سباق التسلح التقليدي يدفع العالم إلى القرب من حافة الهاوية
مع الحشد العسكري لحلف الناتو قرب الحدود الروسية وعلامات عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وصولا إلى شرق آسيا، فإنه لم يعد من المستبعد أن تجد القوى العظمى نفسها متورطة في حرب تقليدية.
خطط الناتو لزيادة عدد قواتها في دول البلطيق قرب الحدود الروسية، والمناورات العسكرية الأخيرة الأميركية في الخليج العربي وانفتاح الصين المبدئي في "بحار الصين الجنوبية والشرقية" ليست سوى مؤشرات إلى أن النظام العالمي أصبح أكثر هشاشة.
وقد تصبح الحرب التقليدية بين القوى العظمى حقيقة واقعة ، فالأسلحة النووية لم تعد تشكل رادعا.
"هل الصراع التقليدي ممكن بين الدول الحائزة للأسلحة النووية؟ الجواب القصير هو أنه من المفترض أن تحدث، بالنظر إلى أن كل القوى تخطط لمثل هذه الطوارئ، فمن المرجح أن تحدث." ، قراءات في تقرير حديث لـ "نادي فالداي للحوار". وكذلك "ما الذي يجعل الحرب بين القوى العظمى ممكنة"، وهذا من تأليف "مايكل كوفمان"، وهو زميل في معهد كينان لمركز ويلسون، و"اندريه سوشينتسوف"، وهو أستاذ مشارك في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية (جامعة MGIMO) ومدير البرامج في "نادي فالداي "، يحلل احتمالات حرب تقليدية تتضمن القوى العظمى.
مع الأخذ بعين الاعتبار حقيقة أن العديد من البلدان تكثف ميزانياتها العسكرية وتستثمر في الوسائل التقليدية للحرب، فإن مثل هذه التحذيرات هي ذات أهمية خاصة. حيث زادت الصين ميزانيتها العسكرية بنسبة 132 في المائة بين عامي 2006 و 2015، في حين ارتفعت النفقات العسكرية في المملكة العربية السعودية وروسيا بنسبة 97 في المائة و 91 في المائة، على التوالي، خلال الفترة الزمنية نفسها، وفقا لمعهد أبحاث السلام الدولي في ستوكهولم.
وفي الفترة نفسها، في عام 2015 بقيت الولايات المتحدة القوة التي لديها أعلى نفقات عسكرية ما يقرب من 600 مليار دولار سنويا، على الرغم من التقييد الأخير الذي أثر على ميزانية الدفاع. وفي الوقت نفسه، فإن الميزانية العسكرية الإجمالية لأكثر 15 دولة في العالم - بما في ذلك روسيا والصين والولايات المتحدة وأوروبا ودول الشرق الأوسط - حوالي 1.3 تريليون دولار.
"مع الانتشار المطرد لتكنولوجيا الدفاع الصاروخي، الذي تقوده أولا الولايات المتحدة، فإن الفائدة المتصورة للأسلحة النووية باعتبارها رادعا فعالا للحرب تستمر في الانخفاض،" يقول "تقرير فالداي". "القوى العالمية ستوجه تركيزها بشكل متزايد بعيدا عن ترسانتها النووية وتركز على الردع التقليدي".
وعلاوة على ذلك، قد تصبح الأسلحة النووية عرضة لضربات تقليدية دقيقة. وهذه المخاطر تشجع الولايات المتحدة أن تركز أكثر على الدفاع الصاروخي وجهود جديدة، وذلك "للحد من تأثير الأسلحة النووية لأنها تشكل التهديد الوجودي الوحيد الحقيقي للوطن الأمريكي،" وفقا لتقرير فالداي.
تاريخيا، كان الردع النووي دائما عاملا مهما في منع تصاعد حدة الصراعات المحتملة بين القوى العظمى، كما دل على ذلك أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962. وكانت هذه النقطة الأكثر خطورة في المواجهة السوفيتية الأمريكية، التي أثارها نشر الصواريخ السوفييتية في كوبا. لحسن الحظ، لم تخرج هذه الأزمة عن نطاق السيطرة وكان السوفييت قادرين على إيجاد أرضية مشتركة مع القادة الأميركيين.
اليوم، من المرجح أن تستخدم روسيا ترسانتها النووية ضد خصم محتمل، في حال كان هناك تهديد وجودي للأمة بأسرها من قبل قوة نووية أخرى. وهذا جزء من عقيدة الأمن القومي الروسي. وبالمثل، فإن الولايات المتحدة لا توجه الرؤوس الحربية النووية ضد روسيا لنفس الأسباب، على الرغم من أن واشنطن لا تستبعد استخدام الأسلحة النووية لحماية حلفائها.
هذا التوازن يعطي سببا لبعض النقاد لرؤية الأسلحة النووية كنوع من العلاج الشافي الرادع ضد أي تضارب محتمل بين القوى العظمى. بل ان بعضهم ذهب إلى تشجيع مزيد من تطوير الأسلحة النووية من قبل دول العالم الثالث، يقول بيتر توبيشكانوف، باحث في "برنامج حظر الانتشار لمركز كارنيغي موسكو ". ومع ذلك، القدرة النووية لا تمنع الحروب التقليدية على الإطلاق.
وقال "في الواقع، فإن العامل النووي لم يكن أبدا عائقا فعالا للحروب التقليدية بين القوى النووية، لا سيما أولئك الذي كانوا يعملون كـ "وكلاء" حروب على أراضي بلدان العالم الثالث، يقول توبيشكانوف، وأعطى مثالا وهو حرب الحرب الكورية في فترة 1950-1953 التي شارك فيها أيضا الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة.
" بعد كل شيء، إذا طورت التقنيات والأسلحة العسكرية الحديثة، فأنت حتما كنت تميل إلى استخدامها في يوم من الأيام" أضاف الخبير، مشيرا إلى مثال آخر: حرب كارغيل 1999 بين الدولتين النوويتين (الهند وباكستان).
عقلية إثارة الذعر كموجه في الحروب التقليدية
علامة تحذير أخرى هي أن حرب تقليدية قد تندلع بين القوى الرئيسية بسبب المشاعر السلبية بين قادة أكبر الجيوش في العالم، والتي تأتي عادة من توقع السيناريوهات الأكثر سلبية وإعداد أنفسهم للأسوأ.
على سبيل المثال، تقرير صدر مؤخرا أعده خبراء عسكريين امريكيين من مؤسسة "راند" اختبر "كل السيناريوهات المحتملة في سلسلة من المناورات الحربية" ونشر مخاوف من حرب محتملة مع روسيا. واضعو التقرير قدروا أن روسيا قد تجتاح أوروبا الشرقية في ثلاثة أيام. وسوف يستغرق الامر ما بين 36 و 60 ساعة لروسيا لاحتلال دول البلطيق.
وسائل الإعلام فقط من يشعل هذه المخاوف، وكما يتضح من فيلم وثائقي من إنتاج "بي بي سي" بعنوان "الحرب العالمية الثالثة: داخل غرفة الحرب" الذي يصف غزو القوات الروسية للاتفيا مما ادى الى رد من المملكة المتحدة وحلف شمال الأطلسي، ويقود هذا في نهاية المطاف إلى حرب نووية مع الغرب.
في الواقع، يهدف هذا السيناريو لتقييم استجابة البلد للرد على العدوان الروسي. على الرغم من أن حدوث حرب شاملة بين روسيا والغرب هو أمر مبالغ وضرب من الخيال، المحللين العسكريين ينظرون إلى هذه المشكلة من وجهة نظر مختلفة جدا.
إنها مسألة إعداد النفس لاحتمال ضعيف الحدوث وله تأثير كبير والاستثمار في هذا المسعى قدرا كبيرا من المال. ويقول كوفمان خلال عرض التقرير في الأسبوع الماضي "بعد كل شيء، قادة أكبر الجيوش في العالم هم من يقرر. ويميل المسؤولون العسكريون للنظر في احتمال نشوب صراع من منظور مثيرا للقلق.
زيادة عدم الثقة بين القوى العظمى خلال فترة التنافس الجيوسياسي تؤدي إلى تفاقم المشكلة وتقود إلى ما يسميه بعض الخبراء "حربا غير معلنة"، مع استخدام وسائل غير عسكرية، بما في ذلك العقوبات والحملات الإعلامية. من هذا المنظور، بعض الدول تعتبر في حالة المواجهة، التي وصفها بعض النقاد بأنها "هجينة" أو حرب "بلا عنوان".
على الرغم من أنه لا يوجد شيء جديد في هذه الأساليب، إلا أنها أصبحت واضحة على نحو متزايد اليوم. أكثر الأمثلة وضوحا هي المواجهة بين موسكو وواشنطن حول أوكرانيا والمواجهة الروسية-التركية، الناجمة عن قرار الكرملين حول التدخل في سوريا وإسقاط طائرة روسية من قبل أنقرة بعد ذلك بوقت قصير.
ويدل هذا الحادث الأخير على جانب آخر خطير من الحرب التقليدية، والتي قد تحدث في المستقبل
(على نحو غير مؤكد). لم يكن أحد يتوقع أن تسقط تركيا الطائرة الروسية. ولم يتوقع أحد أن تصبح موسكو وأنقرة على شفا المواجهة العسكرية، لاسيما في ضوء حقيقة أنه قبل اطلاق الكرملين حملته في سوريا، كانت العلاقات الروسية التركية في حالة جيدة جدا.
لا تعمل اليوم القواعد المعروفة للحرب تقليدية بعد الآن في عالم "البجع الأسود" (الأحداث ذات الاحتمال الضعيف جدا والتأثير الشديد)، وخاصة عندما تكون الدول الحديثة مترابطة. وهذا يقود إلى أن استخدام القوة ليس حكرا فقط روسيا والولايات المتحدة، ولكن أيضا من قبل غيرهم من أصحاب المصلحة، وفقا لسوشينتسوف.
وحيث تستمر تكنولوجيا الحرب الحديثة في التطور بطرق جديدة (مثل التركيز الجديد على الفضاء الإلكتروني)، فإن الحروب التقليدية بين الدول الكبرى أخذت تزداد خطورة ويمكن التنبؤ بها. لأنها قد تستهدف أنظمة البنية التحتية الاقتصادية والطاقة والقيادة والسيطرة الحيوية عند الخصم ويمكن أن تؤدي إلى الفوضى في البنية التحتية المدنية. وهذا من شأنه جعل الأمر أكثر صعوبة لتوطين صراع محتمل.
وجاء في تقرير فالداي: "الهدف سيكون منع الخصم من القدرة على تنفيذ مقاومة فعالة، على الرغم من أن هذا يرفع بسرعة تكاليف النظام الاقتصادي والسياسي،".
مع وجود مثل هذه التحذيرات، سوف يكون المسؤولون العسكريون دائما في حالة تأهب، ويتوقعون ضربات افتراضية من عدو محتمل في أي وقت. مثل هذا المنطق من المرجح أن يساعد في إحلال السلام والاستقرار في العالم. ولكن، بغض النظر عن ما إذا كان جيدا أم لا، إنما هو حتمي نظرا للاضطرابات الحالية في السياسة العالمية.