تحرير تدمر والدور الروسي في محاربة الإرهاب

28.03.2016

يعد تحرير مدينة تدمر من قبضة "داعش" نصرا مهما وفق كل المعايير. وتثبت مشاركة القوات الروسية التزام موسكو بمواصلة الحرب على الإرهاب بالتوازي مع التوصل لحل سياسي للأزمة السورية.
الرئيس فلاديمير بوتين أكد في اتصال هاتفي مع نظيره السوري بشار الأسد أن  القوات الروسية سوف تواصل تقديم المساعدة للسلطات السورية في الحرب على الإرهاب، وفي المقابل أشاد الأسد بمشاركة القوات الروسية في معركة تحرير تدمر، مشددا على أن الأامر كان مستحيلا لولا مشاركة القوات الروسية.

وتكمن الأهمية الاستراتيجية لتحرير تدمر تمهد لاجتثاث تنظيم "داعش" الإرهابي خاصة في ظل اطلاق معركة تحرير الموصل في العراق.
الرئيس بوتين أكد في اتصال مع مديرة منظمة "يونسكو" إيرينا بوكوفا أن القوات الروسية سوف تواصل العمل مع الجيش السوري من أجل نزع الألغام والمتفجرات التي زرعها إرهابيو "داعش" في  تحوي  واحدا من أهم المواقع الأثرية في سوريا والعالم التي طالها طوال عام كامل عبث ظلاميي "داعش" الذين نسفو مواقع عدة مدرجة في سجل اليونيسكو للتراث الثقافي العالمي.  ويعد  تحرير تدمر نصرا  كبيرا للجيش السوري وحلفائه. وتتيح السيطرة على المدينة الواقعة في عقدة مواصلات وسط بادية الشام  للجيش السوري التقدم شمالا باتجاه  مدينة الرقة  أهم معاقل "داعش" في سوريا، كما يفتح الطريق أمام التقدم إلى دير الزور، شمالا، وإلى الغوطة الشرقية لريف دمشق، وريفي السويداء ودرعا جنوبا.  ويسهم هذا التطور المهم في عزل التواصل الجغرافي لتنظيم "داعش" مع أرياف حمص وحماة غربا، والحدود العراقية شرقا. ويضيق تحرير تدمر الخناق على التنظيم الإرهابي، ويقلص مساحة سيطرته الجغرافية كثيرا.  ويبعد تهديداته المباشرة لجزء مهم من المطارات والقواعد العسكرية للجيش السوري في ريفي حمص الشرقي والشمالي الشرقي. ويكتسب تحرير المدينة من سيطرة "داعش"  أهمية اقتصادية باستعادة السيطرة على عدد من حقول الغاز المهمة في محيط المدينة،
ويأتي تحرير تدمر بعد نحو شهر من فرض الهدنة بتفاهم روسي أمريكي، ما مكن الجيش السوري وحلفاءه من التركيز على محاربة "داعش". وتؤكد جميع التقارير أن دحر "داعش" في المدينة جاء بدعم روسي جوي كبير، ومشاركة في القصف المدفعي، والتشويش على منظومة اتصالات الإرهابيين، وتحديد احداثيات القصف بعد رصد دقيق لمواقع مقاتلي التنظيم الإرهابي.
وتوضح المشاركة الروسية الفعالة في تحرير المدينة، أن روسيا مازالت ملتزمة بمواصلة محاربة الإرهاب، رغم إعلانه انسحاب جزء كبير من القوات الروسية قبل أسبوعين. كما تؤكد أن الجانب الروسي أوفى بتعهدات أطلقها وزير الخارجية سيرغي لافروف في وقت سابق وأعلن فيها أن موسكو سوف تعمل على طرد "داعش" من تدمر، وأنها ستواصل العمل من أجل محاربة الإرهاب، والبحث عن حل سياسي للأزمة السورية في شكل متواز. ومن المؤكد أن تحرير تدمر بهذه السرعة يضع الولايات المتحدة وحلفاءها في التحالف الدولي في موقف محرج، فمن جهة  يكشف عدم نجاعة غارات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في محاربة "داعش" رغم الإعلان عن ألوف الغارات والطلعات على مواقع التنظيم الإرهابي في سوريا منذ نحو سنة ونصف السنة.  ومن جهة أخرى فإنه يضعها أمام مسؤوليتها في اثبات حقيقة نيتها في محاربة "داعش" بجدية وسرعة. وأخيرا فإن تحقيق نتائج سريعة عبر التنسيق بين القوات السورية والجانب الروسي يوضح أن الغارات الجوية وحدها لن تكون مؤثرة في حال عدم وجود تنسيق مع قوى على الأرض، ما يضع واشنطن أمام خيارات، ربما لم تكن ترغب بها، ومنها زيادة التنسيق مع القوات السورية التي أصبح بمقدورها الآن التقدم نحو مراكز التنظيم في الجزيرة السورية.
وتزداد أهمية تحرير تدمر مع ربطها بإطلاق الجيش العراقي معركة تحرير الموصل العاصمة الثانية لـ "دولة الخلافة" وتضييق الخناق على تنظيم "داعش" على طرفي الحدود في سوريا والعراق.  ولكن البناء على تحرير تدمر لا يكتمل من دون وفاء الجانب الأمريكي بالتزاماته واثبات جديته في محاربة "داعش" عبر زيادة فعالية ضرباته، والتنسيق على الأرض مع القوى الفاعل، والمنظمة على الأرض في كل من سوريا والعراق.
ولا تكتمل أهمية تحرير المدينة الاستراتيجية إلا بعدد من النقاط الأساسية، الأولى البناء على التوافقات الروسية الأمريكية ومواصلة المعركة لكنس التنظيم من مواقعه في سوريا والعراق. والثانية بعث تطمينات للسكان المدنيين الذين اضطروا للبقاء في مناطق سيطرة "داعش" بأن المعركة هي لتحريرهم من ظلم التنظيم، وأنهم لن يخضعوا لأي شكل من أشكال الانتقام أو الاقصاء لأنهم لم يغادروا بيوتهم وأراضيهم. وهنا لا بد من تشكيل قوى محلية تساهم في ترسيخ السلم الأهلي ومنع بروز صراعات ذات ألوان طائفية أو إثنية بعد دحر التنظيم الإرهابي يمكن أن تكون بذرة لبروز تنظيمات إرهابية بتسميات مختلفة . وأخيرا فإن تقدم هذه القوة أو غيرها على الأرض يجب ألا يغير القواعد الأساسية للانتقال السياسي في سوريا، والتي تم التوصل إليها عبر التفاهمات الروسية الأمريكية من "جنيف 1" إلى قرار مجلس الأمن الدولي 2254 مرورا بتفاهمات فيينا وميونخ. إضافة إلى فصل واضح بين مسار ونتائج التسوية السياسية التي يحددها الفرقاء السوريون عبر المفاوضات، وجهود محاربة الإرهاب التي يجب أن تنخرط فيها جميع القوى الداخلية والاقليمية بإشراف وإدارة الجانبين الروسي والأمريكي.