عام على التدخل الروسي في سوريا
لا أزال أتذكر تلك الأيام الصعبة التي كنا نعيشها كسوريين، وكيف كنا ننتظر الأسوأ منها، قبل أن يزهر الأمل في نفوسنا من خلال التدخل الروسي في الحرب السورية في 30 أيلول 2015، لقد كان الإرهاب التكفيري يمتد ويكبر على الأرض السورية، وعندما يمتد إلى منطقة جديدة فهذا يعني أن مذبحة جديدة تنتظر الناس في تلك المنطقة أو أن نزوحا جديدا إلى المناطق التي تسيطر عليها الدولة أو إلى أي مكان آخر متاح سيحدث، لأن هؤلاء الإرهابيين لا يرحمون أحدا ولا يقبلون الآخر مهما كان دينه أو فكره أو عرقه.
منذ عام ونحن نعيش في اطمئنان نسبي، فلا اطمئنان كامل في سوريا، بعد أن ابتعد الإرهاب عن المنطقة التي نعيش فيها وعن مناطق كثيرة على مساحة الوطن السوري بفضل المساعدة الروسية التي تتمثل بالضربات المركزة التي تنفذها القوات الجوية الروسية على معاقل الإرهابيين على الأرض السورية، ولم يكن هذا المجهود الروسي الكبير بدون أثمان باهظة، فقد اختلطت دماء الشعب الروسي والشعب السوري على الأرض السورية، وكأنها تقول أن دماء المشرقيين اختلطت على الأرض السورية لتوحد مصيرهم في معركة اليوم كما كانوا دائما موحدين ضمن منظومة القيم التي ترفض الظلم وتكرس قيم السماء لتأمين الحياة السعيدة للناس بعيدا عن جشع ومادية العالم الغربي.
عام كامل حدث فيه الكثير الكثير من الانجازات بفضل هذا التدخل الروسي وبفضل التعاون بين مجموعة متجانسة من الحلفاء والأصدقاء وجدوا أنفسهم في موقع واحد بحكم الحاجة إلى محاربة الإرهاب الذي يهدد العالم، وبحكم الحاجة إلى إيقاف الفوضى التي تزرعها الولايات المتحدة وحلفاؤها في المنطقة لزعزعة الاستقرار في العالم كله، ولتحقيق الأهداف البعيدة التي ترسمها للسيطرة على العالم وترسيخ القطبية الأحادية وسيطرة الليبرالية الجديدة المتوحشة على العالم بأكمله.
إن الإنجازات التي تحققت في عام واحد بعد التدخل الروسي في سوريا كثيرة ولعل من أهمها:
انتهاء زمن القطبية الأحادية بوضوح وبداية تشكل نظام عالمي جديد
عودة روسيا للعب دورها التاريخي في المنطقة والعالم كقوة عظمى
بدأت الصين، بفضل الموقف الروسي، بلعب الدور الذي يناسب حجمها الاقتصادي والتاريخي والعسكري في سوريا وفي العالم كقوة عظمى
تغير الصورة في منطقة الشرق الأوسط وبداية تشكل شرق أوسط جديد مختلف عن ذلك الشرق الأوسط الذي أرادته وخططت له الولايات المتحدة الأمريكية
حلفاء روسيا وحلفاء محور منظومة القيم التي تمثلها روسيا باقون، وحلفاء الولايات المتحدة يشترون ويباعون إلا من وعى منهم الدرس مبكرا وغير موقعه
انكشاف الإستراتيجية الأمريكية التي تعتمد القوة الناعمة والحروب المختلطة والثورات الملونة
انكشاف خطر الإيديولوجيات التكفيرية التي تستخدمها الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون لزعزعة استقرار العالم
بداية تشكل صحوة عالمية جديدة ترفض الإرهاب بكل أشكاله وتؤسس لعالم يعتمد القيم الإنسانية ويرفض الهيمنة الاستعمارية وتؤكد أن الشعوب مهما كانت صغيرة تستطيع الدفاع عن أوطانها إذا كانت تحمل الإيمان بقيم السماء وترفض الهيمنة الاستعمارية والجشع المالي الذي تمثله الليبرالية الجديدة.
نحن في سوريا سنبقى نذكر بفخر كبير كل أولئك الشهداء العظام الذين ضحوا بدمائهم لتبقى سوريا، وسنذكر دائما أن روسيا وشعبها وقيادتها قد حفظوا سوريا من مخطط أرادها مدمرة بشكل كامل بشعبها وحضارتها وبنيانها، ولا بد أن نذكر هنا أن كل ما قدمه الشعب السوري في هذه الحرب المفروضة على سوريا هو أقل بكثير من الخسائر التي كانت ستحصل لو نجح المحور الأمريكي الغربي الإسرائيلي في مخططه ضد سوريا.