من يخلف المرشد في إيران؟

19.09.2016

عاد الجدل في إيران وخارجها حول خلافة المرشد الإيراني يتصاعد، بعد العملية الجراحية الدقيقة التي أجراها السيد علي خامنئي في العام 2014، لا سيما أن مكانة المرشد فاصلة وحاسمة ولا يدانيها أحد وفقاً لنصوص الدستور الإيراني. بالتالي، وبرغم حلول انتخابات رئاسة الجمهورية صيف العام المقبل، إلا أن الجدل حول هوية الخليفة المحتمل للمرشد يكتسب أهمية استثنائية، تغطي على أي تحليلات لانتخابات رئاسة الجمهورية معلومة الموعد.

وكان المرشد بنفسه قد ناشد «مجلس الخبراء» في غير مناسبة أن يتوخى انتخاب «مرشد ثوري» كخليفة له، كان آخرها قبل شهور قليلة، فيما اعتبره كثيرون تحضيراً من المرشد للرأي العام الإيراني لذلك الأمر. ولعل الشريط المصور الذي يعرض أحد الجرحى الإيرانيين في اجتماع جماهيري مع المرشد وهو جالس على كرسي متحرك، مناشداً المرشد عدم الحديث عن هذا الموضوع المؤلم مرة أخرى، وتأثر الحاضرين والمرشد بكلامه، يوضح سعي المرشد شخصياً لذلك التحضير.

لا يعلم أحد متى سيدعى «مجلس الخبراء» المتكون من ثمانين عضواً ونيف للانعقاد بغرض انتخاب مرشد جديد، فالأعمار بيد الله. ويزيد من غموض الأمر أن الأسماء المطروحة لهذا الموقع المهم محدودة، وربما حتى غير معلومة على نطاق واسع. صحيح أن انتخاب مرشد جديد لا يقارن بانتخاب رئيس جمهورية جديد من حيث المفاجآت، مثل انتخاب خاتمي رئيساً العام 1997 أو أحمدي نجاد العام 2005، وكلاهما كان مغموراً إلى حد ما قبيل انتخابه، لكن أمراً كهذا سيكون صعباً في حال ترشح أي شخص لمنصب المرشد، بسبب المقام الاستثنائي للمنصب من ناحية، ولارتباط المنصب بالكفاءة الدينية الواجبة لقيادة جمهورية إيران الإسلامية من ناحية ثانية، والقدر اللازم من الشعبية من ناحية ثالثة.

على ذلك، ربما يكون الرئيس الحالي حسن روحاني (67 عاماً) مرشحاً محتملاً لدى أنصاره، لكن عدم تمتعه بمقام ديني عال برغم زيه الديني، يقلل من حظوظه إلى حد كبير. يملك روحاني لقب «حجة الإسلام والمسلمين»، الأدنى مرتبة من لقب «آية الله» الذي يملكه حليفه الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني، ذو الباع الطويل في الدولة الإيرانية ومؤسساتها. لكن تقدم عمر الأخير (82 عاماً) لا يضعه مرشحاً جدياً لهذا المنصب، برغم تاريخه ولقبه الديني.

ومنذ سنوات يتردد اسم السيد هاشمي شهرودي (67 عاما) كمرشح محتمل لخلافة المرشد، فهو يملك لقباً دينياً عالياً ويعتمر عمامة سوداء، وله نفوذ إلى حد ما في حوزة قم العلمية وارتباطات تاريخية واسعة في العراق الذي يتحدر منه، لكنه لا يُعتبر محل إجماع بأي حال في إيران. ويُستدل على ذلك من خسارته لمناصب بالانتخاب في مجالس وهيئات إيرانية دستورية خلال السنوات المنصرمة.

يبقى السيد ابراهيم رئيسي ـ غير المعروف على نطاق واسع ـ مرشحاً محتملاً لخلافة المرشد، لا سيما بعد تعيينه من قبل المرشد ذاته سادناً للروضة الرضوية؛ وبالتالي رئيساً للمؤسسات الكبرى المرتبطة بمقام الإمام الرضا، في مشهد ثامن الأئمة عند المسلمين الشيعة. ويعد البعض رئيس السلطة القضائية صادق لاريجاني (55 عاماً) ضمن قائمة المرشحين المحتملين لخلافة المرشد، حيث يعتبرونه «مرشحاً توافقياً» لكل من يعترض على أسماء المرشحين الأخرى الواردة أعلاه. لكن مجرد وجود أخيه علي في رئاسة البرلمان سينال من حظوظه التي تبدو متدنية أصلاً مقارنة بالسيد رئيسي مثلاً. في كل الأحوال سيكون على المرشد المقبل مهمات كثيرة صعبة في الداخل قبل الخارج.

كانت المهمة صعبة على السيد علي خامنئي كخليفة لمؤسس الجمهورية الإسلامية السيد الخميني، بسبب شعبية وكارزمية الأخير التي لا تُضاهى في تاريخ جمهورية إيران الإسلامية. لذلك فقد برع السيد خامنئي في لعبة التوازن بين الأجنحة المختلفة، وتحول مكتبه إلى هيئة استشارات وأبحاث كبرى، وتشكّل فريقه المعاون من خبراء في الشؤون الداخلية الإيرانية والدولية أيضاً.

ربما تعطي النظرة الأولى لسياسات السيد خامنئي الانطباع أنه يميل بشدة إلى التيار المحافظ والمتشدد، لكن النظرة الأعمق للأمور تقول إنه تدخل في غير مناسبة بانتخابات مختلفة لمصلحة التيار الإصلاحي.

ولا يعني ذلك بالطبع أنه يمكن توصيف المرشد الإيراني إصلاحياً، لكن السيد خامنئي ينشد موازنة التيارات الإيرانية المختلفة بعضها ببعض لكي يمنع هيمنة أحدها على باقي التيارات والأجنحة. حتى التيار المحافظ والمتشدد ـ الذي يميل إليه المرشد فكرياً ـ يعرف تنوعا مذهلاً، بحيث يستعصي على التصنيف كتيار منسجم سياسياً، وهو ما سمح للمرشد بالبقاء فوق التيارات السياسية حكماً في لعبة السياسة، مثله في ذلك مثل موقع الحكم في لعبة التنس منذ انتخابه مرشداً العام 1989 حتى الآن. المرة الوحيدة التي اهتزت فيها هذه الصورة كانت في انتخابات الرئاسة العام 2009، عندما تدخل المرشد لمصلحة أحمدي نجاد في مواجهة مير حسين موسوي، وهي المرة التي كلفت المرشد نصيباً لا يستهان به من رأسماله السياسي في الداخل وصورته كحكم بين الأفرقاء.

امتلك المرشد الأول السيد الخميني الكاريزما والشعبية، فيما امتلك المرشد الثاني السيد خامنئي المؤسسات وإجادة لعبة التوازن بين التيارات، أما المرشح الثالث فماذا عساه يمتلك لكي يستطيع الوفاء بمتطلبات المنصب الأرفع في إيران؟ سيستمر الجدل منعقدا في إيران حول خلافة المرشد طيلة الفترة المقبلة، ومن الطبيعي أن تصعد أسهم بعض المرشحين وتهبط أسهم البعض الآخر في المقبل من الشهور، لكن موضوع خلافة المرشد سيظل طاغياً على أي موضوع آخر في إيران، حتى لو كانت انتخابات رئاسة الجمهورية معلومة الموعد في الصيف المقبل!

نشرت للمرة الأولى في "السفير"