عامان على حظر المنتجات الغذائية الغربية.. ضرر للإقتصاد الروسي أم فرصة لإحياء الإنتاج المحلي
صادف يوم 5 أغسطس/آب، مرور عامين على فرض روسيا حظرا غذائيا ردا على العقوبات الغربية التي فرضت عليها. حينها وعدت الحكومة بمنع محاولات التلاعب والمضاربة في الاسعار منعا باتا. ولكن، كما تشير الإحصاءات،ارتفعت أسعار المواد الغذائية للمستهلكين في البلاد بنسبة 24٪ في غضون عامين، والمنتجات أصبحت أكثر تكلفة بمعدل الثلث. روسيا ستشهد عاما ونصف العام آخرين على الأقل في ظل إجراءات العقوبات الردية، التي تصفها الحكومة بالضرورية. ويعتقد بعض الخبراء أنه لو بقيت جميع المنتجات المحظورة على رفوف المتاجر الروسية، لربما كان ارتفاع الأسعار أعلى من ذلك.
ووفقا لبيانات دائرة الإحصاء الروسية "روستات"، فإن عامين من الخظر الغذائيأسفرت عن ارتفاع الأسعار للمستهلك بنسبة 24٪ في البلاد، وأسعار الغذاء بحوالي 30٪. وقد ارتفعت أسعار المنتجات السمكية بنسبة تزيد عن 40٪، والفواكه والخضروات - أكثر من 30٪ والحليب ومنتجات الألبان - بنسبة 20٪ واللحوم والدواجن - بأكثر من 10٪.
وتؤكد بيانات وزارة التنمية الاقتصادية هذا الإرتفاع بالأسعار. وقالت الوزارة إن الحظر أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة 31.6٪ خلال العامين. ومع ذلك، لم يكن هذا الأمر النقطة الرئيسية في تقرير الوزارة، ولكن في أن السوق الروسية وفقا للمسؤولين، تكيفت مع ظروف الحظر الغذائي، "انخفضت مساهمة الغذاء في معدل التضخم السنوي في يونيو/حزيران إلى 31٪، بعد أن يلغت الذروة بنسبة 52٪ في فبراير/شباط 2015".
يذكر أنه تم إعتماد المرسوم الرئاسي بتاريخ 6 أغسطس/آب 2014، والذي ينص على فرض حظر على استيراد منتجات غذائية من عدد من الدول الغربية التي فرضت عقوبات ضد روسيا. وفي يوم 7 أغسطس/آب بدأ تنفيذ المرسوم الرئاسي، ووقع رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف على مرسوم يحظر واردات اللحوم والدواجن والأسماك والخضروات والفواكه والحليب من أوروبا والولايات المتحدة وكندا واستراليا والنرويج. وقد تم حيتها اعتبار هذا الإجراء حالة طارئة ومؤقتة.
وبالطبع، كانت هناك خشية من نقص الغذاء وارتفاع الأسعار. وطمأنت الحكومة، مؤكدة أن الحصار سيكون مفيدا لإعادة إحياء الانتاج المحلي، كما أن روسيا بإمكانها اللجوء إلى موردين من البلدان الأخرى - البرازيل، الأرجنتين، تركيا، إسرائيل، أوزبكستان وأذربيجان وروسيا البيضاء. وقال ديمتري ميدفيديف إن "أي محاولة للربح عبر المضاربة في هذه الحالة، سيتم قمعها بشكل صارم". وتم توكيل وزارة الزراعة، ووزارة التنمية الاقتصادية، ووزارة الصناعة ودائرة مكافحة الاحتكار بتنظيم العمل مع تجار التجزئة والشركات المصنعة للمنتجات للتخفيف من الآثار السلبية.
وفيما بعد، أصبح واضحا أن الحصار ليس تدبيرا مؤقتا، وأن وعود الحكومة بعيدة كل البعد عن الوضع الحقيقي. وتم تمديد الحظر الغذائي أكثر من مرة بعد تمديد العقوبات ضد روسيا. والآن، بقرار من فلاديمير بوتين، الحظر ساري المفعول حتى نهاية عام 2017. وتشير الحكومة الروسية أن هذه التدابير كانت مفيدة بالنسبة لروسيا. إذ قال وزير الزراعة الكسندر تكاتشيوف إن "تمديد العقوبات - هو بلسم للروح، لأننا نرى كيف أن العقوبات تؤثر إيجابيا وتدعم اقتصادنا، الزراعي خاصة".
يذكر أن تكاتشيوف قد أثار الإهتمام مرارا وتكرارا بموقفه المتفائل. ففي فصل شتاء عام 2015، أصر على أن روسيا قادرة على الوفاء باحتياجاتها من المنتجات الضرورية كلها تقريبا. وقال الوزير "يمكننا جميعا أن تزرع في المنزل، باستثناء الحمضيات والتين والموز. الخضروات والتوت وحتى المحار، وبلح البحر، كلها على ساحل البحر الأسود وفي شبه جزيرة القرم. ناهيك عن اللحوم، والحليب، الخ".
وأدى تطور الأحداث السريع على خلفية الصراعات الجديدة، إلى تجدد قائمة الدول المحظورة، بما في ذلك البلدان التي اعتبرت سابقا بديلا موثوقا به - ولا سيما تركيا. كما ان الحظر الغذائي تضخم باللوائح الإضافية. وقبل عام، سنت السلطات تشريعا يتص على تدمير المنتجات التي انتهكت الحظر ودخلت أراضي الاتحاد الروسي. وقالت دائرة الصحافة التابعة لوزارة الزراعة أنه من 6 أغسطس/آب 2015 وحتى الأول من أغسطس/آب 2016، تمت مصادرة 7,7 أطنان من المنتجات وتم تدمير 7.5 أطنان منها.
وأدت الأزمة الإقتصادية وارتفاع أسعار المنتجات الغذائية في روسيا خلال 24 شهرا متتالية، وفق آراء علماء الاجتماع، إلى لجوء المواطنين الروس للتقليل من نفقاتهم على الغذاء، مشيرين إلى أن المواطنين الآن إما أنهم يقللون من النفقات وجودة الطعام أو أنهم يلجأون إلى سبل الإكتفاء الذاتي عبر الزراعة المنزلية وتربية الحيوانات والطيور.
وبرأي بعض الخبراء، كان من الممكن أن تكون الأوضاع أسوأ. على سبيل المثال، لو لم يتم فرض الحظر، لربما ارتفعت الأسعار أكثر. يقول المحلل من مؤسسة IFC Markets ديمتري لوكاشوف إن "تخفيض حصة الواردات أدى إلى تباطؤ التضخم، بدلا من نموه، ذلك أن تكلفة السلع المستوردة نمت نتيجة لانخفاض قيمة الروبل، بنسبة 40-60٪ في بعض الحالات". وأضاف المحلل سيرغي زفينيغورود "إعادة توجيه المصنعين والبائعين إلى الموارد الداخلية لم ينته بعد، ولكن لا يوجد الاعتماد شامل على الواردات".
وفي الوقت نفسه، الشريك الإداري لشركة "2K " تمارا كاسيانوفا، أشارت إلى أن الإنتاج الزراعي المحلي أيضا يعتمد على الواردات، "الأسمدة الأجنبية والتسميد، الخ. كل هذه الواردات الضرورية رفعت أسعار الفواكه والخضروات. كما أن المعدات اللازمة للإنتاج والتي تم شراؤها من الخارج، أيضا رفعت أسعار المنتجات على خلفية انخفاض قيمة الروبل. كما أن المشتريات من الإضافات الغذائية، والأصباغ وإضافات الطعم أدت أيضا إلى ارتفاع الأسعار، وعلاوة على ذلك، ووفقا لكاسيانوف، هذا الأمر لا ينطبق على كل المنتجات، ففي حالات عدة، يبدو ارتفاع أسعار عدد من السلع غير قابل للتفسير – مثل زيت عباد الشمس والحبوب والسكر (المنتجات المحلية). وكما يتضح من بيانات "روستات"، ارتفعت أسعار الحبوب والبقوليات بنسبة 65٪ في غضون عامين، وزيت عباد الشمس بنسبة 55٪ والسكر بأكثر من 40٪.
"وأضافت كاسيانوفا أن "النتيجة الإجمالية لنظام العقوبات في سوق المواد الغذائية، هي زيادة سعر المنتجات، والنزوح الجماعي للمستهلكين إلى قطاع التوفير". ومع ذلك، تلاحظ الخبيرة، أن هذه التغيرات ناتجة ليس فقط على الحظر الغذائي، بل عن الأزمة الاقتصادية أيضا. مشيرة إلى أن نمو أسعار المواد الغذائية قدتوقف الآن، مستبعدة أن يكون "التكيف مع الحظر" سببا وراء ذلك.
وكما أشارت مساعدة وزير التنمية الاقتصادية الروسية يلينا لاشكينا، كل خطط الوزارة المستقبلية، مبنية على تمديد الحظر الغذائي حتى نهاية عام 2017، مشيرة إلى أن "التأثير الرئيسي لللحظر قد ولى بالفعل، وهذا يعني أنهلن تكون هناك تغيرات كبيرة في أسعار المواد الغذائية".