علي لاريجاني: رئيس إيران المحتمل

19.12.2016

تجلس في مبنى المؤتمرات الشهير الواقع في العاصمة الإيرانية طهران في الصف الأول الدائري المواجه للمنصة. في الأسفل قليلاً تصطفّ مجموعة من المقاعد لاستقبال الخطباء ومرافقيهم، وخطيب الافتتاح لهذا المؤتمر المهم، عن الترتيبات الأمنية والإقليمية لمنطقة غرب آسيا، هو رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني. الأخير هو ابن آية الله هاشمي آملي رجل الدين الإيراني الشهير، وشقيق صادق لاريجاني رئيس السلطة القضائية في إيران، ومحمد جواد لاريجاني مستشار المرشد للشؤون الدولية ورئيس جمعية حقوق الإنسان في إيران، وباقر لاريجاني عميد جامعة طهران للعلوم الطبية.

أربعة إخوة يتولون مواقع استثنائية في جمهورية إيران الإسلامية، وهي تجربة غير مسبوقة. تخرج من تأملاتك على وقع بعض الجلبة، فتوجّه بصرك إلى مدخل القاعة، فتجد شخصاً نحيلاً طويل القامة يرتدي نظارة طبية وبذلة رمادية وقميصاً من دون «كرافات» يسير باتجاه مقاعد الخطباء وحوله الحراس بالملابس المدنية. تعرف رئيس البرلمان علي لاريجاني من سمته المميّز. لتوزيع التحية والسلام في دوائر الحكم الإيرانية طابع مميز، يمزج بين «التعارف» والتراتبية العمرية والسلطوية. يهرع منظمو المؤتمر إلى لاريجاني للسلام فيسلّم عليهم واقفاً، ويوزع إشارات التحية من يديه على غيرهم ممن هم على بعد أمتار من دون أن يشدّ على أيديهم. إشارات اليد بالتحية إما تكون بضم راحة اليد اليمنى إلى الصدر، أو رفع راحة اليد إلى الرأس، في حال كان الشخص الموجّهة إليه التحية أكبر سناً. البعض ممن يتوجه إليهم لاريجاني بالتحية يستحق منه نصف وقفة من المقعد، بعضهم يستأهل التحية وقوفاً، والبعض الثالث عليه أن يكتفي بإشارة التحية جلوساً.

بعد انتهاء السلامات على الحاضرين، يجلس رئيس البرلمان في هدوء ويهرع إليه المصوّرون لالتقاط الصور. على يمينه يجلس رجل دين معمّم بعمامة سوداء تشي بالانتساب إلى آل بيت النبي (صلعم)، لكن لا تعرف له منصباً رسمياً. تبدو حركات جسد لاريجاني معتادة على لمعان الكاميرات وانحناءات أجسام المصورين أمامه وحريصة على استيفاء الشكل. يفتتح منظمو المؤتمر الكلمات، ويقدمون رئيس البرلمان للحديث في افتتاح المؤتمر.

ينهض لاريجاني وسط صيحات الصلاة على النبي (صلعم) ويمشي باتجاه المنصة، لا مسرعاً ولا متثاقلاً. في مشيته النادرة الإيقاع يسبح لاريجاني في بحر الكاميرات والسلامات والصلوات على النبي وآله، ويصعد بعزم الدرجات القليلة الفاصلة عن منصة الكلام، قبل أن يخرج من جيب بذلته ورقته التي أُعدت له بعناية.

تدرج لاريجاني المولود في النجف الأشرف بالعام 1957 في المناصب العليا لجمهورية إيران الإسلامية، من الانتساب لمؤسسة «الحرس الثوري» طيلة عقد الثمانينيات ومصاهرة مفكر الثورة الإيرانية رجل الدين النافذ آية الله مطهري، إلى وزير الثقافة خلفاً للوزير المستقيل ساعتها محمد خاتمي العام 1992، إلى مسؤول اتحاد الإذاعة والتلفزيون لمدة عشر سنوات ابتداء من العام 1994، إلى المستشار الأمني لمرشد الجمهورية علي خامنئي العام 2004. ثم ترشح لاريجاني لانتخابات رئاسة الجمهورية العام 2005، فحلّ في المركز السادس. في العام ذاته، عيّن مرشد الجمهورية الشخص الطموح علي لاريجاني في منصب سكرتير مجلس الأمن القومي بدلاً من حسن روحاني، الذي كانت أبرز مهامه آنذاك التفاوض مع الغرب حول الملف النووي الإيراني. وكان روحاني قد اتهم ساعتها من بعض الدوائر المحافظة بتقديم تنازلات تفاوضية كبيرة.
ثم ربح لاريجاني مقعداً في انتخابات البرلمان الإيراني العام 2008 عن قم، ثم انتخب رئيساً للبرلمان وساهم إلى حد كبير في تحجيم اندفاعة محمود أحمدي نجاد في فترة ولايته الثانية. ثم أعاد علي لاريجاني الكرّة عامي 2012 و2016، سواء بالترشح عن دائرة قم أو بانتخابه رئيساً للبرلمان. لا تلحظ في نبرة صوت لاريجاني أو حركات جسده توتراً من أي نوع، فالاطمئنان إلى البقاء في قلب السلطة أمر لا تصعب رؤيته.

خمسة شهور تفصلنا عن انتخابات رئاسة الجمهورية في إيران، وفرص الرئيس حسن روحاني تتقلّص رويداً رويداً مع انبلاج صورة الفريق المعاون للرئيس الأميركي دونالد ترامب. لا يريد النظام الإيراني شخصاً على قياس أحمدي نجاد قد يورّطه في معارك عسكرية، ولا تناسبه في الوقت ذاته سياسات روحاني، لذلك فالأوفق اختيار مرشح محافظ ولكنه مرن في الوقت نفسه. في هذا السياق تبدو كل الأدوار السياسية لعلي لاريجاني متعدّد المواهب في معية المرشد ممكنة، حتى دور رئيس الجمهورية إن تطلب الأمر!

نشرت للمرة الأولى في "السفير"