ماذا يريد الحوثيون من الاعتراف الدولي؟!

06.08.2019

تقف "الشرعية" على خط التماس بينها وبين "المتمردين" الحوثيين، محتمية بالاعتراف الدولي، كمجرد واجهة مزيفة للسعودية التي ترفض الحوار المباشر مع الحوثيين، وهو امر لم يعد استبعاده منطقياً.

تقف الشرعية حيث فقدت سلطتها ونفوذها وأرضها، ولم يعد معها من معادلة النفوذ والحكم إلا المال أو الدعم المالي الخارجي.

بينما الحوثيون يفرضون "شرعية الأمر الواقع" ويملكون كل ما ينقص "الحكومة الشرعية" من سلطة، ونفوذ وأدوات حكم. انهم ببساطة على الأرض وفي الداخل، ولكن بدون مال وفير.

لقد فقدت حكومة هادي شرعيتها مع الوقت، وليس فقط سلطتها، ولم تعد تملك إلا " الاعتراف الدولي" وهناك فرق بين الاعتراف الدولي.. والشرعية.

وحتى في هذه المساحة الضيقة المتبقية لها ينافسها المتمردون الحوثيون على حصتها من "الاعتراف الدولي" ، و بطريقتهم كجماعة مسلحة تسيطر على الأرض، وتذاكيهم السياسي أيضاً في أحيان كثيرة، يفرضون اعترافاً دولياً غير رسمياً بهم .

لقد أصبح المتمردون في اليمن سلطة موازية، ذات نفوذ على الأرض يمكنها من فرض الشروط، بينما تعمل السعودية على تعطيل تابعها المحلي، وتحويله إلى متفرج، لتصبح اللعبة الثنائية بين السعودية والحوثيين، بل إن السعودية أصبحت تستثمر "الشرعية" بإبقاء الاعتراف الدولي لعقد صفقة مربحة مع الجماعة المتمردة.

فالاعتراف الدولي هو كل ما ينقص سلطة الأمر الواقع، التي تطمح للوصول ليوم تحاور فيه السعودية وجهاً لوجه، وهو مالم تسمح به السعودية التي تستخدم الشرعية لهذا الغرض "التفاوض غير المباشر "إذا ما ينتظر الجميع في المستقبل؟!

بقاء الشرعية كجزء من اللعبة السياسية، ولكن بتغير كل الطاقم، فالشرعية الموالية للسعودية فكرة.. والفكرة لا تموت.

أما الحوثيون فقد فرضوا حضورهم السياسي بالقوة كشريك حكم قوي سيكون صاحب القرار الأكثر تأثيراً، وسيحكمون مناطقهم، ويبقون على نفوذهم.
لكنهم سيضطرون للتعامل في خانة المستقبل مع كل خصوم اليوم، ممن يعتبرونهم مرتزقة للخارج، وسيكون اقتسام الحكم بين الحوثيين وخصومهم ببقاء "ارتزاق" الطرف الأخر للخارج، لان هذا جزء من شروط قبول دخول الحوثي في الحكم، وهو أن يتقاسمه مع مجموعة السعودية.

هذا مع المدى الطويل وبعد مراحل من جسور بناء الثقة، سوف يقيم علاقة تحالف جزئي مع السعودية، التي لن تأمن ظهرها من الحوثيين، بعد أن كسروا الحاجز العسكري معها.
لذلك فان احتمال اشتعال حرب يمنية - سعودية أخرى في المستقبل البعيد قائم وبقوة، حيث ستكون حرب يمنية سعودية خالصة.. دون مغالطات داخلية.. كما هو الأن.
إن الاعتراف الدولي بالحوثيين كسلطة وشرعية حكم تمثل اليمن، يمكنهم من خوض حربهم الحقيقية في المنطقة تحت غطاء دولي، كدولة وليس كجماعة.
لا تطمح الجماعة بالاعتراف الدولي، لتعيين السفراء، وفرض ديكور الدولة، انه ليس طمعاً بالوجاهة السياسية، بقدر ما هو طمع بالظهور كدولة حقيقة وممثل وحيد لليمن، بحيث يمكنها مواجهة دول كبرى في المنطقة، دون أن يفرض عليها قانون الجماعة التي تواجه دولة.

هذه النقطة التي تعيها السعودية، وتخافها، وبذات الوقت لا تستطيع منع حدوثها، بل أنها أصبحت تقترب وتتحقق، في كل يوم تعلن فيه الجماعة المتمردة عن ضربات أو أسلحة جديدة.
وهذا لا يعني أنها اقوى من السعودية بقدر ما يعني أنها لم تعد تخاف قوة السعودية
حين تصبح الجماعة المتمردة دولة، لا يمكنها فقط عقد الاتفاقيات بل أيضا إلغاءها، كاتفاقية الحدود مثلا، الموقعة بين اليمن والسعودية منذ عقد ونيف. وطلب عقد اتفاق جديد.
هذا الأمر سيكون منظماً أكثر أن أصبحت الجماعة دولة تمنع التدخل السعودي في اليمن، أي تقليص حجم نفوذ السعودية اليمني، بمعنى أدق... أضعاف خاصرة السعودية.
الأحاديث التي تشاع عن أطماع جماعة الحوثي بمكة، ورغبتهم بإسقاط نظام ال سعود، هي ما تدفع السعودية الحذر من تحولها لدولة.

 

الجماعة يمكن حصرها، وفرض عقوبات عليها لأنها متمردة، وليس لها حق تقرير مصير اليمن أو إعادة رسم الحدود، أو طرد النفوذ والوجود السعودي.
هل تتوقع أن ترى حكومة يمنية توجه إنذارا لسفير سعودي لأنه تدخل بالشأن الداخلي أو طرده مثلا، هذا لا يخطر على بال أحد إلا في حالة واحدة، حين تكون هذه الحكومة. هي من نعرفهم جيداً..
إذن.. وماذا عن إيران.... هنا يمكننا أن نبتسم بحذر، ونقول إننا لا نثق بأي جماعة سياسية مهما ادعت حب الوطن، فنحن وان كنا نصدق عدائها للتدخل السعودي، فإن قطع يد إيران سيحتاج بعدها إلى إثبات أكثر من مجرد الكلام الرنان.
لكن إيران عادة أذكى في تعاملها مع حلفائها، كما أن العلاقة معها لن تكون متوترة حدوديا بسبب الاستحواذ على أجزاء من اليمن، المستقبل يخبرنا أن إيران ستكون الصديق الأقرب لحكومة يمنية توجه توبيخاً لسفير سعودي وهو مستقبل ليس رماديا... لكنه ليس ورديا.