الوجه الحقيقي "لاعتدال" جبهة النصرة.. تجنيد للأطفال وإعدامات للمعارضين
سعت "جبهة النصرة" فرع تنظيم "القاعدة" في سوريا، على مدار السنوات السابقة لتسويق نفسها وأعضائها، باعتبارها تنظيمًا إسلاميًّا "مُعتدلًا"، كما يُفترض، ينأى بنفسه وبأعضائه عن نموذج العُنف الذي يُقدّمه تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، مع تطبيقها الشرع كما تراه، داخل المناطق الخاضعة لسيطرتها.
هذه الصورة التي تُقَدَّم بها الجبهة، توازيها وقائع انتهاكات مارستها داخل المناطق التي تخضع لسيطرتها في سوريا، تنوعت بين تجنيد للأطفال في أعمار سنيّة صغيرة، وتطبيق سياسات انتقامية حيال كُل معترض على مُمارستها، ومحاولة فرض أنماط معيشية على الجميع.
تجنيد الأطفال.. وقود حرب "النصرة"
تجنيد الأطفال المنتمين للقرى والمدن التي تخضع لسيطرة "جبهة النصرة"، كانت الوسيلة الأكثر فاعلية في توسيع نفوذها في مناطق جديدة، إذ أتاحت "جبهة النصرة" لآلاف الجنود في المناطق الواقعة تحت سيطرتها، معسكرات تدريبية شاملة، يخضعون خلالها لبرامج تدريب عسكرية تؤهلهم للحرب والتأقلم على ظروفها.
وتصل أعمار هؤلاء الأطفال الذين تم تجنيدهم قسريًا، إلى 14 عامًا، تستخدمهم في التجسس، وتنفيذ عمليات انتحارية.
كان آخر رصد معنيّ بتوثيق أعداد الأطفال المفقودين خلال الحرب السورية، والذي نشره مركز توثيق الانتهاكات، وهو مركز مراقبة سورية، وذلك في يونيو/حزيران 2014، قد وثّق مقتل 194 طفلًا "غير مدنيٍّ" في سوريا، منذ سبتمبر/أيلول 2011، ومن جهة أُخرى، فقد وثقت عدة منظمات حقوقية مُستقلة عدد الأطفال المجندين في "جبهة النصرة"، بحوالي 500 طفل.
وتستغل "جبهة النصرة" فقر بعض الأسر السورية وشدة احتياجهم، في إغرائهم بالعطايا مقابل تجنيد أطفالهم، إذ تدفع لهم معاشًا يصل إلى 100 دولار، يُضاف إلى ذلك استخدامها أساليب الترهيب، بخاصة في المناطق التي تخضع لسيطرتها الميدانية.
أحد هؤلاء الأطفال، الذي جندته "جبهة النصرة" من مدينة درعا، هو ماجد البالغ من العمر 16 عامًا. وينقل تقرير لمنظمة "هيومان رايتس ووتش"، عن ماجد ظروف تجنيده: "الجبهة وفرت لنا التعليم المجاني في مسجد، والذي اشتمل على التدريب العسكري والتدريب على إ"لاق النار. كما أن القادة طلبوا من الأطفال والبالغين على السواء، التوقيع على كشف تطوعي لأداء عمليات انتحارية، وتأكيد القادة لنا أننا قد اختارنا الله لذلك".
ومع توسع "الجبهة" في تجنيد الأطفال، انتشرت جداريات في مدينتي إدلب وسرمدا، تُطالب بوقف انتهاكات "الجبهة" بحق الأطفال، كما أن بعض الأطفال قد تجمهر في أحد شوارع إدلب، في وقفة احتجاجية ضد تجنيد الأطفال.
عنف "جبهة النصرة" والإعتقالات التعسفية والتعذيب
وفي ما يبدو مُنافيًا لما تسعى "الجبهة" إلى تصديره عن نفسها، باعتبارها حركة مُقاومة مُعتدلة؛ تنتهج الجبهة أساليب مُفرطة في العنف، مع التظاهرات المناهضة لبعض ممارساتها في المناطق الخاضعة لسيطرتها.
في شهر مايو/أيار 2016، أطلقت عناصر تابعة لـ"النصرة"، النيران تجاه مجموعات في الغوطة، ما أدى إلى وقوع مئات الضحايا، كما اقتحمت بلدة كفرومة، في ريف إدلب الجنوبي، أواخر فبراير/شباط، ما أسفر عن اعتقالها عددًا ممن كانوا في تظاهرة مناهضة لممارسات الجبهة.
كذلك، فإن الأمر حاسم بالنسبة للجبهة مع أي تظاهرة لذوي المعتقلين، إذ يكون تعاملها معها بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين، وهو ما حدث في مدينة كفرنبل، حيث خرجت تظاهرة احتجاجية على أوضاع المعتقلين في سجون الجبهة، علا صوت المشاركين فيها بهتاف: "يلعن روحك يا جولاني"، قبل أن تنتهي بوقوع عشرات الضحايا من المتظاهرين.
وتمتد السياسات العقابية للجبهة تجاه السكان المناوئين لسياستها الداخلية، إلى عقوبة الإعدام. محمد عبد الستار عبيد، ابن مدينة سراقب، هو واحد من هؤلاء الذين تعرضوا لهذه السياسات العقابية، إذ جرى اعتقاله ستة أشهر، قبل أن يُنفذ فيه حكم الإعدام في ساحة سلقين، أمام حشد من العامة، وهو أمر تكرر مع 20 مدنيًا من الطائفة الدرزية، في قلب اللوز، بمحافظة إدلب، وذلك في يونيو/حزيران 2015. وكانت آخر وقائع الإعدام التي نفذتها الجبهة، ضد امرأة من بلدة معرّة المصريين، في ريف إدلب، وذلك بتهمة "الزنا".
وقد امتدت السياسات العقابية التي تنتهجها الجبهة، إلى قادة عسكريين في "الجيش الحر"، كما حدث مع قصي علي الملّا، قائد كتيبة البراء، التابعة للواء الإخلاص بالجيش الحر، إذ ألقت الجبهة القبض عليه في ريف إدلب، قبل أن تسوء أوضاعه في السجن، ويلقى حتفه.
أمرٌ مُشابه تكرر مع هزاع عدنان الهزاع، الناشط السوري في كفرنبل، إذ اعتقلته الجبهة من بيته بسبب منشوراته على مواقع التواصل الاجتماعي، التي انتقد فيها أحد أمراء التنظيم.
وامتدت سياسات الاعتقال والتنكيل للإعلاميين المخالفين لسياسات الجبهة، إذ اعتقلت "جبهة النصرة" عددًا من النشطاء الإعلاميين البارزين كالناشطين الإعلاميين السوريين هادي العبدالله ورائد فارس، خلال تواجدهما في مقر إذاعة محلية، يعملان فيها في مدينة كفرنبل بمحافظة إدلب، وذلك احتجاجًا على أداء الإذاعة التي تبث برامج منوعة وسياسية، وبعد اتهامه "بالعلمانية وموالاة الكفار".
الدفع بالدولار.. سياسة "جبهة النصرة" لجباية الأموال
سعت "جبهة النصرة" لتطبيق سياسة قائمة على جباية الأموال من المناطق التي تخضع لسيطرتها، إذ أنشأت عددًا من المؤسسات التابعة لها، والتي شملت ما أسمتها "إدارة المناطق المحررة"، وهي إدارة يُعهد إليها تسيير أمور كجمع الضرائب وتحصيل فواتير المياه والكهرباء، وذلك في المناطق الخاضعة لسيطرة الجبهة في إدلب.
كما تضمنت هذه السياسة فرض ضرائب على المستأجرين لمتاجر الجامع الكبير في كفرنبل، والتي بلغت 50 دولارًا شهريًا على كُل محل، كما أجبرت أصحاب المحال على دفع أموال الزكاة لها، وذلك في عدد من بلدات ريف حلب، من بينها حزانو والدانا.
يُذكر أن معظم البلدات والمدن الواقعة في محافظات حلب، وكذلك معظم شمال محافظة إدلب باستثناء قريتي كفريا والفوعة المواليتين للنظام السوري، بالإضافة إلى مطار أبوالظهور العسكري؛ تخضع لسيطرة "جبهة النصرة"، إلى جانب مناطق في جنوب سوريا، إذ إنها تسيطر على درعا، وداعل، ونوى، ومناطق حدودية مع إسرائيل كالقنيطرة، وأجزاء من مرتفعات الجولان.
موقع "ساسة بوست"