أمن الطاقة في دول البلقان: هل هناك أي بديل للغاز الروسي؟

04.04.2016

يستخدم تعبير أمن الطاقة بشكل يومي ولكننا لا نعرف بالضبط ما يعنيه بدقة. لا يوجد جواب واضح سواء في الأبحاث السياسية النظرية أو في الدراسات الأمنية حول أمن الطاقة. حسب التصنيفات المشهورة لـ "باري بوزين" يوجد خمسة مجالات لأمن الطاقة وهي الأمن الاجتماعي والأمن السياسي وأمن البيئة المحيطة والأمن العسكري والأمن الاقتصادي. والسؤال المهم لأي من هذه القطاعات ينتمي أمن الطاقة؟ أو إذا أردنا أن ننظر لأمن الطاقة من خلال أحد هذه القطاعات فهل نستطيع إجراء تصنيفات مشابهة لأمن المياه أو أمن الأراضي الصالحة للزراعة أو غير ذلك؟ الأمن يعني غياب التهديد وبالتالي فإن امن الطاقة يعني توفر مصادر الطاقة. وفي هذه المحاضرة سأتحدث في هذا السياق.
ونظرا لأن دول البلقان تملك موارد طاقة متواضعة،  فإن مستوى التحليل لا يمكن أن يكون على المستوى الوطني أو الإقليمي الضيق بل يجب أن نركز على المستوى الإقليمي الأوسع... والمشكلة مع المستوى الإقليمي الواسع هي كيفية تحديد المنطقة الواسعة؟ البلقان جزء من أوروبا وهي جزء من حوض البحر الأبيض المتوسط كذلك فهي جزء من منطقة الشرق الأدنى الكبير.  وبسبب هذه الأوضاع الجغرافية  والعوامل الجيوسياسية فإنه من الأفضل النظر للبلقان كجزء من غرب أوراسيا.
يقع البلقان في منطقة مهمة لنقل النفط والغاز الطبيعي من الشرق الأوسط وآسيا الوسطى إلى الأسواق الغربية. هذا هو السبب لماذا يتم العمل منذ عام 1993 على خطط لإنشاء ثمانية ممرات حيوية تمر خلال البلقان: خط أنابيب "السيل الجنوبي" وهو يعتبر بديلا لـ "السيل التركي" ، "نابوكو" ، و "خط أنابيب تراتس أدرياتك"، و" آغري "و" الدائري الشرقي "، فضلا عن أنابيب النفط" AMBO "و" CPOT ". لم يتحقق أيا من هذه المشاريع حتى الآن. "السيل الجنوبي" يوصل روسيا مع أوروبا الغربية عبر بلغاريا وصربيا والمجر وسلوفينيا، وهو المشروع الأكثر أهمية بدون أدنى شك، لأنه المشروع الوحيد المستدام. أما في ظل الظروف الحالية فإنه من الصعب أن نتوقع إنجاز السيل التركي. نابوكو كان المشروع الطموح ولكنه غير الواقعي. أما سائر أنابيب الغاز الأخرى ( تاب وآغري والدائري الشرقي) فقد كان لديها وظيفة مزدوجة. أولا كانت للتأثير على تخفيض استهلاك الغاز الروسي في سوق الاتحاد الأوروبي؛ وثانيا لإقناع قيادات دول البلقان أن قضية أمن الطاقة يمكن حلها عن طريق الاعتماد على المشاريع الأخرى، التي لا يوجد مشاركة روسيا فيها. إن كلتا القضيتين قابلتين للنقاش.
لقد كان أكبر مشروع غربي للطاقة يهم دول البلقان في العقدين الماضيين هو خط أنابيب نابوكو. وعلى الرغم من أن بناء هذا الخط يعتبر أولوية سياسية بالنسبة للولايات المتحدة فقد اتضح أنه لا يمكن أن يكون لديه القدرة على المنافسة مع خط أنابيب "السيل الجنوبي" وذلك لأن قدرة خط أنابيب ناباكو هي 31 مليار متر مكعب من الغاز سنويا، وهي فقط نصف طاقة "السيل الجنوبي" أو "السيل لتركي". بالإضافة إلى ذلك فإنه لم يتضح بعد من أين سيحصل خط  "نابوكو" الكمية المطلوبة من الغاز، يستطيع "شاه دنيز" في أذربيجان أن يملأ الأنابيب بحد أقصى 16 مليار متر مكعب سنويا. السؤال الأكثر أهمية هو سعر الغاز الذي سيتم توزيعه، بسبب طول خط الأنابيب والتكاليف المرتبطة بتوفير أمن خط الأنابيب ضمن المناطق غير المستقرة. لذلك وحتى لو وصل الأمر إلى تحقيق مشروع "ناباكو" فإنه لن يكون من الممكن توفير بديل موثوق وكاف للطاقة الروسية  ولا يمكن أن تقلل أوروبا من الاعتماد على الطاقة من روسيا. الشيء نفسه ينطبق على الخطوط الأخرى التي لن تكون فاعلة أو مؤثرة على اعتماد أوروبا على الطاقة الروسية.
يبرز السؤال ذاته في حالة خط أنابيب "ترانس أدرياتيك" كما في حالة خط أنابيب "نابوكو"، هناك قلق دائم إذا كان الغاز من أذربيجان يمكن أن يكون بديلا للاحتياطيات الأساسية للغاز من روسيا. وليس من المؤكد أن الاحتياطيات في أذربيجان هي بكميات كبيرة بما فيه الكفاية. أولا وقبل كل شيء، فإن ملكية "شاه دنيز"، أكبر حقل للغاز والأكثر أهمية في أذربيجان تعتبر معقدة للغاية. حيث تمتلك شركة "بريتيش بيتروليوم"  28.8 % من الأسهم، وشركة "تباو" التركية TPAO 19%، وشركة "سوكار" الأذرية 16.7% ، وشركة "بتروناس" الماليزية  15.5%  و"لوك أويل" الروسية 10% وشركة النفط الوطنية الايرانية 10 فى المئة. ويقع حقل "شاه دنيز" للغاز في أذربيجان، ولكنه ليس في ملكية أذربيجان. الشيء الثاني هو أن أوزبكستان لديها  حتياطيات مؤكدة أكثر من أذربيجان بمرتين وتركمانستان أكثر ب 20 مرة.
وتحتل أذربيجان المرتبة 28 على قائمة البلدان من حيث احتياطيات الغاز الطبيعي المؤكدة، احتياطيات الغاز المؤكدة في أذربيجان ليست كافية لتكون بديلا واقعيا عن الغاز الروسي. هذا السؤال هو أكثر أهمية عند إدراك أنه من المفترض أيضا أن تستخدم احتياطيات الغاز في أذربيجان في طريقين بديلين جديدين. واحد منهم هو "الدائري الشرقي" الذي ينبغي أن يربط تركيا وبلغاريا ورومانيا والمجر، والثاني هو مشروع "آغري" AGRI  لخط أنابيب الغاز النفطي المسال الذي يربط أذربيجان وجورجيا ورومانيا وإيطاليا. سيتم نقل الغاز النفطي المسال بواسطة صهاريج من جورجيا إلى رومانيا، ومن رومانيا الى ايطاليا سوف يمتد خط الانابيب عبر الأراضي الصربية والكرواتية. ومع ذلك، وبالرغم من الإعلان عن هذين المشروعين، إلا أنه مازال من غير المعروف من الذي سيمول المهمة بأكملها، ومدى ربحية هذه المشاريع وماهو سعر البيع عند نقطة الوصول. شيء واحد عن الأسعار: اليوم، سعر الغاز الطبيعي حوالي 230 والغاز المسال 470 دولار أمريكي، وإذا ما قارنا فقد كانت الأسعار في عام 2014 للغاز الطبيعي حوالي 350 والغاز المسال 1000 دولار أمريكي. لذلك، الغاز المسال هو أكثر تكلفة الغاز الطبيعي ثم 2-3 مرات.
ويريد الاتحاد الأوروبي تقليل الاعتماد على استيراد الطاقة من روسيا وغيرها من المنتجين. لذلك، بدأ الاتحاد الأوروبي عددا من البرامج، وذلك بهدف زيادة حصة الطاقة من المصادر المتجددة. ومع ذلك، فإن هذه العملية بطيئة على الأقل في النصف الأول من القرن ال21، وسيبقى الوقود الأحفوري مصدر الطاقة الرئيسي. وتأتي أكثر من 70 في المئة من الطاقة في أوروبا من الوقود الأحفوري.
عندما يتعلق الأمر بالوقود الأحفوري، فمن الضروري التأكيد على أن احتياطيات الفحم سيتم استنفاذها بسرعة، وهناك مشاكل بيئية عديدة مع الاستخدام المفرط للنفط. هذا هو السبب في أن الغاز أصبح مصدرا للطاقة أكثر شعبية وأكثر قبولا. بالنسبة للاتحاد الأوروبي ودول البلقان يتم اعتماد استراتيجية الطاقة على توافر مصادر الطاقة. ومن المناسب لبلدان جنوب شرق أوروبا، باستثناء ألبانيا ومولدوفا، أن أمن الطاقة حاليا يعتمد على الفحم. ومع ذلك، يتم استنفاد احتياطيات الفحم بسرعة، وأصبح من الضروري أن نبحث عن بديل مستدام. وقد وقعت دول جنوب شرق أوروبا في عام 2015 اتفاقا مع الاتحاد الأوروبي حول ما يسمى حزمة الطاقة الثالثة، الذي يحدد حقوق والتزامات الدول في سوق الطاقة المشترك. لكن، وكما في حالة أزمة المهاجرين، عندما اتضح أن اتفاقيتي شنغن ودبلن ليستا إطارا قانونيا كافيا لحل المشكلات، فقد حدث الشيء نفسه في سوق الطاقة المشترك في عام 2016، عندما أعلمت المفوضية الأوروبية صربيا، أنها خارج خطة إمدادات الغاز الطارئة لهذا العام من دون أي تفسير مقبول. وبطبيعة الحال، فإن مسألة إمدادات الطاقة لاتزال إلى حد كبير جزءا من المسألة القومية للاتحاد الأوربي.
وفقا لتحليلات عديدة فإن الطريقة الأبسط  والأكثر قبولا من حيث الكلفة والبيئة هو وصل أنابيب الغاز مع المصادر الكبيرة للغاز على المستوى الأوسع في الإقليم، وأقرب مصادر الغاز الطبيعي الكبيرة موجودة في روسيا وإيران وتركمانستان. عندما يتعلق الأمر بالغاز الطبيعي و تركمانستان فهذا البلد هو في شراكة إستراتيجية مع الصين. أما عندما يتعلق الأمر بالغاز الطبيعي وإيران فإن الأمر أكثر صعوبة لاستغلال واستثمار الغاز الإيراني لما يتطلبه من نفقات وكذلك الحاجة للكثير من المعرفة، حيث كانت هذه البلاد في ظل العقوبات منذ فترة طويلة. السؤال المهم إذا من يستطيع تقديم العرض المناسب؟ الجواب بسيط: "غازبروم" وشركة "بريتيش بتروليوم". وهنا يظهر الدور الروسي مرة أخرى فلا تنمية مستدامة لدول البلقان من دون روسيا.