ترامب في طهران .. وخامنئي في واشنطن
ثمة عامل فائق الاهمية في النزال الراهن بين إيران وإسرائيل، لا يبدو أننا نوليه الاهمية التي يستحق، وهو رؤية ( ودور ) كلا الطرفين في معركة الرئاسة الأميركية الراهنة.
فتل ابيب تميل بقوة إلى دونالد ترامب، الذي حباها خلال عهده بإلغاء المعاهدة النووية مع ايران، وفرض العقوبات القصوى عليها، واغتال قاسم سليماني، ووضع اسرائيل في قلب شبه الجزيرة العربية عبر اتفاقات ابراهام، و”اهداها ” مرتفعات الجولان ونصف الضفة الغربية.
قي المقابل، وعلى رغم ان طهران تعرف ان لدى هاريس والديمقراطيين “حدودا صهيونية ويهودية عالمية ” لا يستطيعون تخطيها، إلا إنهم على الأقل منفتحون على الحوار والصفقات الجزئية معها.
ولذا، تجد طهران نفسها ضد ترامب ومع هاريس.
صحيح ان إسرائيل تريد بقوة توريط أميركا في حرب ساخنة مع إيران لضرب مشروعها النووي و نفوذها الاقليمي، إلا انها قد تعتبر نفسها منتصرة اذا ما نجحت في اغراق الإدارة الديمقراطية في مستنقع شرق الوسطي تدفع اثمانه عدا ونقدا في الانتخابات الرئاسية.
هل اتضحت الصورة قليلا الان؟
يفترض ذلك، وهي تشير إلى أن حيزاً وازناً من حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية تجري بالفعل على أرض مشرقنا المتوسطي.
فترامب ” حاضر” في طهران، وخامنئي نشط في واشنطن.
ولكي لا يبقى حديثنا نظرياً، فلندقق معا في التطورات الاخيرة في الولايات المتحدة، حيث سيتبين لنا سريعاً ان إيران تضرب بالفعل في الداخل الاميركي.
او هذا على الأقل ما أعلنته شبكة مايكروسوفت، حين اعلنت أن ” مجموعة ايرانية” قرصنت وثائق الحملة الانتخابية لدونالد ترامب. كما أكد ذلك ترامب نفسه الذي توعّد طهران بالرد.
صحيفتا بوليتيكو ونيويورك تايمز قالتا أنهما تلقيتا وثائق من حملة ترامب من جهة مجهولة، تتضمنان ما يعدّه ترامب ضد المرشحة الديمقراطية هاريس.
وهكذا، بات واضحا في القرن الحادي والعشرين ان السياسات المحلية في العالم لم تعد محلية على الإطلاق.
ففي عصر العولمة والثورة التكنولوجية الرابعة، لم يعد هناك ” خارج” في النظام المتعولم الجديد، حيث الكل يستطيع الان ان يتدخل في الكل.
والكل هنا تعني الكل، وليس فقط الدول الكبرى او القوى العظمى، كما كان الأمر في القرن العشرين.
وها هي ايران، القوة الإقليمية المتوسطة، تثبت ذلك، عبر اختراقها السيبراني الناجح للانتخابات ” المحلية” الأميركية. ( في حال صحّت الانباء الأميركية عن القرصنة).
في السابق، كانت روسيا هي التي لعبت هذا الدور( لصالح ترامب في انتخابات ٢٠١٦ و٢٠٢٠)، فيما الصين تستنكف الان عن التدخل لأنها تكره كلا المرشحين الجمهوري والديمقراطي.
وها هي إيران ترد التحية الان لترامب بسبب اعلانه الحرب عليها خلال عهده، ليس بالصواريخ والطائرات المسيرة بل بكبسات زر الكومبيوتر ، لتثبت بذلك ان عهد حروب التكنولوجيا المتطورة في القرن الحادي والعشرين، بات في عهدة عتاة الفقراء كما غلاة الاغنياء.
إنها ستكون حقاً ثلاثة أشهر دقيقة حاسمة، ليس فقط في منطقتنا بل أيضا في تأثيرات ” ألعاب” منطقتنا على اتجاهات الرياح السياسية ( والايديولوجية) في عقر دار امبرطورية العولمة الأميركية.
وهكذا، وفي كل حين نفكّر فيها باحتمالات ومآلات النزال الراهن بين إيران وإسرائيل، يجب أن نتذكر ان ترامب حاضر في طهران وتل ابيب، وخامنئي نشط في واشنطن.
المصدر: https://raiakhar.com/2675