أطفال حلب في "السيرك الرئاسي" الأميركي
مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، نشر موقع «هافنغتون بوست» بنسخته الأميركية تسجيلاً مصوراً يُظهر أكثر من عشرة أطفال يعيشون تحت الحصار في الأحياء الشرقية لمدينة حلب الواقعة تحت سيطرة المسلحين.
طلب صنّاع التسجيل من الأطفال أن يوجهوا أسئلة عبّر الكاميرا إلى مرشحي الرئاسة الأميركية هيلاري كلينتون ودونالد ترامب، بدت كـ «طلب الاسترحام».
لا تتجاوز مدة التسجيل المنجز بالتعاون مع صحافيين سوريين متواجدين في حلب الدقيقتين. يبدأ الشريط بلقطة سريعة تكشف حجم الدمار والخراب الذي أصاب المكان، في محاولة لتذكير المشاهد وربما مرشحي الرئاسة بحجم الخسارة التي مُنيت بها الإنسانية إثر تدمير واحدة من أهم المدن التاريخية في العالم.
بعد ثوان قليلة يظهر الطفل الأول محاطًا بالركام ومرتديًا ثياباً رثةً، يقف صامتاً ويصوب نظره باتجاه الكاميرا ليقطع المشهد سؤال طفل آخر قائلاً: «أيمت رح ينفكّ الحصار علينا؟»، ثم تتوجه الكاميرا إلى طفل ثانٍ ليقول: «خليهن يقولوا للنظام حاج يدمرولنا حلب!»، فيما يوجه طفل آخر رسالته بغضب طفولي قائلاً: «تطلع الطيارة علينا وبتقصفنا أيش بدنا نعمل هلا»، ويتساءل آخر:»أيمت رح تخلصونا من بشار».
غالبية الأسئلة تمحورت حول نقطتين رئيسيتين وهما مطالبة مرشحي الرئاسة بوضع حد للرئيس السوري بشار الأسد، أما النقطة الثانية فتركز على الانخراط الروسي في الحرب السورية الذي يحمله التقرير مسؤولية ما يجرى في حلب على لسان أطفال لا ناقة لهم ولا جمل في هذا الاقتتال.
ينتهي التقرير بتوجيه الطفل الذي ظهر صامتاَ في البداية مجموعة من الأسئلة: «نحن أطفال ومن حقنا نتعلم او لأ؟ من حقنا نعيش او لأ؟...». يختتم الفيديو بتذكير أن أكثر من 130 طفلاً قتلوا في حلب خلال الأسبوعين الماضيين.
ترافق التسجيل مع تقرير مكتوبٍ أعده الصحافي «كريستوفر ماثياس»، صاحب الفكرة، تحت عنوان: «هؤلاء الأطفال المحاصرين في حلب لديهم ما يقولونه لدونالد ترامب وهيلاري كلينتون». وزعم التقرير أن الأطفال «تصرفوا من تلقاء أنفسهم ووثّقوا إجاباتهم خلال ساعات النهار حيث كان الوقت آمناً للخروج من المنزل. ثم ثبتوا نظرهم في الكاميرا بشكل مباشر ونقلوا الوضع الطارئ لمحنتهم».
لكنّ التبرير يبدو بعيداً من المنطق فغالبيّة الرسائل تصب في اتجاه سياسيّ واحد وتبدو «أكبر» من عمر الأطفال المتكلمين. يفقد هذا الافتعال حيادية الشريط الذي امتنع عن طرح وجهة نظر مغايرة ولو من باب «التوازن».
يبدو أننا لسنا أمام ذاك النوع من اللقاءات العفوية التي تجري في الشارع مع ناس عاديين وبسطاء يجيبون بتلقائية. بل أمام إخراج سينمائي متقن، يقف وراءه خبراء في إدارة وتوظيف كلّ حركة وكلمة ضمن إطار الصورة التي يراد إيصالها للمتلقي.
بحسب التقرير، نأى السباق الرئاسي الذي يشبه «السيرك» في الولايات المتحدة بنفسه إلى حد كبير، عن المأساة الإنسانية في سوريا. تمتد الحرب إلى عامها الخامس الدموي، وترامب وكيلنتون يستعدان لمناظرتهما الرئاسية الأخيرة يوم الأربعاء المقبل. لكنّ توجيه نداءات أو رسائل من أطفال حلب إلى مرشحي الرئاسة الأميركية يبدو أقرب إلى نكتة سوداء، إذ أن قرار وقف إطلاق النار ليس بيد أي منهما.
ريما نعيسة - السفير