أزمة النظام العالمي لا يمكن الخروج منها إلا بإدارة ناجحة لملف صراع الموارد
مدخل أول
إنّ الخروج «الكريم» للرئيس الأميركي باراك أوباما في نظر أنصار الحقيقة والسلام، أمر ضروري وعادل، طالما أنهم يدركون جيداً طبيعة المؤسسات التي تدير تلك الإمبراطورية المترنّحة، على ضوء ما سيكون بعد مغادرة أوباما، وقد غيّر النظرة التقليدية العمياء التي كان يتصوّر بها الأميركيون العالم، خصوصاً الساسة منهم. لقد تمثل أكبر إنجازات هذا الرجل الذي خاض صراعاً مريراً مع ما خلفته تجربة المحافظين الجُدد من كوارث على القيم السياسية والإنسانية، في إجباره «إسرائيل» على التعامل مع وجوده في البيت الأبيض ولم يكن ذلك اختياراً لها، وقد اضطرت إلى استبدال الدور الأميركي في كثير من اللحظات الحاسمة بالدور الفرنسي والعربي الخليجي في محاولة لجعل المؤسسات الأخرى تتجاوزه للحاق بقطار الأحداث السريع الماضي في طريقه إلى تحقيق الحلم "الإسرائيلي"
إذاً، وبالإضافة إلى أحداث عديدة وقعت في الولايات المتحدة إذا قرئت في سياق صراع الرئيس مع مجموعات الضغط مثل الأحداث العنصرية التي ضربت مدناً أميركية عدة، مؤكد أنها آلمت أوباما جداً، كما شاهدنا ستكون عندها قراءتنا لتلك الأحداث أكثر دقة وما تلاها من تحدّي نتنياهو لأوباما في الكونغرس قبيل توقيع الاتفاق النووي الإيراني، وخلال كلّ ذلك بمقاييس أنصار الحقيقة يعدّ الرقم صفر الذي تمثله شعبية أوباما في «إسرائيل»، ومن خلال اعتماده سياسة أنّ أميركا هي التي تحدّد الطريقة التي تخدم بها الكيان العبري العنصري، تعد هذه النقطة تحوّلاً هاماً يجب ملاحظته لما له من أهمية في المستقبل القريب على واقع الصراع بين «إسرائيل» ودول المنطقة. ويُمكن إضافة أنّ هذا التحوّل أكثر وضوحاً وجلاء في علاقة أميركا و«إسرائيل» بحلفائهما العرب وما يمكن أن يترتب على ذلك من نتائج يسفر عنها تبادل المواقع، باعتبار أنّ الفراغ لا يظلّ كذلك في عالم متحرك مليء بالصراعات كالتي نعايشها في عالمنا المعاصر .
مدخل ثان:
لا شك أنها حرب شاملة تلك التي جسدها الصراع بين روسيا الاتحادية وأميركا، فهي حرب معطيات متباينة تُدار بوساطة وسائل متعدّدة وتوظف فيها تجربة متراكمة في علاقات القطبين الدولية. وعلى هذا الأساس، يمكن لعوامل بسيطة في هذه العلاقات أن تشكل انعطافاً حاسماً في مسار نظامنا العالمي سياسياً واقتصادياً… إلخ.
أسباب تاريخية وعوامل حاسمة:
إنّ ارتباط النظام العالمي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية وثيقاً بالحركة الصهيونية العالمية والذي بدأ التأسيس الفعلي له باحتواء المنتوج الثقافي والقيمي الإنساني مع نهاية عصر الظلام في أوروبا ومن خلال حركة الترجمة الواسعة للتراث الشرقي، وقد تحكم اليهود بها وبنوا عليها الإنجازات العلمية والفلسفية التي أشرقت مع عصر الأنوار عالماً جديداً أدّى إلى عصر الصناعة ثم تمّ توجيهه إلى مرحلة الاستعمار والاستئثار الهائل بالموارد مادياً وبشرياً. ولا شك أنّ عالم اليوم تشكل بعد عدة عمليات هدم وبناء شكلت إطاراً للعقل البشري من خلال جسور عملت بدقة على تزييف حقائق جوهرية وصياغة ملامح العالم المعاصر لذا نجده يعاني من تعقيدات هائلة وأغلب شعوبه تواجه تحديات وجودية جسّدتها الحروب العرقية والصدامات المذهبية، وهي في الأساس تستند على دراسات موجهة في التراث الديني والطبيعي للإنسان لتحقيق هذا الهدف البشع مثلما رأينا في مأساة رواندا وبورندي، وما حدث في يوغوسلافيا كاستغلال للجانب الإثني، وما حدث في الصومال والعراق وسورية كاستغلال للجانب الديني، والهدف كما ظهر دائماً ولكن لا يجد حظه من الطرح الإعلامي هو صناعة النظام الاقتصادي العالمي ومحاولة الهيمنة عليه وتوجيهه وهو ما يفسّر خروج سورية من جامعة الدول العربية بعد رفضها خط الغاز الشهير الذي يمرّ عبرها إلى تركيا وأوروبا من قطر لإخراج روسيا عن معادلة الطاقة العالمية.
مؤكد أنّ هذا المسار الطويل وتراكم تجربة إنسانية وصلت هذا المدى من التشوّه الذي نراه في صناعة وإدارة الأزمات في الشرق الأوسط مثلاً كان عنوان مرحلته الحاسمة العولمة أو القرن الأميركي الجديد وما وراءه رغم ما يعكس من مزايا حضارية جاذبة في غلافها الخارجي فهي عملياً كانت تفجيراً ذاتياً وداخلياً للعديد من المجتمعات وفق تعميق الشروخ بين المعطيات التي ذكرناها سابقا .ً
العوامل التي ساهمت في أن يحيا العالم هذه التجربة القاسية عديدة لا يمكن حصرها في مقال لكنّ للتصدّي لها والنجاح في تخطي هذه الأزمات والتشوّهات، والولوج إلى عصر أكثر عدالة وحرية يجب أن تُعاد صياغة معادلة الموارد وفك احتكارها وهذا لن يحدث حتى الآن لأنّ روسيا ما زالت تتعامل بمثالية لم تمكنها من فكّ طلاسم هذه الأحجية أو أنها لا تستطيع أن تمارس بعض أساليب السياسة، وهي لم تدخل ضمن اللاعبين في ملف الموارد البشرية، خصوصاً قضايا اللاجئين، فبعد ميركل يدخل كاميرون بعد أن وصلته المعلومات بأنّ 3000 طفل سوري موزعين في عدة معسكرات للاجئين ويقول إنّ بريطانيا ستحصل عليهم لأنهم فقدوا ذويهم. ورغم كلّ ذلك، فإنّ وجود روسيا كقطب آخر يحافظ على بنية العالم المتحضّر الذي يقوم على التنوّع، وأنه يجب تعزيز هذا الدور في الآتي من الأيام لتحظى دولنا ببعض الفرص الاقتصادية والإنسانية التي يصعب الحصول عليها في ظلّ قطب واحد يحكم عالمنا ويتحكّم به .
البناء