شروط القيصر لا شروط السلطان

05.01.2017

هو ذاك الغرب الذي وضع كل ثقله في الرهان على رجب طيب اردوغان لتقويض الدولة في سوريا (النظام تفصيل).

هو ذاك الغرب الذي لا يرى في العرب اكثر من صناديق او براميل بشرية تتقيأ المال والنفط.
هو ذاك الغرب الذي يقف مذهولاً، وربما جذلاً، اما ما يفعله اردوغان في بلاده. الرجل الذي اغتال الحداثة، وحيث الاسلام ليس الطرابيش، واللحى، والانياب، والنصوص التي يتم تأويلها بلغة الذئاب لا بلغة الانبياء، وحيث الحياة ليست المقبرة الصغرى التي تقود الى المقبرة الكبرى، وحيث الله ليس الهاً وثنياً بعث بنا الى الارض لكي يلهو بآلامنا وبعذاباتنا...
الرجل الذي زعزع الاقتصاد في تركيا، ولقد سبقت نمور آسيا في الديناميكية الاقتصادية، بموقعها الجيوستراتيجي البالغ الحساسية، فاذا بالخبراء اليوم يملأون الصفحات والشاشات بعلامات الاستفهام: الى اين نحن ذاهبون؟
الرجل الذي دمر المؤسسة العسكرية التي كانت تعتبر الحارس الاتاتوركي للعلمانية، وان بالغطرسة العثمانية اياها، والتي كانت تعتبر القوة الاطلسية الثالثة، فاذا بمئات الجنرالات وبالآف الضباط الاخرين والجنود اما وراء القضبان او يختبئون كالفئران في منازلهم.
الصرخة بدأت تعلو في الارجاء التركية من الميليشيات التي تتناسخ يومياً وتنشر الرعب، حتى ليقال ان التركي لم يعد يمشي الى جانب الحائط لتفادي «قبضايات الملاهي الليلية». وقد تحولوا الى قادة للميليشيات، بل يفترض فيه ان يمشي داخل الحائط.
الرجل الذي يختزل السلطات كلها، عملياً انه السلطان وان بالخطى الضائعة، لكنه يصر على تكريس ذلك دستورياً في استفتاء يجري بعد نحو شهرين في ظل الهراوات والسكاكين.
هو ذاك الغرب الذي يرثي الآن الديموقراطية في تركيا بعدما لاذ بالصمت المطبق حين كانت دبابات وطائرات اردوغان تدمر المدن والقرى الكردية لان الكرد يطالبون بالحد الادنى لتظهير شخصيتهم السياسية والثقافية، وها ان نوابهم يزجون بالجملة، في معسكرات الاعتقال.
في ذلك الغرب الغريب، وحيث التصدع الدراماتيكي في القيم، يتساءلون عن البديل في تركيا. الميليشيات بالمرصاد حتى داخل الثكنات وحتى تحت ملابس الجنرالات. القوى السياسية كلها داخل الحصار.
ماذا يعني مسلسل التفجيرات، بابعادها الكارثية، سوى ان المؤسسات الامنية تعاني من خلل بنيوي قاتل ويهدد بسقوط الدولة نفسها..؟
الا يبدو مثيراً ان يبدو فلاديمير بوتين وكأنه الشخص الوحيد الذي ينقذ رجب طيب اردوغان؟
الرئيس التركي يراهن على «صداقة» دونالد ترامب الذي يبدو وكأنه لا يعلم، اي دور اضطلعت به الاستخبارات التركية في استقطاب المقاتلين من القوقاز، ومن اسيا الوسطى، ومن تركستان الشرقية، لتشكيل القوة الاساسية، القوة المحاربة، لتنظيم الدولة الاسلامية.
ليس هذا فقط، بل ان اردوغان فتح كل الابواب امام تلك الحثالة الايديولوجية وفتح المنتجعات، والمستشفيات، والمعسكرات، وحتى الملاهي الليلية..
التفجيرات فاقت اي تصور تركيا من الدولة الى الغابة، ومن المؤسسة الى المستنقع. اين هي الدولة في تركيا؟
سياسيون وصحافيون وجنرالات حذروه من اللعب بالنيران فوق الارض السورية، لكنه اصر على ان يلعب بكل النيران، وبكل الجثث، ليبدو الجيش، الجيش العظيم، عاجزاً عن ان يدق (ويدكّ) باب مدينة الباب، حيث الخسائر كانت هائلة، فطلب المساعدة الجوية من التحالف الدولي. هل صحيح انه يخشى استخدام الطائرات التركية كي لا تغير على القصر او كي لا تلجأ الى دول اخرى؟
الان يتعامل مع الازمة السورية بشروط القيصر لا بشروط السلطان. المفاجآت التركية لن تنتهي. العرب صدموا بغطرسة اردوغان وهشاشته في آن. سوريا امام المفترق الذي لا يرسمه قطعاً لا السلطان العثماني ولا شيوخ القبائل.