طبول الحرب ضد روسيا والنفخ في أجواء الحرب الباردة
يقرع الناتو طبول الحرب بإرسال 17 دولة عضوة فيه قوات لتعزيز الجناح الشرقي، بالموازاة مع استعداد 6 دول لتعزيز وجود الحلف في منطقة البحر الأسود.
وتعتبر خطوة الناتو التي أعلن عنها أمينه العام ينس ستولتنبرغ، تصعيدا خطيرا في المواجهة مع روسيا، إذ تقرر إرسال عسكريين من 17 دولة إلى لاتفيا وليتوانيا وإستونيا وبولندا، ضمن 4 كتائب تابعة للقوة المتعددة الجنسيات سيتم نشرها في على حدود روسيا مطلع العام 2017.
وقال أمين عام حلف الأطلسي في مؤتمر صحفي من بروكسل، في ختام اليوم الأول من محادثات وزراء دفاع الدول الأعضاء في الناتو، الأربعاء "تنضم ألبانيا وإيطاليا وبولندا وسلوفنيا إلى عسكريي كندا في لاتفيا. وتنضم بلجيكا وكرواتيا وفرنسا ولوكسمبورغ وهولندا والنرويج إلى القوات الألمانية في ليتوانيا، بينما تنضم الدنمارك وفرنسا للقوات البريطانية في إستونيا، وأخيرا، تنضم قوات رومانيا وبريطانيا إلى الولايات المتحدة في بولندا".
كما تعهد الحلف بتعزيز وجوده في رومانيا، وبموجب مقررات قمة الناتو في وارسو سيتم إنشاء قاعدة تدريب بهدف تعزيز مواقع الحلف في منطقة البحر المتوسط.
وقال الأمين العام للناتو: "كندا وألمانيا وهولندا وبولندا وتركيا والولايات المتحدة، أعلنت استعدادها للإسهام بقسط في وجودنا في منطقة البحر الأوسد برا وبحرا وجوا".
تأتي هذه التصريحات متوازية مع تأكيدات غربية بقرب إنطلاق معركة الرقة، وفي ظل تصاعد التوترات ومستويات الصراع على المستوى الدولي. فالكل يتحدث عن اقتصار دوره على الردع والدفاع ومحاربة الإرهاب، إلا أن المزيد من التحشيد العسكري المتبادل، بين روسيا والحلف الأطلسي، تظهر أن الأجواء بينهما أصبحت قاتمة أكثر من أي وقت مضى، ولا تنذر بأي خير ولا تحتمل اية أخطاء.
وبإرسال طائرات "اواكس" أطلسية، لدعم مباشر لعمليات "التحالف" بقيادة واشنطن فوق سوريا والعراق، ترفع واشنطن مستويات الاحتكاك بين القطبين إلى مستوى غير مسبوق، في حين لا يخفي قادة "الناتو" قلقهم الشدس، ولا يخفون أنها المرة الأولى التي يعملون فيها في وضع شديدة التعقيد كهذا.
برزت أجواء التوتر الشديد، في اجتماع وزراء دفاع الناتو في بروكسل. إذ كشف مسؤولون أن معركة الموصل، الساعية لمحاربة الإرهاب، وفق ما يحاول الناتو إقناع أعضائه به، لا تزال تعمها التباينات والخلافات. والحديث يدور بالتحديد عن اعتراض شركاء أطلسيين على تعنّت أنقرة، في إصرارها على المشاركة في معركة عراقية رغماً عن إرادة بغداد.
ومن الجدير بالملاحظة، أن هذا الإعتراض جاء من قبل ألمانيا، التي تحاول بكل جهد عدم توتيرعلاقتها مع تركيا، بما أن الأخيرة بوابة البلقان أمام تدفقات اللاجئين.
وبهذا الصدد، قالت وزيرة الدفاع الألمانية أرسولا فان دير لين إنه "في التحالف الدولي ضد داعش لدينا قواعد واضحة، وإحدى هذه القواعد هي أن نحترم سيادة الدول، مثل دولة العراق، وهذا يجب أن يكون واضحاً".
أمّا في ما يخصّ تنظيم "داعش" في سوريا، فقد أكدت دول فاعلة في "التحالف" الذي تقوده أمريكا، أنه يتم التجهيز لمعركة قد تنطلق خلال أسابيع، رغم أن هذه المعركة من المستبعد أن تكون حاسمة كما تؤكد التصريحات الغربية الآن حول معركة الموصل.
أما وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون، فقد أوضح متحدثا عن "معركة الرقة" المرتقبة، أن "العمليات ستبدأ قريباً للمساعدة في عزل الرقة وللبدء في حصارها"، قبل أن يضيف "لقد رأيتم تقدماً كبيراً الآن في حصار الموصل، النجاح في الضفة الشرقية من دجلة، ونأمل أنّ عملية مماثلة ستبدأ باتجاه الرقة خلال الأسابيع القليلة المقبلة".
ورغم هذه الإعلانات والنوايا، إلا أنه لم يتم التوصل حتى الآن إلى اتفاق حول هوية القوات الأرضية التي ستكون في مقدمة خائضي هذه المعركة. ففي العراق احتاج الأمر إلى أشهر لتسوية سياسية، لم تظهر كل تفاصيلها، إذ تم الجمع بين قوات "البشمركة" مع القوات العراقية الأخرى، لاقتلاع "داعش" من عاصمة خلافته. كما توافقت تصريحات المسؤولين الغربيين في الإشادة بهذا "التكاتف"، و"بالشراكة والتوحّد الوطني"، في حين أن الوصول لمثل هذا "التكاتف" في الميدان السوري أمر شبه مستحيل، بالإضافة إلى أنه لم يتم التحضير له.
تبقى هوية القوات المحاربة على الأرض مجهولة. يؤكد المسؤولون الغربيون أن الرقة ستُحاصَر وستُعزَل، لكن يبقى سؤال -بأي قوات؟ دون إجابة! المحسوم في تصريحات "تحالف" واشنطن، أنها العملية ستكون دون مشاركة موسكو ودمشق.
ووفق تأكيدات "الأطلسي"، تقتصر أهداف استخدام طائرات "أواكس"، على تزويد مراكز التحكم والقيادةبالمعلومات، لتقديم دعم مباشر لعمليات "التحالف" الغربي لمراقبة كل ما يجري في السماء العراقية والسورية، من أجل "سلامة" العمليات المحاذية لعمليات موسكو وحلفائها.
وأكد الناتو أن طائرات "أواكس" لن تنخرط المهام القتالية، رغم أن هذه التأكيدات بعيدة عن الواقع، إذ أن "أواكس" الأطلسية قد انخرطت بالفعل في مهام رسم الخريطة الجوية، التي سيستخدمها "التحالف" في عملياته الحربية.
ويقول المسؤولون في الناتو، أن "أواكس" لن تحلق فوق العراق أو سوريا. فهي لا تحتاج إلى ذلك أصلاً، فمجال تغطيتها يمكنه رصد تلك الأجواء بشكل دقيق، مع بقائها محلّقة في الأجواء التركية، إضافة إلى الأجواء فوق المياه الدولية في البحر المتوسط.
ومن المقرر خلال أسبوعين، أن تصل مهمة "الأواكس" إلى طاقتها التشغيلية القصوى: 70 طلعة جوية في الشهر، بما يعني حوالى 500 ساعة طيران، نصفها سيكون مخصصاً لمتابعة كل شاردة وواردة في منطقة العمليات.
سيجري ذلك في إطار دعم عمليات "التحالف"، وأيضاً في سياق "إجراءات الضمان" الأطلسية للحليف التركي، بما يعني تحركات القطع الروسية في المنطقة بشكل أساسي. برغم ذلك حذر مسؤول عسكري أطلسي من ربط هذا الهدف بمهمة "الأواكس"، التي احتاج إطلاقها إلى أشهر من التداول داخل أروقة "الحلف"، ما يعكس حجم الحساسيات المحيطة بهذه المهمة المتعلقة بـ"السلامة الجوية".
من الواضح أن حلف الناتو يتوحى الحذر في خطواته هذه، شدد مسؤولون أمنيون وخبراء في "الحلف" على أن المهمة "لا تتعلق بمراقبة الطائرات الروسية والسورية، إنها فقط لتوفير سلامة الطائرات، وسلامة المجال الجوي".
ويبدو الحذر هذا وتجنب الاستفزاز، مفهوماً. إذ تطغى عدم الرغبة في مزيد من الاستفزاز لموسكو. كل هذا يمكن فهمه من السياق الذي يجري فيه. سياق يدرك حساسيته مسؤولو الناتو.
تأكيداً على هذا السياق الحسّاس، يمكن استحضار الإفادة التي قدمها وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير أخيراً، المضافة لاعتراضه المتكرر على مواصلة "قعقعة السلاح" الأطلسية على تخوم روسيا. شتاينماير اعتبر أن ما يجري الآن "أخطر من الحرب الباردة"، لأنه حينها "كانت واشنطن وموسكو تعرفان خطوطهما الحمر وتلتزمان بها".
إلا أن هذه التحذيرات لم تمنع استمرار تلك القعقعة. الأطلسي أعلن أنه ماض لتنفيذ تعزيزاته العسكرية في الشرق الأطلسي المتاخم لروسيا، إضافة لمنطقة البحر الأسود. كل ذلك تحت عنوان "الردع" مع تأكيد مواصلة الحوار مع موسكو.
لهذا الغرض، قال الأمين العام للناتو، يانس ستولتنبرغ إن مجلس روسيا والناتو، على مستوى السفراء، سيلتئم قريباً، كما لفت إلى تبادل مقترحات مع الخارجية الروسية بهدف "تعزيز الشفافية". كما كرر ستولتنبرغ انتقادات الناتو لعمليات روسيا في حلب، مع المناشدة لتحقيق هدنة وإيصال المساعدات. كما أن الحملة ضد مجموعة السفن الروسية المتجهة إلى السواحل السورية لفتت الأنظار. وانتهى الجدل بعد تأكيد موسكو أن حاملة الطائرات "الأميرال كوزنيتسوف لا تنوي التوقف بميناء سبتة للتمون بالوقود، إذ أن لديها كل ما تحتاجه. في حين أفادت مصادر مطلعة أن الأمر لا يتعدى كونه "حملة مفتعلة في الصحف الغربية".