة الرد وطريقته.