أوكرانيا واستهداف المدنيين الروس.. الأسس الأيديولوجية والرعاية الأميركية
بما أنّ القوات المسلحة الأوكرانية لم تنجح في المواجهة مع القوات المسلحة الروسية في ساحة المعركة، فإنّ أوكرانيا تبذل جهدها لمحاولة تغيير الخلفيّة المعلوماتية غير المواتية لها، وتلجأ إلى الإرهاب الصريح ضدّ المدنيين في الاتحاد الروسي.
وتشنّ كييف، بمساعدة مباشرة من الغرب، هجمات همجية على أراضي الاتحاد الروسي ومناطقه الجديدة. وهكذا، في 23 حزيران/يونيو، هاجم نظام كييف سيفاستوبول باستخدام 5 صواريخ "أتاكمز" الأميركية الصنع المزوّدة برؤوس حربية عنقودية. وقد تمكّنت أنظمة الدفاع الجوي الروسية من اعتراض أربعة منها فيما انفجر الصاروخ الخامس فوق المدينة لتتطاير قنابله العنقودية وتنفجر في أجزاء مختلفة من المدينة، ما أدى إلى سقوط 5 مدنيين بينهم 3 أطفال، فيما جرح أكثر من 150 مدنياً آخرين.
جريمة حرب برعاية غربية
لا شكّ أن كييف قرّرت ارتكاب هذا الهجوم، الذي يصنّف في القانون الدولي على أنه جريمة حرب وجريمة ضدّ الإنسانية لاستهدافه مدنيّين وأطفالاً، بعد حصولها على الضوء الأخضر من واشنطن، خصوصاً بعد أن منح الرئيس الأميركي جو بايدن الإذن لنظام فلوديمير زيلنسكي بإطلاق الصواريخ والقذائف الغربية المنقولة إليهم على المناطق الروسية.
يذكر أن التورّط الغربي وخصوصاً الأميركي لا يقتصر فقط على تقديم الدعم السياسي واللوجستي بل يتعدّاه إلى المشاركة في العمليات العسكرية، إذ إن القوات الأوكرانية لم تكن لتتمكّن من إطلاق الصواريخ الأميركية المتطوّرة من دون مساعدة خبراء عسكريين أميركيين من الإشراف على التخطيط وإجراء الاستطلاع عبر الأقمار الصناعية ونقل الإحداثيات إلى القوات المسلحة الأوكرانية لقصف أراضي الاتحاد الروسي، إضافة إلى إدارة مهام الطيران والتحليق الجوي.
وما يزيد من فداحة الفعل الأوكراني هو أن الهجوم الصاروخي الإرهابي وقع في يوم الثالوث، وهو أحد الأعياد المسيحية الرئيسية في روسيا. وقد اختارت السلطات الأوكرانية هذا اليوم على وجه التحديد لارتكاب هجومها الذي عدّته السلطات الروسية "جريمة شعائرية"، علماً أن البعد العقائدي لنظام كييف ينطوي على كراهية عميقة لكلّ ما يرتبط بروسيا.
ومن الجلي أن القيادة الأوكرانية قرّرت عدم التخلّي عن أيديولوجية العنف، واستمرّت في رفع الإرهاب إلى مرتبة سياسة الدولة بموافقة صامتة ومشاركة مباشرة من رعاتها الأميركيّين. والدليل على ذلك ما كتبه مستشار زلينسكي تعليقاً على هجوم سيفاستوبول: "في شبه جزيرة القرم لا توجد ولا يمكن أن تكون هناك أي شواطئ ومناطق سياحية وغيرها من المناطق الوهمية أو غيرها من علامات الحياة المدنية السلمية، فشبه جزيرة القرم عبارة عن معسكر ومستودع عسكري كبير، مع المئات من الأهداف العسكرية المباشرة، التي يحاول الروس بسخرية إخفاءها وتغطيتها بمدنيّيهم، الذين بدورهم هم محتلّون مدنيون."
وقد اعترف مستشار زيلينسكي بأنه ليس لدى كييف أيّ فرصة باحتلال شبه جزيرة القرم بما يحمل ضمنياً رسالة مفادها أنّ الهدف من الهجوم هو قتل المدنيين، كلّ المدنيين، بما يرقى إلى أن يعدّ جريمة إبادة جماعية.
أما الدليل على تورّط الغرب في جرائم كييف فهو ما أعلنه المتحدث باسم البنتاغون، باتريك رايدر، الذي قال إنه فيما يتعلّق بقصف سيفاستوبول، فإن البنتاغون "ليست لديه معلومات يمكن من خلالها الحكم على ما إذا كان المدنيون قد قُتلوا أم لا"، في حين أعلن الممثّل الرسمي لخدمة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي بيتر ستانو أنّ مصداقيّة تقارير السلطات الروسية حول تصرّفات أوكرانيا وعواقبها "تقترب بالنسبة لبروكسل من الصفر ولا يمكن أن تكون جديرة بالثقة."
الأسس التاريخية للفاشية الأوكرانية
الجدير ذكره أنّ نظام كييف ينطلق من أيديولوجية فاشية تعيد اعتماد الإرث الأيديولوجي للفاشيّين الأوكرانيّين الذين ازدهروا في ظلّ قيادة ستيبان بانديرا خلال الحرب العالمية الثانية وما بعدها. ومن علامات إعادة الاعتبار لهذا الفكر الفاشي هو إعادة تكريم ستيبان بانديرا من قبل سلطات كييف بصفته "مقاوماً للاحتلال السوفياتي".
وقد تجلّى ذلك في العديد من المنظّمات التي تقاتل إلى جانب الجيش الأوكراني والتي تعتمد الفكر الفاشي البانديري، وعلى رأسها كتيبة "آزوف" التي كان لها الدور الأبرز في القتال في الأشهر الأولى من العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا.
ستيبان اندريوفيتش بانديرا ولد في النمسا عام 1909، وكان والده ينتمي إلى الكنيسة الكاثوليكية اليونانية، وقد انخرط في صفوف المنظّمات الفاشية منذ العام 1924، وكانت هذه المنظّمات مرعية من بعض الدوائر في الكنيسة الكاثوليكية والتي كانت ترى أنّ الفاشية هي الوسيلة الأمثل لمكافحة الشيوعية. وفي ذلك العام انضمّ إلى المنظّمة العسكرية الأوكرانية القومية المتطرّفة ومركزها في هنغاريا ليصبح في العام 1931 رئيساً لجهاز الدعاية فيها.
وفي العام 1934 تورّط بانديرا باغتيال وزير الداخلية البولندي برونيسلاف بييراكي وقبض عليه وحكم عليه بالإعدام. إلا أنّ تدخّل الكنيسة ساهم بتخفيف الحكم عليه إلى المؤبّد.
بعد الغزو الألماني لبولندا في أيلول/سبتمبر 1939 أطلق النازيون سراح بانديرا من السجن ونصّبوه زعيماً للمنظّمة العسكرية الأوكرانية بعد الغزو الألماني للاتحاد السوفياتي في 22 حزيران/يونيو 1941. وبعد أسبوع على الغزو ساهم بانديرا بتأسيس ما يسمّى بدولة أوكرانيا وعاصمتها مدينة لفيف البولندية والواقعة اليوم في أقصى غرب أوكرانيا.
وخلال العام 1944 أدّى بانديرا دوراً رئيسياً في القتال إلى جانب النازيين ضدّ الجيوش السوفياتية التي كانت تحقّق تقدّماً كبيراً باتجاه تحرير الأراضي السوفياتية من الاحتلال النازي. وقد انسحب بانديرا وعائلته برفقة الجيوش الألمانية المندحرة ليستسلم للأميركيّين والبريطانيين الذين لم يعتقلوه أو يحاكموه بل إنهم منحوه حقّ الإقامة في ألمانيا الغربية الواقعة تحت الاحتلالات الأميركية والبريطانية والفرنسية.
واستفادت القوى الغربية من بانديرا ومنظّمته لمواصلة أعمال التخريب في أوكرانيا بعد تحريرها من قبل الجيش الأحمر السوفياتي، في إطار ابتزاز موسكو بعد اندلاع الحرب الباردة مباشرة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. واستمرّ بانديرا في نشاطه حتى تمكّن أحد ضباط جهاز الاستخبارات السوفياتية الـ "ك جي بي" من تسميمه في العام 1959.
ووفقاً للوثائق التاريخية التي تمّ جمعها فلقد تورّط بانديرا ومناصروه بجرائم حرب بحقّ المدنيين البولنديين واليهود والروس خلال الحرب العالمية الثانية. على الرغم من ذلك فإنّ القوى الغربية التي لجأ إليها بانديرا لم تقم بمحاكمته لأنها رأت أنه يشكّل أداة يمكن أن تستعملها ضدّ الاتحاد السوفياتي، أسوة بعدد كبير من النازيين الألمان الذين تمّ تجنيدهم للغرض نفسه.
إعادة الاعتبار لبانديرا
في العام 2004 حصل انقلاب في أوكرانيا أتى بفيكتور يوتشينكو المدعوم من الغرب إلى السلطة في كييف. كان يوتشينكو ذا توجّه معادٍ لروسيا، وفي إطار تسعير المواجهة معها فلقد قام بخطوة مستفزّة لموسكو حين قام في 22 كانون الثاني/يناير 2010 بمنح بانديرا لقب بطل أوكرانيا. إلا أن الرئيس اللاحق لأوكرانيا فيكتور يانكوفيتش المدعوم من موسكو قام بإلغاء هذه الخطوة، ولا سيما أن بانديرا لم يكن أبداً مواطناً أوكرانياً بل كان نمساوياً منتمياً للكنيسة اليونانية الكاثوليكية.
لكن في العام 2022 قام الرئيس الأوكراني زيلنسكي بتبنّي بانديرا كبطل قومي أوكراني في خطوة كانت تعني اعتماد نظام كييف للفكر والنهج الفاشيّين كسياسة رسمية للدولة، وترافق ذلك مع الرعاية الرسمية من قبل كييف لجماعات فاشية مثل كتيبة آزوف آنفة الذكر.
وقد استخدمت الحكومة الأوكرانية هذه الجماعات للقيام باغتيالات ضدّ عدد من السياسيين والقادة العسكريين الأوكرانيين بعد انطلاق العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا في شباط/فبراير 2022 بذريعة أن هؤلاء السياسيين والقادة كانوا من المشكوك بولائهم لزيلنسكي.
كذلك لقيت هذه الجماعات رعاية من الحكومات الغربية تمثّلت بتدريب عناصرها على يد خبراء غربيّين وتسليحهم وتمويلهم مباشرة من قبل الحكومات الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة لأنها وجدت في هذه الجماعات وسيلة ناجعة للقتال ضدّ القوات الروسية، خصوصاً أن هذه الجماعات كانت مندفعة في القتال بنتيجة تعبئتها الأيديولوجية المعادية لكلّ ما هو روسيّ.
لذا فإنه لم يكن من المستغرب أن يتبنّى نظام كييف استراتيجية الجماعات الفاشية باستهداف المدنيين الروس كما تمّ ذكره آنفاً، كما أنه لم يكن من المستغرب دعم الدوائر الرسمية الغربية لهذه الجماعات وللنهج الأوكراني الرسمي باستهداف المدنيين حتى لو كان في ذلك ارتكاب لجرائم حرب.
المصدر: الميادين