عواقب ضم الجبل الأسود إلى حلف الناتو.. رد روسي مؤكد

24.05.2016

بغض النظر عن طبيعة البيئة الأمنية في أوروبا، فإن انضمام الجبل الأسود لحلف شمال الأطلسي سيزيد مخاوف روسيا من التوسع غير المقيد لحلف الناتو شرقا.
في 19 مايو/أيار، اجتمع وزراء خارجية حلف شمال الأطلسي في بروكسل للتوقيع على الوثيقة التي طال انتظارها لانضمام الجبل الأسود إلى منظمة حلف شمال الأطلسي. وهي تسمح لممثلي الجبل الأسود بالمشاركة في جميع اجتماعات الحلف بصفة مراقب، بحين التصديق على الاتفاق من قبل الدول الـ28 الأعضاء حاليا في المنظمة.
للوهلة الأولى هذا الحدث لا يكاد يحمل أية أهمية خاصة في تاريخ توسع حلف الناتو، ولا يسبب تغييرا كبيرا في البيئة الأمنية في أوروبا. إذ لن تكون الجبل الأسود، بجيشها النظامي الذي لا يزيد تعداده عن 2000 جندي وبميزانيته المتواضعة، قادرة على أن تسهم إسهاما كبيرا في القدرات العسكرية للحلف. يقول النقاد أن قبول العضو الجديد سيزيد عمق مستنقع البيروقراطية  التي يمكن ملاحظتها بالفعل في مؤسسات الحكم  في حلف الناتو.
ومع ذلك، وعلى الرغم من كل هذه المحاذير، فإن عضوية الجبل الأسود يمكن أن تكون حدا فاصلا في التاريخ المعاصر لكل من الناتو ودول البلقان وذلك لسببين:
الأول، هو الدليل قاطع على النجاح النهائي للجهود المبذولة منذ عقود طويلة من قبل العواصم الغربية للسيطرة على منطقة البلقان، وضمها إلى التوجه الأطلسي.
والثاني يعبر عن حالة اختبار للوحدة بين أعضاء حلف شمال الأطلسي الحالي والتزامهم بوعودهم بالحفاظ على ما يسمى بسياسة "الباب المفتوح" في أوروبا الشرقية رغم استياء روسيا. استطرادا، بعد أن تم اتخاذ القرار الإيجابي من قبل وزراء خارجية حلف شمال الأطلسي، الذي يحتفل بانضمام الجبل الأسود لأنه يزعم أن هذا الانضمام سيجلب الاستقرار السياسي والديمقراطية والأمن إلى أوروبا الشرقية.
في الواقع لن نختلف أن التوسيع الأخير للناتو يمثل نقطة تحول. ولكن خلافنا هو مع تلك الادعاءات المتكررة في الاحتفالية في خطاب مسؤولي حلف شمال الأطلسي. إن قبول الجبل الأسود، على العكس من ذلك، من المرجح أن يخلق عقبات، تجري المحاولة للتغلب عليها.
في السياق السياسي القائم، انضمام الجبل الأسود إلى الحلف هو دليل على السياسة الواقعية الجديدة لحلف الناتو، وبالتالي يؤدي إلى تفاقم المشاكل القائمة مع الديمقراطية والأمن في المنطقة، بدلا من حلها.
ما هي الآثار الناتجة عن توسع الناتو وضم الجبل الأسود؟
العملية الديمقراطية في الجبل الأسود تظهر بوضوح أنه لا يوجد توافق في الآراء بشأن عضوية حلف شمال الأطلسي. أحزاب المعارضة الرئيسية والجبهة الديمقراطية وحزب الشعب الاشتراكي، الذي يشكل أكثر من 40 في المائة من المقاعد البرلمانية في البلاد، تحتج بشدة على قرار الحكومة بالانضمام إلى حلف شمال الأطلسي.
هذه المسألة قد تسببت بالفعل بأزمة سياسية داخلية، في أعقاب تشكيل الحزب الديمقراطي الاشتراكي الحاكم المؤيد لحلف شمال الأطلسي حكومة أقلية. وقد أظهرت استطلاعات الرأي المختلفة نسبة لا تقل عن 40 في المائة من السكان يعارضون انضمام الجبل الأسود إلى حلف الناتو.
مع التجاهل الصارخ لهذه الانقسامات العميقة في المشهد السياسي للرأي العام في الجبل الأسود، اتخذت قيادة حلف شمال الأطلسي قرار ضم البلاد وليس انضمامها، على حد تعبير الأمين العام لحلف الناتو ينس شتولتنبرج "قرار سيادي لدولة ذات سيادة".
مخاطر مثل هذه الخطوة تتمثل في تخريب العملية الديمقراطية في الجبل الأسود وتعيق الاستقرار السياسي  وتقوي موقف رئيس الحزب الحاكم ورئيس الوزراء الحالي ميلو ديوكانوفيتش، الذي يمسك بزمام السلطة منذ عام 1991، والمتهم  بالفساد والانتهاكات المتكررة.
وبالإضافة إلى ذلك، وفي طريقة  مشابهة لطرق القرن التاسع عشر بشكل واضح، فإن قرار وزراء خارجية دول الناتو يساعد على ترسيخ رؤية المعارضة المعادية للصرب في بناء الدولة في بلد تتأرجح فيه الهوية الوطنية تاريخيا بين المؤيدة للصرب والمطالبة باستقلال الجبل الأسود.
هل سيزيد توسيع حلف شمال الأطلسي الأمن في أوروبا أم ينقصه؟
إن قبول الجبل الأسود في حلف الناتو يقوض ليس فقط الديمقراطية في البلاد، بل ويسمم البيئة الأمنية في أوروبا الشرقية من خلال زيادة المخاوف الروسية من التوسع غير المقيد لحلف شمال الأطلسي شرقا.
وكما يقول الخبراء، فإن قوة التأثير الروسية تتناقص حاليا من الناحية الإستراتيجية والتاريخية، ولا تزداد. لذلك فالسياسة الخارجية والدفاعية الروسية في العقود الأخيرة تظهر كرد فعل على تحركات حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة والقوى الأوروبية الكبرى.
والحشد العسكري الروسي في أوروبا الشرقية، مع عدد قليل من الاستثناءات، يهدف إلى إعادة تسليح القوات البحرية الروسية ذات الطابع الدفاعي وليس الهجومي. وأخيرا فإن جميع حالات التدخل الروسي المزعوم في الشؤون الداخلية للدول الأوروبية والآسيوية الشرقية جاء بعد، وليس قبل، قرارات حكوماتها بالتحول السياسي تجاه المؤسسات الأوروبية الأطلسية.
وبناء على ذلك، فإن الحكومة الروسية لا تعارض انضمام البلدان التي يكون فيها إجماع في  الرأي العام والرؤية السياسية إلى منظمة حلف شمال الأطلسي مثل ألبانيا وكرواتيا. مع ذلك، فقد حاولت حفظ "منطقة الحياد" للدول المنقسمة داخليا، مثل الجبل الأسود والبوسنة وأوكرانيا، لافتة إلى ضرورة الاعتراف بالعملية الديمقراطية وبالانقسامات السياسية المحلية.
في هذا السياق، فإن احتفالية القبول بالإجماع لانضمام الجبل الأسود إلى منظمة حلف شمال الأطلسي يهدد ليس فقط المصالح التجارية الروسية بل ويهدد أي إمكانية بوصول البحرية الروسية إلى البحر الأدرياتيكي، ويظهر أيضا أن قيادة حلف شمال الأطلسي عازمة على إدامة لعبة السلطة ذات المحصلة صفر مع روسيا في جميع بلدان أوروبا الشرقية، بغض النظر عن مدى الانقسام السياسي في تلك البلدان.
الآن يصبح واضحا أن المسؤولين في بروكسل وواشنطن قد يغيرون بسهولة النهج لانضمام البلدان إلى حلف شمال الأطلسي. على سبيل المثال، إذا قللت روسيا غدا مشاركتها في أوكرانيا فسوف يرحب التحالف بها على الرغم من قوله بالأمس أن أوكرانيا منقسمة بشكل كبير وليست مستعدة بعد لتصبح عضوا في منظمة حلف شمال الأطلسي.
الخطوة الروسية المقبلة
ويبدو أن الإجابة بسيطة بقدر ما هي مثيرة للقلق. يبدو أن قادة الناتو الآن لا يخجلون من لعبة سياسية محصلتها صفر لروسيا في أوروبا الشرقية، ومن المرجح أن ينضم إليها المسؤولون الروس ولكن  مع العديد من الآثار السلبية:
أولا، يمكن أن تبدأ الدبلوماسية الروسية بالتدخل في الشؤون الداخلية لمنظمة حلف شمال الأطلسي من خلال التأثير على أعضائها المترددين، وبالتالي، في محاولة لتأخير التصديق على الاتفاق مع الجبل الأسود.
ثانيا، سوف تقدم موسكو المزيد من الدعم للأطراف الموالية لروسيا في البوسنة وصربيا والجبل الأسود، فضلا عن غيرها من بلدان أوروبا الشرقية، وسوف تفعل ذلك بطريقة أكثر وضوحا، وسوف تتجاهل كل الانتقادات حول "التدخل غير القانوني."
تم  إعلان عقوبات اقتصادية ثالثة ضد الجبل الأسود في البرلمان الروسي، ومن المرجح أن تتبعها عقوبات أخرى.
رابعا، حتى إذا قبل انضمام الجبل الأسود في نهاية المطاف إلى حلف شمال الأطلسي، فإن الحكومة الروسية ستبذل جهودا للتأثير على موقفه داخل المنظمة.
وأخيرا، فإن عملية السلام في أوكرانيا يمكن أن تصبح أكثر صعوبة، لأن التأثير الروسي في منطقة حوض الدون سيكون بمثابة ضمانة وحيدة لعدم انضمام أوكرانيا لحلف الناتو.
باختصار، من خلال انضمام الجبل الأسود لحلف الناتو، فإن قيادة حلف شمال الأطلسي أطلقت بشكل فعال سياسة واقعية جديدة في أوروبا الشرقية. أما بالنسبة للحكومة الروسية، فكما يبدو أنه سيتم أيضا القبول بذلك وتبني هذه الإستراتيجية عن طيب خاطر، لأن ذلك يفتح إمكانية تغيير المواقف نحو أوروبا.