صواريخ "اسكندر" الروسية في أرمينيا.. إحلال للتوازن أم سباق تسلح جديد؟

13.12.2016

تعتبر العروض والمواكب العسكرية دائما أمرا مهما. وفي العرض العسكري الذي جرى في العاصمة الأرمينية يريفان يوم 16 ايلول الماضي، لم يكن اهتمام وسائل الإعلام في متركزا على الحدث المكلل بهذا العرض، وهو الاحتفال بالذكرى الخامسة وعشرين لاستقلال البلاد. بل انصب على ظهور صواريخ "اسكندر" الروسية الصنع في شوارع العاصمة. وبقيت هذه الصواريخ محط اهتمام الصحافيين والمحللين على حد سواء منذ ذلك الحين إلى وقتنا هذا.

هناك أسباب كثيرة لهذا الاهتمام، أولا وقبل كل شيء، هذه هي المرة الأولى التي تظهر فيها صواريخ "اسكندر" الروسية من انتاج المجمع الصاروخي التكتيكي، في أرمينيا، وهذه هي المرة الأولى التي يتم تزويد قوات مسلحة لدولة أجنبية بها. وعلى الأغلب، فإن الصواريخ التي ظهرت في أرمينيا، نموذج معد للتصدير ضمن مجموعة خفض مداها الى 250-280 كيلومتر (بدلا من مدى 500 كلم القياسي المعروفة به هذه الصواريخ)، وقد ذكر ان هذا المدى هو أكثر من كاف للقوات المسلحة الأرمنية نظرا لطبيعة النزاع في ناغورني قره باخ.

وقد برز الاهتمام الخاص بتوريد صواريخ اسكندر إلى أرمينيا، على الأرجح، بسبب ظهور صواريخ اسكندر في الجيش الأرمني قبل نيسان/أبريل 2016. وقد سرت شائعات عن وجود فعلي أو متوقع منذ عام 2013 لهذه الصواريخ لدى الأرمن. وأظهرت تقارير أولية بأنه سوف يتم تسليمها إلى قاعدة 102 الروسية. وقد تم استعراض هذه الصواريخ في العرض العسكري في ايلول الماضي كخطوة تهدف الى تأكيد حيازة أرمينيا صواريخ اسكندر، وبالتالي إغلاق ملف هذه القضية.

بعد وقائع نيسان الماضي، حتى رئيس أرمينيا سيرج سركسيان، والمعروف عنه الحذر في التصريحات العلنية، قام بإثارة قضية إمدادات الأسلحة الروسية خلال اجتماعه مع رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف.

لا يهم متى تحديدا وصلت صواريخ اسكندر الى أرمينيا ، ولكن الحقيقة تؤكد أن لدى يريفان ما يساعدها على الحفاظ على التوازن بين الجانبين في قضية النزاع حول منطقة قره باغ الجبلية.

شهدت السنوات الأخيرة الكثير من المحادثات حول الكيفية التي تمت بها إمالة هذا التوازن حيث تستخدم أذربيجان عائدات النفط لبناء قدراتها العسكرية. في نفس الوقت، أصيبت أرمينيا بخيبة

أمل لا سيما في ضوء حقيقة أن روسيا، التي هي حليف أرمينيا الاستراتيجي، كانت أيضا في تفس الوقت أكبر مورد للأسلحة إلى أذربيجان.

في حين تم إلقاء اللوم قبل عام 2016على موسكو لتلك الإمدادات بشكل رئيسي من قبل وسائل الإعلام، ومجتمع الخبراء و ناشطي المجتمع المدني.

ويميل الخبراء الروس إلى تفسير استمرار إمدادات الأسلحة إلى أذربيجان أولا وقبل كل شيء، بأنها متماشية مع أهداف روسيا، والتي تهتم بتحقيق شراكة مع أذربيجان. ثانيا، كانت ضرورية للحفاظ على توازن القوى في المنطقة. وتجعل حقيقة تدهور الوضع في ناغورنو قره باخ على مدى السنوات الأخيرة، من الطبيعي أن تكون جميع الأطراف معنية بهذا الوضع، مما يشمل موسكو. إن تصعيد النزاع حول ناغارنو قره باخ الجبلية في السنوات الأخيرة يعود إلى حد كبير نتيجة لزيادة ثقة باكو في تفوقها العسكري.

على ما يبدو، المقصود من العرض العسكري لصواريخ اسكندر، هو تذكير أذربيجان أن الصراع ليس له حل عسكري، وهو شعار غالبا ما يكرره قبل وسطاء ارمينيا.

هذا الأمر له أهميته بالنسبة لموسكو، لأن أي تصعيد للنزاع حول قره باخ الجبلية يمكن أن يؤدي إلى عواقب غير مرغوب فيها إلى حد كبير. إذا انتشرت العمليات الحربية من إقليم ناغورني قره باخ، فقد تواجه موسكو معضلة صعبة: إما أن تتقاعس عن الوفاء بالتزاماتها كحليف، ما سيوجه ضربة قاسية لهيبة روسيا ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي، أو للمخاطرة بالصراع مع أذربيجان. لهذا السبب، من وجهة نظر موسكو، من الضروري الحفاظ على التوازن بين الطرفين من أجل تجنب تفاقم الصراع.

ما هو أكثر من ذلك، إمدادات الأسلحة إلى أرمينيا وكذلك المبادرات مثل إنشاء قوة عسكرية روسية أرمنية مشتركة لن يساعد فقط في الحفاظ على التوازن في نزاع قره باخ الجبلية، ولكن أيضا في ربط يريفان مع موسكو بعلاقات أوثق وتعزيز مواقف موسكو في القوقاز.

إن العرض العسكري لصواريخ اسكندر أدت إلى انخفاض ردود الفعل الإيجابية في أذربيجان وتركيا حسب ما كان متوقعا. كما أعرب بعض الخبراء في جورجيا عن بعض المخاوف بشأن الأسلحة الجديدة مصدرها روسيا، وعلى الرغم من أن تبليسي الرسمية لم ترى أي أساس لأية

مخاوف. فقد أشار بعض الخبراء الغربيون ألى أن وصول صواريخ اسكندر إلى أرمينيا يمكن أن يؤدي إلى مزيد من سباق التسلح.

إلى أي مدى يمكن تبرير مثل هذه المخاوف؟ كأمر واقع، واجهت كل من أرمينيا وأذربيجان لفترة طويلة ما يسمى بالمعضلة الأمنية، حيث الخطوات المتخذة من قبل كلا الطرفين لحماية أمنهما تشكل تهديدا محتملا للطرف الآخر. وبعد توريد صواريخ اسكندر إلى أرمينيا كخطوة تهدف إلى الحفاظ على التوازن من المرجح أن تساعد في استعادة مستوى معين من الاستقرار والقدرة على التنبؤ بالوضع حول ناغورني قره باخ. في أي حال، وعلى الرغم من الخطاب المتشدد الصادر عن كلا الجانبين، وتحذيرات الخبراء من تكرار محتمل لأحداث نيسان/أبريل، كان الوضع على خط الجبهة هادئا نسبيا في فصل الخريف