ثلاث وجهات نظر.. هل القطيعة بين الكرملين والغرب دائمة

19.11.2016

مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة في الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني، طلب مركز "كارنيغي" من ثلاثة خبراء، للتعليق على السؤال اللاحق، أحدهم من الولايات المتحدة والثاني من روسيا والثالث من أوروبا: "هل القطيعة بين إدارة بوتين والغرب أمر دائم؟".

كتب فيودور لوكيانوف، رئيس تحرير مجلة "روسيا في الشؤون العالمية":

الأمر يعتمد على النظام العالمي الجديد الناشئ

ثمة مفارقة أساسية في العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة. فمن جهة، تمت شخصنتتها بشكل كبير. ومن جهة أخرى، يعتمد مسارها بدرجة أقل على سمات شخصية بدلا من تكرار أنماط دورية.

إن النزاع الحالي بين روسيا والغرب هو نتيجة منطقية للجهود التي تمت بعد انتهاء الحرب الباردة ،لصياغة تقارب عميق غير مسبوق تاريخيا. وبسبب أن هذه الجهود لم تنجح في رأب هذا الصدع، فقد تأرجح المؤشر ليعود إلى سابق عهده في الجانب الآخر المتشدد.

يمكننا الآن أن نتوقع أن الأمور ستتأرجح نحو الوسط، وإن كان من المحتمل أن تتم بقوة أضعف. ولكن هناك فرق في هذه المرحلة، ففي المرحلة السابقة من التقارب، كان من المفترض على روسيا أن تتكيف مع النظام العالمي أحادي القطب. والآن، تعتمد العلاقة المستقبلية على مقدار قوة نفوذ وقدرات كل جانب.

بعبارة أخرى، مستقبل العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة سيتم تحديده بشكل أقل في القضايا الثنائية، مقارنة بديناميكية النظام العالمي الكامل. فدور الصين، وما يحدث في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، والأحداث في الاتحاد الأوروبي، والوضع في الشرق الأوسط، هذه الأمور مجتمعة ليست المقياس الرئيسي للعلاقات القادمة، ولكنها قد تكون المحددات الرئيسية للعلاقة بين روسيا والولايات المتحدة.

قد تنتهي الكراهية المتبادلة بين موسكو وواشنطن بإعادة تشكيل نوع جديد من الحرب الباردة. ولكن إذا حدث ذلك، فإنه سيكون نابعا من القصور أو لأن كلا الجانبين يموهان حقيقة عدم قدرتهما على إيجاد حلول للمشاكل الحقيقية، والتركيز على استعمال تسمية العدو المألوفة.

لم يكن من المتوقع أن تحمل نتائج الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة في الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني أية تغييرات ملحوظة. فلو فازت هيلاري كلينتون، فإن الأمر الإيجابي الوحيد هو أنها ستعتبر مناهضة لروسيا، وأن أية علامة على الاعتدال هنا ستكون مفاجأة كبيرة. وإذا أصبح دونالد ترامب هو الرئيس، سيكون واضحا أن الطبيعة الشاملة للمشكلة سوف تجعله غير قادر على تحسين العلاقات مع الكرملين.

في كل الأحوال، نتمنى ممن رئيس الولايات المتحدة أيا كانت توجهاته، أن يتحلى بالهدوء وضبط النفس في خطاباته. الأمر الذي أصبح نادرا في أمريكا.

رينيه نايبرخ - سفير فنلندا السابق في روسيا

الاقتصاد مؤجل من أجل السياسة لا شيء ثابت في هذا العالم أو في السياسة الدولية؟ قطع العلاقات الروسية-التركية، والذي استمر ستة أشهر فقط، هو مثال صارخ. لذلك فإن تغير الإدارة في الولايات المتحدة يوفر إمكانية لبداية جديدة أو لمحاولة العثور على فرص جديدة. وعلى الرغم من الاختلافات العميقة في العلاقات الحالية بين روسيا والغرب، إلا أن التاريخ مليء بالأمثلة على كيفية نزع فتيل الصراعات.

تعتبر قضية الدرع الصاروخي في أوروبا، واحدة من الصعوبة التي يمكن قهرها. ولكن، على الرغم من عدم واقعية معاهدة ملزمة قانونا بخصوصها، فقد شهدنا المسار الثاني من المحادثات بهذا الشأن، والتي تثبت إمكانية الاتفاق على بعض الجوانب الهامة فيها.

في أوكرانيا، كانت الحلول مطروحة على الطاولة. وكان خيار إبقاء دونباس، على المدى الطويل، مزعجا، لا يمكن الدفاع عنه ومكلف للغاية بالنسبة لموسكو. وفي الوقت نفسه، أصبحت المنطقة مبعدة نهائيا عن كييف. ويتضح أكثر وأكثر أن انفصالا نظيفا عن أوكرانيا هو الحل الواقعي الوحيد. أما بالنسبة لشبه جزيرة القرم، فتغيير الحدود ممكن ولكنه مقبول بالاتفاق ضمن معاهدة. ويبقى الجزء الأصعب بالنسبة للكرملين، هو قبول أوكرانيا وريثا آخر لمملكة "روس الكييفية" من القرون الوسطى.

يكمن أكبر مصدر لعدم الاستقرار بالنسبة لموسكو في الجنوب. لقد هدأ شمال القوقاز، لكنه ما زال يغلي. وتؤثر موجات الصدمة القادمة من الحرب في سوريا والعراق على جنوب القوقاز. فسوريا هي في الأساس دولة فاشلة، وتدخل روسيا فقط هو ما حمى نظام الأسد من الانهيار. وتتطلب عودة روسيا إلى الشرق الأوسط تسوية سياسية، وإلا فإن الحرب سوف تلتهم موارد قيمة وتتحول إلى أفغانستان ثانية.

هناك الكثير من الأسباب لدى الكرملين للبحث عن تسوية مع الغرب، وأكثرها إلحاحا، الاقتصادية منها. ولكن سجل إدارة بوتين يوضح أن الاقتصاد دوما مؤجل من أجل السياسة.

أنجيلا ستينت - مديرة مركز الدراسات الأوراسية الروسية والأوروبية الشرقية في جامعة جورج تاون

يمكن للتعاون والاختلاف أن يتعايشا

مخاطبا المجتمعين في نادي فالداي يوم 27 أكتوبر/تشرين الأول، انتقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الولايات المتحدة وأوروبا لسياساتهما تجاه أوكرانيا وسوريا، ولفرضهما عقوبات بصورة غير قانونية على روسيا. لكنه أعلن أنه على استعداد للتعامل مع الرئيس الأمريكي المقبل من أجل حل جميع القضايا الصعبة.

تمر العلاقات بين روسيا والغرب بفترة هي الأسوأ مما كانت عليه في أي وقت مضى وحتى منذ الفترة التي سبقت وصول ميخائيل غورباتشوف إلى السلطة. وفي الآونة الأخيرة، ادعى مسؤول روسي أن الولايات المتحدة ملتزمة بتغيير النظام في موسكو، وأن كلا من أوروبا والولايات المتحدة تعتقدان أن روسيا تتدخل في شؤونهما الداخلية.

والحديث عن احتمال نشوب حرب نووية تنطلق من موسكو، في حين أن ما يحدث ليس الحرب الباردة التي كانت قائمة قبل انهيار الاتحاد السوفيتي، فالخطاب الفظ والعدائي والمواقف العسكرية تشعرك بالتأكيد بأنها الحرب الباردة ولكن بدون قنوات الاتصال التي كانت تعمل في ذلك الوقت.

وتشير تجربة السنوات الست عشر الماضية، إلى أن بوتين هو زعيم براغماتي على استعداد لعقد صفقات إذا كان يعتقد أنها في مصلحة روسيا، وهيلاري كلينتون، وبينما تنتقد روسيا، لم تستبعد إعادة تأسيس اتصالات معها على مستوى عال إذا كانت في مصلحة الولايات المتحدة.

ولكن ما الذي ستكون عليه طبيعة الصفقة أو الاتفاق؟ وضع بوتين ثلاثة شروط مؤخرا: خفض عدد قوات حلف شمال الأطلسي إلى ما كانت عليه قبل توسيع الحلف؛ وإلغاء قانون ماغنيتسكي، وإلغاء العقوبات الغربية، ودفع تعويض لروسيا عن الخسائر الاقتصادية التي تكبدتها. ولكن هذه الشروط قد لا تلقى قبولا من واشنطن.

غير أن استئناف المحادثات الأمريكية-الروسية بشأن اتفاق إلكتروني واستعادة فتح القنوات العسكرية رفيعة المستوى قد يكون ممكنا. لقد كانت العلاقات الغربية مع روسيا دائما مستقلة مع تعايش عناصر التعاون والخلاف. وما هو أقل وضوحا هو مصلحة الكرملين في تحسين العلاقات قبل الانتخابات الرئاسية في روسيا وبعدها.