"المحررون" من أهالي الموصل ليسوا في أمان من العنف والإصابات تتزايد
يرقد أنس ابن السبعة أعوام في سريره بأحد المستشفيات في مدينة اربيل بشمال العراق وقد غطت الضمادات جسده في أعقاب أربع عمليات جراحية لاستخراج شظايا مزقت أمعاءه.
ويعتبر أنس محظوظا لبقائه على قيد الحياة. ولم ينج شقيقاه من هجوم بقذائف المورتر شنه تنظيم الدولة الإسلامية قبل ثلاثة أسابيع على بيت الأسرة في الموصل. وقتل أحد الصبيين على الفور ولفظ الآخر أنفاسه الأخيرة بعد وصوله إلى غرفة العمليات في المستشفى.
همس أنس بصوت مشحون بالألم "شفتهم ووقعت على الأرض وأغمي علي."
وعندما وقع الهجوم ربما كان أنس وأفراد أسرته يعتقدون أنهم وصلوا أخيرا إلى بر الأمان بعد فترة من الحرمان امتدت إلى عامين ونصف العام والقسوة التي عايشوها في ظل حكم الإسلاميين المتشددين.
كان بيت الأسرة في حي شرقي أعلنت الحكومة العراقية أن قواتها "حررته" في معركتها لاستعادة مدينة الموصل آخر المعاقل الكبرى لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق.
غير أن تقدم الجيش العراقي تباطأ إذ أن الجيش لم يسترد بعد تسعة أسابيع من بدء الهجوم سوى ربع المدينة.
وعندما وصلت القوات الخاصة بالجيش العراقي إلى أحيائهم وفر الجهاديون هرب كثير من السكان صوب الأمان النسبي في المخيمات المقامة خارج المدينة.
لكن العنف عاد يلاحق عددا متزايدا من المدنيين مثل أنس وشقيقيه في اللحظة التي كان من المفترض أن تكون لحظة النجاة بالنسبة لهم.
ولا تنشر السلطات العراقية إحصاءات عن القتلى والجرحى في حملة تحرير الموصل وذلك في محاولة للحفاظ على الروح المعنوية فيما يبدو. غير أن الأمم المتحدة حذرت قبل شهر من أن الخسائر البشرية في صفوف المدنيين تفوق قدرات الحكومة وجماعات الإغاثة الدولية التي تعمل في المنطقة.
ومنذ ذلك الحين تدهور الوضع فيما يبدو.
ويقول مسؤولون أمنيون عراقيون في المستشفى الذي يعالج فيه أنس إن عشرات الجرحى من الموصل يصلون كل يوم وإن غالبيتهم من المدنيين.
وقال مسؤول طبي كردي إن الأفراد العسكريين يمثلون النسبة الأكبر.
ولم يتسن لرويترز التحقق من صحة أي من الروايتين غير أن المرضى في مستشفى المركز الطبي للطواريء هم من المدنيين وأفراد القوات المسلحة على السواء.
وتقع أربيل التي يسودها هدوء نسبي في إقليم كردستان شبه المستقل على مسافة ساعة بالسيارة من خط الجبهة الأمامي. وقد دفعت قوات البشمركة الكردية تنظيم الدولة الإسلامية للتراجع في شمال العراق ليوسع الإقليم مساحة أراضيه ويصبح ملاذا لمن يتم إجلاؤهم.
* البقاء على المسكنات
تجلس نور الطفلة الشقراء على مقعد متحرك في أقصى الجناح المخصص للأطفال والنساء بالمستشفى. لقد استخدم الأطباء مسامير طبية لتثبيت ساقها اليسرى التي وضعتها تحت غطاء.
قالت عمتها إن ابنة أخيها أصيبت في غارة جوية قبل شهرين على قريتها في جنوب الموصل. ويقصف الجيش العراقي والتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الدولة الإسلامية في المنطقة.
وأقر التحالف الدولي الذي يقصف مواقع في سوريا أيضا بمقتل 173 مدنيا منذ بدء الضربات في عام 2014 وهو عدد أقل بكثير من تقديرات جهات أخرى.
ويقول الأطباء إن نور تحتاج إلى جراحة في الخارج لكن تكلفتها كبيرة لذلك فهي تعتمد على المسكنات في الوقت الراهن.
وسمحت السلطات لعمتها بالبقاء معها في المستشفى لكن منع والداها وأشقائها من زيارتها بسبب القيود المفروضة على دخول العرب المنطقة الكردية التي استقبلت حتى الآن أكثر من مليون نازح منذ سيطر التنظيم على مساحات من شمال وغرب العراق في عام 2014.
وبمجرد تحسن حالة نور ستضطر على الأرجح إلى الانتقال للعيش في مخيم تديره الحكومة في المنطقة الكردية أو العودة إلى بلدتها رغم الوجود المستمر لفلول تنظيم الدولة الإسلامية.
وبينما كانت نور وعمتها تتحدث إلى رويترز أجهشت امرأة ممدة على سرير مجاور بالبكاء. أصيبت المرأة في انفجار الشهر الماضي أودى بحياة زوجها وتسبب في بتر ساقي ابنها الأكبر.
وقالت بصوت منخفض وهي تغالب دموعها "أمرنا الجيش بالخروج إلى مكان آمن. لم نتحرك أكثر من مئة متر وفي المنزل الثالث زرعت داعش لغما بجوار الباب."
ويخضع أفراد الأمن العراقيون الذين يصابون في الموصل للعلاج في مستشفيات أربيل قبل نقلهم بالطائرات إلى بغداد لمزيد من العلاج. وأغلب الإصابات جراء نيران القناصة أو تفجيرات بسيارات ملغومة.
وأصيب أحد الجنود من جهاز مكافحة الإرهاب بالرصاص في ساقيه الأسبوع الماضي. وأصيب آخر عندما فاجأته قنبلة ألقتها طائرة بدون طيار تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية في تطور جديد نسبيا في ترسانة التنظيم من الأسلحة بدائية الصنع.
ويتذكر الجندي الحادث قائلا في دهشة "من أين جاءت.. من السماء؟."
ستيفن كالين رويترز