التوجه الأوكراني نحو الشراكة الأوروبية.. بين مطرقة الشرق وسندان الغرب

03.05.2016

تنظر كييف إلى نتائج الاستفتاء الهولندي على أنها "خطوة تخريبية"، نفذها المتشككون بفكرة الوحدة الأوروبية، من أجل التعدي على وحدة وتكامل بلدان أوروبا. وفي الوقت نفسه، ليس هناك توافقا حول السياسة الخارجية في أوكرانيا نفسها. نسبة أنصار التكامل الأوروبي تزيد قليلا عن 50٪، وعددم في انخفاض مستمر. وعلى خلفية الأزمة السياسية، يستعد المتشككون بفكرة الوحدة الأوروبية، للعودة إلى الحياة السياسية. وسيصبح الحفاظ على توجه التكامل الأوروبي قريبا، من مهام كييف الأكثر صعوبة.

مطرقة الشرق
يبقى جنوب شرق أوكرانيا، المعقل التقليدي الرئيسي للمتشككين بفكرة الشراكة الأوروبية. فأعداء التكامل الأوروبي عددهم كبير وملحوظ في المناطق، وهم يشكلون حوالي 40٪ في المناطق الجنوبية، و30٪ تقريبا في المناطق الشرقية (باستثناء مناطق حوض الدون الخارجة عن سيطرة كييف والرافضة بشكل قاطع للتوجهات الأوروبية). وترتبط هذه الفكرة بالتوجه التقليدي الموالي لروسيا، على الرغم من الأحداث التي جرت في العامين الماضيين، وسياسات كييف المناهضة لروسيا.

ويربط سكان هذه المناطق الحفاظ على علاقات وثيقة مع روسيا وبلدان رابطة الدول المستقلة الأخرى، بآمال الانتعاش الاقتصادي. وبالإضافة إلى ذلك، الصداقة مع روسيا، تضمن وضعا سياسيا رفيعا لمناطق جنوب شرق أوكرانيا، التي يحاول "البرتقاليون" تهميشها. ولهذا السبب، دفع "الميدان الأوروبي" النخبة المحلية وجزء كبير من السكان، لمحاولة الحصول على حماية روسيا وفلاديمير بوتين شخصيا.

وفي وقت سابق، كان حزب "ريغيونوف" (حزب المناطق) والحزب الشيوعي الأوكراني، ألد أعداء فكرة التكامل الأوروبي، وبعد "الثورة" الأوكرانية، تم تدمير هذا الجناح السياسي: "حزب المناطق" لم يعد له وجود، ووقع الحزب الشيوعي تحت "حظر الشيوعية". وتكبدت المحاولات الأولى لسياسيي "حزب المناطق" في العودة إلى السياسة، بالفشل: ففي الإنتخابات الرئاسية تعرضوا لهزيمة ساحقة، وتمكنوا من الحصول على 29 مقعدا برلمانيا فقط، من أصل 450.

ومع ذلك، يخدم انخفاض معدلات الرضا عن الحكومة الحالية، مصلحة الشرقيين المشككين بالتكامل الأوروبي. وبالفعل، بلغت نسبة تأييد الكتلة المعارضة (12.8٪)، أي أعلى من نسبة تأييد اثنين من أحزاب الائتلاف الحاكم معا: "الجبهة الشعبية" بزعامة ارسيني ياتسينيوك (2.9٪) وكتلة بيترو بوروشينكو (9.7٪). ويحتل الآن سياسيو "حزب المناطق" السابق، المركز الثالث في استطلاعات الرأي، متأخرين بنسبة بسيطة جدا عن حزب "باتكيفشينو" (الوطن) بزعامة يوليا تيموشينكو (14.0٪) وحزب "المساعدة الذاتية" (15.6٪). وبالإضافة إلى ذلك، تمكن سياسيو "حزب المناطق" السابق من الحصول في الانتخابات المحلية في أكتوبر/تشرين الأول 2015، على الأغلبية في عدد من المجالس المحلية في المناطق الجنوبية والشرقية.

وتحث هذه الكتلة المعارضة –دون استخدام الخطاب الموالي لروسيا-، على تجميد التقارب مع الاتحاد الأوروبي من أجل إنقاذ الاقتصاد الأوكراني وتطوير التعاون مع دول "بريكس". ومع ذلك، يبقى خطاب السلام وانتقاد السياسات الاقتصادية للحكومة، ورقة رابحة وميزة لهذه الكتلة المعارضة. وعلى ما يبدو، أثبتت هذه الاستراتيجية فعاليتها، ففي حال اجراء انتخابات برلمانية مبكرة، يمكن لكتلة المعارضة أن تصبح واحدة من القوى الرئيسية في البرلمان الأوكراني.

سندان الغرب
يشكل أنصار التكامل الأوروبي في مناطق أوكرانيا الغربية والوسطى، الغالبية - حوالي 80٪ و60٪ على التوالي. ومع ذلك، يبقى وجود الرافضين لفكرة التكامل الأوروبي ملحوظا أيضا. وعلى عكس المشاعر في جنوب شرق البلاد، تسود الغرب والوسط حجج القوميين الأوكرانيين، المكررة لانتقادات المتشككين الغربيين بفكرة الوحدة الأوروبية.

فالقوميون يعربون عن تخوفهم من تدفق المهاجرين واللاجئين، ومن أسلمة أوكرانيا، وإباحة زواج المثليين وفقدان السيادة الوطنية. وفي الوقت نفسه، يرفضون كل أشكال التعاون مع روسيا. ويشدد هؤلاء اليمينيون القوميون على ضرورة إيجاد طريق ثالث. على سبيل المثال، حزب "الحرية" يدافع عن فكرة اتحاد دول بحري البلطيق والأسود، وفكرة إحياء "غوام"، كما يقترح تجمع "القطاع اليميني" تحالفا واسعا مع بلدان أوروبا الشرقية من استونيا الى ألبانيا.

تحالف القوميين مع المعارضة الليبرالية خلال "الثورة" الأوكرانية، كان ظرفيا ومؤقتا، وانفض مباشرة بعد الإطاحة بفيكتور يانوكوفيتش. وبعد فشلهم في الانتخابات البرلمانية، ركز القوميون المتطرفون كل قواهم على الحرب، إلا أن حل كتائب المتطوعين، دفعتهم للعودة إلى الحياة السياسية، وتذكر الشعارات القديمة.

وأكثر فعاليات القوميين شهرة، كانت حملة تفريق متظاهري "كونغرس المثليين" في مدينة لفوف، وأعمال الشغب المعادية للمهاجرين في مدينة ياغوتين عشية افتتاح مخيمات للاجئين في إطار التعاون مع الأمم المتحدة والمفوضية الأوروبية. وفي كلتا الحالتين، وجه القوميون اتهامات للاتحاد الأوروبي، بانه يتظاهر بالدفاع عن أوكرانيا، من أجل التخلص من اللاجئين السوريين بإرسالهم إلى أوكرانيا، وبمحاولات فرض قيم غريبة على البلاد.

وعلى الرغم من غلبة أنصار التكامل الأوروبي في المناطق الوسطى والغربية للبلاد، إلا أن القوميين يسيرون على طريق معبد. ففي العام 2012، مكنت هذه الشعارات -مع الخطاب المعادي لروسيا- حزب "الحرية"، من دخول البرلمان. وبعد الهزيمة في الانتخابات البرلمانية عام 2014، بدأ حزب أوليغ تياغنيبوك مرة أخرى، رفع أسهمه ولحق تقريبا بكتلة بيترو بوروشينكو.

اليمينيون المتشككون بفكرة الوحدة الأوروبية لديهم مساحة للنمو والتطور. ففي العام الماضي، زاد عدد معارضي التكامل الأوروبي من 14% إلى 23٪. ومع هذا، تأرجح عدد المشككين في خيارهم، وفقا لمصادر مختلفة، بين 10 و25٪. وبالإضافة إلى ذلك، أعادت خيبة الآمل تجاه سلطات ما بعد "الثورة"، فتح الآفاق الانتخابية الواعدة أمام القوميين، وشغل الهوة بين المواطنين المحافظين والشباب المتطرف. ولهذا السبب، من المرجح جدا أن يعود القوميون للبرلمان في الانتخابات المقبلة.

الأغلبية المترددة
من الواضح أن موقف الأوكرانيين المتفائلين بالوحدة الأوروبية، يزداد ضعفا. ذلك أنه رغم بساطة ووضوح آمالهم بشأن التكامل الأوروبي (رفع مستوى المعيشة، حرية التنقل في أوروبا الغربية، ونشر الفكر والتعليم الأوروبي وتسريع الإصلاحات في أوكرانيا)، لم يتم منذ توقيع اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي في العام 2014، تحقيق أي تقدم ملحوظ في هذه المجالات.

ونظرا لظروف مختلفة، تراجع مستوى المعيشة في البلاد بشكل حاد، ومعدلات الثقة تجاه حكومة الإصلاحيين المؤيدة لأوروبا بلغت أعلى مستوياتها في المقياس السلبي، ومرة أخرى تم تأجيل بدء العمل بنظام التأشيرة الحرة. وفي الوقت نفسه، يتم دفع آفاق عضوية أوكرانيا الكاملة في الاتحاد الأوروبي إلى مسافات أبعد وأبعد: على أقل تقدير، برأي رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، الأمر يمكن أن يحدث خلال 20 إلى 25 عاما.

وعلى الرغم من خطاب كييف الرسمي، تزداد هشاشة الإجماع الوطني حول التكامل الأوروبي. وفي حال استمرار التوجه الحالي للسياسة الأوكرانية، سيتفاقم خطر فقدان أنصار التكامل الأوروبي للأغلبية المطلقة. ومن ثم سيصبح من الصعب للغاية على كييف مواصلة التمسك بالتوجه الغربي. الى جانب ذلك، عاجلا أم آجلا، ستعود مناطق حوض الدون غير الخاضعة لسيطرة كييف إلى المسرح السياسي الأوكراني، ما من شأنه أن يعزز معسكر المتشككين بفكرة التكامل الأوروبي.

وحتى الآن، يبقى بحوزة السلطات الحالية سنتين قبل إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية جديدة. ومن الصعب التنبؤ بشكل وهيكل السلطة في كييف. فمن المرجح أن يصبح موقف الجماعات المؤيدة لأوروبا أضعف بكثير مما كان عليه بعد "الثورة". كما يمكن للسياسة الخارجية الأوكرانية الحفاظ على مسارها الحالي، ولكن بمعدلات تقدم بطيئة للغاية، قد تبلغ الجمود الكامل.