سنوات عجاف قادمة على السعودية!
ليس الحديث عن شبح الإفلاس القادم إلى السعودية حديثاً من فراغ، أو ترويجاً إعلامياً من قبل خصومها، بل هي حقائق بدأت تتكشف مع استمرار طاحونة الحرب العدوانية الاستنزافية، التي تشنّها المملكة على اليمن وشعبها منذ قرابة العامين، دون وجود مؤشرات على توقفها في المدى المنظور، بعدما فشلت الرياض في فرض سيطرة قواتها، مع ما يسمّى «التحالف العربي»، على كامل اليمن. وعجزها عن فرض وقف إطلاق النار، الذي باء بالفشل في كلّ مرة، لتعود دائرة القتال اشدّ وطأة.
يشير تقرير خاص لموقع «غلوبال ريسيرش» الكندي، إلى أنّ المملكة لديها رغبة قديمة بتفكيك اليمن، إذا لم تستطع أن تسيطر عليه بالكامل. ولذلك، هذه النتيجة المستهدفة أيّ التقسيم قد تبدو مبالغاً فيها، أو مثيرة للقلق. لكن من هم على دراية بتاريخ اليمن على مدى العقود القليلة الماضية، لن يشعروا بالمفاجأة إذا علموا أنّ هذا هو الهدف غير المعلن من حرب السعودية هناك، فاليمن يعدّ بلداً فقيراً جداً وكان يُنظر إليه على نطاق واسع قبل الحرب، كنموذج لدولة فاشلة. ويحيط بحدوده الطويلة مع السعودية 1100 ميل ، الثراء والقوة القادمين من السعودية.
فعدد سكان اليمن، حوالى 27 مليون نسمة، هو تقريباً، حجم سكان المملكة العربية السعودية نفسه، لكن دخل الفرد في اليمن يبلغ 1/20 من دخل الفرد في السعودية. ولهذا، فالتحديات في اليمن اجتماعية واقتصادية بطبيعتها. وكانت السعودية تظنّ منذ مدة طويلة، أنّ تفجير هذه التحديات عن بعد «ممكن»، كما يمكنها من التحكم في اليمن. ويشير التقرير إلى أنّ السعودية تعمّدت تدمير البنية التحتية في اليمن، على غرار ما فعلته أميركا في العراق. مؤكداً أنّ القوات البرية المشكلة من دول عربية عدة «لم تفعل شيئاً يذكر، للوصول إلى هدف التحكم باليمن»، ما يعني أنّ اليمن تغلب على مفاعيل العدوان حتى الآن.
ويبدو أنّ التورّط السعودي في الحرب على اليمن، مع مفاجأتها بتدهور أسعار النفط، عقّّد الموقف وقاد النظام السعودي إلى أزمة عجز مالي متزايد، يحاول سدّه عن طريق استهلاك الاحتياطات. والسؤال المطروح: كيف يمكن لهذا البلد النفطي بامتياز، تجنّب شبح الإفلاس القادم لا محالة، في حال استمرار هذا التدهور واستنزاف الاحتياطات؟
يمكن القول إنه مع استمرار انخفاض أسعار النفط إلى أكثر من النصف، منذ الصيف الماضي، جعل المملكة العربية السعودية تلجأ، بشكل متزايد، إلى إصدار المزيد من السندات الحكومية، لتمويل العجز المتزايد في ميزانيتها. كما تستمرّ بسحب المزيد من المليارات من صندوقها السيادي الاحتياطي، الذي تشكلت أمواله من فوائض الطفرات النفطية. ويقدر صندوق النقد الدولي أنّ السعودية تواجه منذ عام 2015 أكبر عجز في تاريخ ميزانيتها، قد يصل إلى 150 مليار دولار. وتذهب تقارير غربية إلى حدّ القول، بأنّ المملكة تتجه نحو الإفلاس، في حال استمرار التدهور الحالي لأسعار النفط. ويرى متابعون، أنّ هذا الاتجاه يتسارع، بسبب «حروب السعودية في اليمن وسورية وليبيا. وإنفاقها الضخم على التسلح». والجدير ذكره هنا، أنّ ترتيب السعودية جاء الثالث عالمياً، بعد الولايات المتحدة والصين، على صعيد شراء الأسلحة خلال العام 2014 والتي أنفقت عليها 82 مليار دولار.
وإذا كانت المملكة وهذا معروف، أنها تعتمد على النفط بنسبة تزيد على 90 في المائة، فليس سوى ارتفاع أسعار النفط يحلّ لها المشكلة. لكن معظم التقديرات تشير إلى أنّ أسعار النفط لن تتحسّن بسرعة هذه المرة، كما حصل خلال العقود الثلاثة الماضية. ويعود هذا الأمر لأسباب عدة في مقدمتها:
– التخمة الحالية في السوق النفطية، بسبب رفض السعودية ومعها دول خليجية أخرى، تخفيض كمية الإنتاج بما يكفي. وهذا ما ظهر خلال قمة منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك الأخيرة.
– حدة التخمة تزداد بسبب استمرار الركود العالمي، على وقع الأزمة المالية العالمية. يضاف إلى ذلك، أنّ الاتفاق النووي الإيراني، سيُفسح في المجال أمام إيران لزيادة إنتاجها النفطي وصادراتها منه، إلى أكثر من الضعف بحلول عام 2017 . كما أنّ العراق في طريقه لإنتاج أربعة ملايين برلين يوميا. ما يعني ضخ المزيد من الصادرات في الأسواق العالمية .
– تحسن تقنيات إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة. وستكون أميركا قادرة على ضخ المزيد من النفط للاستهلاك المحلي والتصدير. ويساهم الإقبال المتزايد على استهلاك الغاز والاعتماد على الطاقات المتجددة، بدوره، في الحد من الطلب على النفط.
وهذه العوامل مجتمعة، تنبئ بسنوات عجاف قادمة على الاقتصاد السعودي، الذي يعتمد في إيراداته على النفط الخام، كونه يشكل مع مشتقاته، كما اشرنا، أكثر من 90 في المائة من الصادرات السعودية النفطية، كمصدر الثروة شبه الوحيد للملكة .
ولعل خطة الإصلاحات الاقتصادية التي طرحها ابن الملك، محمد بن سلمان ولي ولي العهد، بالاستغناء عن الاعتماد على النفط، ولدت فاشلة وتكاد تصل إلى طريق مسدودة. وفي ظل استمرار تراجع أسعار النفط، من جهة والوتيرة الحالية السريعة لاستهلاك أموال صندوق الاحتياطات المالية، من جهة أخرى، سيقود خلال أعوام قليلة لاستهلاك هذه الاحتياطات. وفي حال حصل ذلك، سيصعب على السعودية بيع المزيد من السندات الحكومية والاقتراض من الأسواق الدولية. من هنا وبالنسبة للسعودية، فإن عدد السكان الذي وصل إلى نحو 30 مليون نسمة ونسبة البطالة التي تزيد عن 40 في المائة في صفوف الشباب، فإن الوضع يزداد تعقيدا. هذا إذا أضفنا أن النظام السعودي لم يجد سوى طريق محفوفة بالمخاطر على النظام برمته، ألا وهي اعتماد سياسات تقشفية لم يعتد عليها المواطن السعودي، ستؤدي إلى تقليص الإنفاق الحكومي وفرض ضرائب على الدخل والأرباح ورفع الدعم الحكومي عن المحروقات وسلع أخرى أساسية.
ولذلك، يؤكد الباحثون في معظمهم، أن شبح الإفلاس قائم، إذ ما تزال السعودية بلدا نفطيا بامتياز، منذ تأسيسها في ثلاثينات القرن الماضي. وعلى الرغم من الطفرات النفطية التي وفرت لها تريليونات الدولارات الإضافية، خلال السنوات الخمسين الماضية، فإنّ هدف تنويع مصادر دخل الاقتصاد السعودي ما يزال بعيد المنال. وكلما استمرت أسعار النفط بالتدهور، ستنكشف أكثر فأكثر عورات السياسات الاقتصادية السعودية، التي تركز على الإنفاق الاستهلاكي المتزايد، لتمويل الميزانية العامة والحروب الارهابية في اليمن وسورية ومناطق أخرى، ما يجعل من سيناريو الإفلاس أمرا واقعا، بعد استنزاف الاحتياطات المالية والفشل الذريع المتوقع في حربها في اليمن وحروبها الأخرى جميعاً.