أسباب بروز الإرهاب وزيادة قوته بعد "الربيع العربي"
من اهم ملامح مرحلة ما بعد "الربيع العربي"، بروز تنظيم داعش الإرهابي في الشرق الأوسط، وقد حقق هذا التنظيم نقلة نوعية في مسارات عمله، على المستويات الأيدولوجية والعسكرية والتنقية، كما أن آفاق طموحه تختلف عن كل ما سبق لدى التنظيمات والجماعات الإرهابية في العالم.
الجهات غير الحكومية العدوانية الفاعلة
الجهات غير الحكومية الفاعلة التي منحت نفسها الحق في ممارسة العنف، أصبحت عامل زعزعة الاستقرار الرئيسي. وتعززت جميع أنواع التجمعات العرقية والسياسية والطائفية والقبلية على أنقاض الدولة، وفي الوقت نفسه واصلت اضعاف البنية الحكومية. ولظهور وتطور الجماعات الإرهابية، كان من الكافي تغيير التوازن العرقي أو الطائفي المعتاد للقوى في الهياكل الحكومية (العراق)، واختلال التوازن بين الحركة من أجل التغيير واستقرار الدولة نتيجة التدخل الخارجي (عمليات الناتو في ليبيا)، وعملية التدويل السريع للحرب الأهلية (سوريا).
هناك رأي مفاده أن الزيادة في عدد الجهات الفاعلة غير الحكومية، جاء نتيجة الابتكارات التكنولوجية وعدم الكفاءة الحكومية. في جوهرها، الجهات الفاعلة غير الحكومية، بما في ذلك المنظمات التي تستخدم أساليب إرهابية، تذكرنا بانطلاقات المشاريع الجديدة التي تم إنشاؤها باستخدام توقعات النمو السريع والقيمة العالية. بيروقراطية الدولة بطيئة ولا يمكنها التنافس معها، لذلك هي تخسر في ديناميات التأثير على المجتمع.
على الرغم من أن الإرهاب له تاريخ طويل، حتى الآن لا يوجد هناك تعريف، يأخذ بعين الاعتبار جميع الجوانب، التي يمكن أن تكون مشتركة من قبل الجميع. المستوى العالي جدا من تسييس القضية، يجعل من الصعب العثور على توافق في الآراء بشأن منظمة واحدة- كمثال، المعارضة السورية. الشرق الأوسط أنتج المجموعات المحلية التي تستخدم أساليب إرهابية لممارسة الضغط على المجتمع لتحقيق مصالحها الخاصة الضيقة، كما أنتج ظاهرة داعش، التي أعلنت هدفها في مشروع عالمي بديل للدولة. ومع هذا، داعش يمكنها أن تستغل لصالحها الإعتبارات القومية والعرقية والإقليمية، ناهيك عن الطائفية.
داعش: حلول قديمة لتحديات العصر الحديث
لا يمكن لأي من الجماعات الإرهابية أن تتنافس مع داعش في المسائل الأيديولوجية والترويجية والدعم المالي والعسكري لنضالهم.
ضعف الدولة، جعل الفكرة المطروحة من قبل المنظرين للخلافة، جذابة بشكل خاص، والتي بموجبها يمكن ايجاد حلول للعديد من التحديات في عصرنا. حوّل داعش الفكر القديم لنقطة ارتكاز، جذبت الناس في ظروف عدم اليقين في العصر الحديث، وأعطتهم أهدافا استراتيجية وشعورا بأن لديهم مهمة وهدف.
كما أن النداء الأيديولوجي، فضلا عن الوجود الإقليمي الواسع في العراق وسوريا، منح داعش إمكانية الخروج عن إطار المنظمة الإرهابية المعتادة، التي تتميز، وكقاعدة عامة، بعدد مقاتليها المحدود، وعدم وجود قاعدة إقليمية خاصة بها، وافتقارها للدعم المباشر في مناطق من العالم حيث لا تؤدي أنشطتها الهدامة.
ويمكن أن نلاحظ أن المنظمات التي تستخدم نظام الإرهاب، على مدى العقد الماضي، تحولت إلى حد كبير، وعلى ما يبدو، هذه العملية لم تكتمل بعد. ومن الواضح أن الجهاديين ابتعدوا كثيرا عن سابقيهم من اليسار الراديكالي، الذين لم يكن لديهم شبكة متطورة وبنية تحتية تسمح لهم ياستخدام التكنولوجيا لجعل الرعب مميزا للواقع اليومي لمعظم الدول المتقدمة والقوية في العالم، كما كان الأمر في 11 سبتمبر 2001. حينها عملت القاعدة بأدوات بدائية إلى حد أثبت هشاشة الحضارة الحديثة.
بصفتها وريثا لتنظيم القاعدة، عرض داعش أجندته الخاصة وسبل تحقيق أهدافه. وتكمن مهمة داعش في استخدام العنف من أجل تغيير المجتمع (على غرار تشي غيفارا، ولكن بالنسخة الاسلامية)، الذي يجب تهيئته لإقامة خلافة عالمية. في عالم معولم، ينظر لدعوة داعش كنوع من التهديد العالمي، على الرغم من انحصارها حضاريا. تم تحديد الأشكال الجديدة للإرهاب، التي تنسجم مع التوجهات العالمية الحديثة الهجينة.
داعش: مرحلة جديدة في تطور الإرهاب
ومن بين العناصر الجديدة لأنشطة الإرهاب التي يستخدمها داعش، الأكثر خطورة هي:
1. مزج الأعمال الإرهابية من قبل أفراد أو مجموعات صغيرة، مع إنشاء شبه جيوش، مسلحة بأسلحة حديثة.
2. محاولة توسيع نفوذهم في مختلف المناطق من خلال شبكة من الخلايا النائمة والمراكز المتنقلة.
3. منظومة تجنيد قوية عن طريق وسائل التواصل الحديثة، في المقام الأول شبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.
4. التخويف المنتظم للمجتمع من خلال البث العلني لعمليات التعذيب وإعدام الأشخاص.
5. نظام المندوبين، عبر مبايعة المجموعات في شتى البلدان لداعش.
6. تطبيع العنف وفرضه كثقافة باعتباره الوسيلة الوحيدة لتحقيق الأهداف السياسية.
7. التأكيد على عالمية المشروع، بما في ذلك، عبر اختلاف جنسيات وأعمار المشاركين.
أهداف داعش طموحة وغير قابلة للتحقيق
خلافا لأسلافها السابقين، فإن أنشطة هذه المنظمة مخصصة لإعادة تهيئة منطقة الشرق الأوسط، ومن ثم الانتشار في مناطق أخرى، لمحو الحدود المعترف بها، وتدمير الدول القومية وكامل النظام الحديث للعلاقات الدولية والاجتماعية والسياسية. في هذه الحالة، فإن العملية بالنسبة للمشاركين فيها، أهم بكثير من النتائج. فالتنظيم يسعى لتعزيز تواجده في مناطق معينة من سوريا والعراق، وخلق نظام مراقبة خاص هناك (قديم بشكله، ولكن ليس بالضرورة – عديم الكفاءة)، قادر على جذب وضمان استمرارية أتباعه، وتوفير الإمكانيات المادية لوجود أمن لهم واحترام للذات، رغم أنه في شكل خاص جدا.
في الوقت نفسه فروع داعش تمثل تكافل العناصر الدينية المتطرفة والجماعات السياسية المختلفة، التي تنظر لجدول الأعمال الجهادي عل أنه أداة لتحقيق أهدافهم الخاصة. في العراق، هذه الجماعات هم من المهاجرين من النخبة البعثية السابقة أو الصوفية النقشبندية البعيدة جدا عن المثل الداعشية. وفي ليبيا - جزء من زعماء القبائل. ومع ذلك، فإن فكرة أن مجموعة معينة يمكنها أن تستخدم علامة داعش التجارية، حصرا لأغراض التعبئة والتوحيد للظهورعلى الساحة الدولية، مع الحفاظ على الهيكل التنظيمي والجدول المحلي المحدود، خاطئة للغاية. اسم داعش الذي استخدم في البداية لجمع القبائل الصغيرة في مواجهة خصوم أقوياء، دوّل الفرع الليبي لداعش بسرعة، واليوم في الفرع الليبي، لا يوجد قادة محليون تقريبا.