"الربيع العربي" والعوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية

03.10.2016

هناك العديد من العوامل وراء التصعيد السريع للعنف، والذي أصبح عنصرا أساسيا من العلاقات الاجتماعية والسياسية في سوريا والعراق وليبيا واليمن ومصر. ينمو العنف من منظور اجتماعي لصلته بهوية هذه الدول التي تشهد انقساما اجتماعيا حول هويتها القديمة وظهور هويات سياسية جديدة أخرى. وارتفعت  معدلات حجم العنف بسبب تآكل هياكل دول المنطقة.
هذه الدول التي تشكلت في عهد الاستعمار، تجمع بين النظام الغربي والنظام التقليدي والاقتصاد المختلط. وساعد هذا المزيج بالحفاظ على الهويات التقليدية وتجميد التناقضات الاجتماعية  ولكنها زادت في نهاية المطاف من التشظي الاجتماعي في هذه الدول. تآلفت قوى التشرذم الاجتماعي مع الحكومات القوية، ولكن الخلل في الهيكل المؤسساتي لهذه الدول بدأ بالتآكل التدريجي وضعفت قدرة الحكومات على مواجهة التحديات الجديدة. هذه الاختلالات تنبع من مجموعة من العوامل منها مؤسسات السلطة التنفيذية القوية وبيروقراطية التكنوقراطيين المتطورة بدرجة عالية  والدور الحصري لأجهزة الأمن وضعف السلطة القضائية والتشريعية فضلا عن الغياب شبه الكامل للمجتمع المدني عن العملية السياسية.
ونتيجة لهذا التباين فقد كانت هذه الحكومات غير قادرة على فتح المشاركة السياسية وظهرت الحاجة إلى تحديث المجتمعات وخاصة بعد ظهور أشكال جديدة من التعليم أدت إلى قبول جزئي للقيم الغربية. لعل النمو في مستويات المعيشة في العديد من البلدان العربية بين عامي 1990 و 2000 كان مترافقا مع ظهور مؤسسات المجتمع المدني، بما في ذلك المنظمات غير الحكومية والمنظمات التطوعية، أكثر من الضعف منها ظهر بين عامي 1995-2007.
توسيع المشاركة السياسية
 التطورات الأخيرة في المنطقة، سواء في الإطار المؤسساتي (مصر، تونس والمغرب) أو خارجه (ليبيا)، تبين أن الفئات الاجتماعية التقليدية أصبحت ناشطة سياسيا، مما أدى إلى وضوح قدم سياسات هذه الدول.
عندما لا يتم تقويض مؤسسات الدولة، يمكن عندها أن تكون الدولة فعالة. ولكن كما رأينا في ليبيا وسوريا واليمن فإن نمو المشاركة السياسية في المجتمع يمكن أن تؤدي أيضا إلى تدمير أو على الأقل إضعاف الدولة وفي نهاية المطاف قد تأتي قوى سياسية أكثر تقليدية. وتبعا للحالة يمكن أن تعني التقليدية القبلية (ليبيا) أو العرقية والدين (سوريا) أو مزيج من الاثنين مثل (اليمن والعراق).
تدمير مؤسسات الدولة الاقتصادية, كما هو الحال في فزان وإلى حد ما في طرابلس ليبيا، أو في المناطق الداخلية من سوريا والعراق، يقلل أحيانا العلاقات الاجتماعية السياسية ويضعف الموارد المتاحة بسهولة. 

العنف كأساس للعلاقات بين الدول والمعارضة
الحكومات الضعيفة وجماعات المعارضة القوية تأتي إلى الصراع في المناطق التي ضعفت فيها الدولة، وتقع عادة في المناطق الداخلية من البلاد. الحاجة للتفاعل تحرض كل من الحكومات وجماعات المعارضة بطرق غريبة. الجهات الفاعلة غير الحكومية تضطر إلى اللجوء إلى التقليد الأعمى وتتصرف مثل الدول. الدولة الإسلامية (داعش) هي الأكثر بروزا وتمتد بعيدا حيث يمكن العثور عليها أيضا في جنوب الجزيرة العربية وسيناء، وبرقة وطرابلس وفزان ومنطقة القبائل والصحراء وكذلك منطقة صحراء محافظة الأنبار وكل بلاد الشام.
 تتصف هذه العملية بالعسكرة. تتغير تكتيكات وإستراتيجية الدولة لمنطق وفكر الميليشيا، وتصبح عنيفة مثل الجماعات المسلحة. وتتحول الحكومة من كونها الحاكم الأعلى القادرة على إدارة الجهات الفاعلة غير الحكومية إلى مجرد طرف من أطراف هذه العلاقات المعقدة. ونتيجة لذلك، تصبح تنافسية العنف هي المبدأ الأساسي في التفاعل الاجتماعي والسياسي. وبالنظر إلى الانتشار واسع النطاق للأسلحة، وهذه البدائية من العلاقات الاجتماعية والسياسية تسمح لأي مجموعة منظمة أن تعلن نفسها ككيان سياسي واقتصادي منفصل.
 وعلاوة على ذلك، فإن دور الأفراد أصبح أكثر أهمية مع ضعف مؤسسات الدولة. القادة السياسيون غالبا ما يكونون هم المدافعين الحقيقيين الوحيدين عن السيادة القادرين على اتخاذ إجراءات في حالات الطوارئ، الأمر الذي يجعل الوضع أكثر تعقيدا ولا يمكن التنبؤ به. أما الدور الأكبر الذي يلعبه الأفراد فهو لا ينطبق فقط على الرؤساء الشرعيين للدول ولكن أيضا على زعماء مختلف الجهات الفاعلة غير الحكومية مثل الحركات السياسية والأحزاب والجماعات الدينية والعرقية والقبائل والعشائر وما إلى ذلك, الاستراتيجيات السياسية تصاغ  في المقام الأول حسب الطموح الشخصي للقائد و تقييمه للوضع، والصراع على السلطة والوصول إلى الموارد المالية، والسلامة الشخصية للقائد
في ضوء ذلك، يجب على جميع الدول في المنطقة تعزيز مؤسسات المجتمع المدني ومؤسسات الحكومة المدنية كشرط مسبق للحفاظ على الأمن في المستقبل.
عجز الشرعية في المنطقة
النظام الذي تم تطويره في منطقة الشرق الأوسط مابين عامي 1920و 1950  والذي يعتبر بمثابة نتاج اتفاق سايكس-بيكو، يمثل محاولة لخلق دول قومية في المناطق التي كانت تحت الاستعمارين  العثماني ما بين القرنين السادس عشر وبداية القرن العشرين، والأوروبي (فترة ما بين الحربين العالميتين بين نهاية الحرب العالمية الأولى وبداية الحرب العالمية الثانية). وغالبا وضعت حدود هذه الدول الجديدة بشكل عشوائي وتعسفي . مما يثير الكثير من التشكيك حول حدود هذه الدول. النخب القيادية في الدول العربية إما استولت على السلطة بالقوة أو استلمتها من المستعمرين، مع استثناء السلالات الملكية في الأردن والمغرب. هذه العوامل تفسر الصدمة الشرعية التي سيطرت على العقلية السياسية العربية على مدى العقود الماضية.
وفي الوقت نفسه، لا بد من الاعتراف بأن المنطقة قد عاشت داخل هذه الحدود لمدة قرن تقريبا، وهي الفترة التي تشكلت فيها هويات جديدة وثقافات وبنية تحتية اجتماعية واقتصادية داخل حدود هذه الدول.
 البديل الوحيد لبقائها ضمن الحدود المرسومة هو الفوضى العارمة. ومع ذلك، فإن وجود الدول داخل حدودها لا يعني بالضرورة أن الهيكل الإداري أو الإقليمية لا ينبغي أن يظل دون تغيير. ومن الواضح أن انتشار الديمقراطية والمشاركة السياسية الواسعة في العديد من هذه الدول ستأخذ أيضا البعد الجغرافي بعين الاعتبار، وحتى اللامركزية، وربما حتى الفدرلة، كما هو الحال في العراق، والحكومات العربية كلها تقريبا بحاجة إلى اللامركزية بشكل أو بآخر. التنمية الاقتصادية، وحتى داخل البلدان الأكثر ازدهارا في الشرق الأوسط، أظهرت وجود عدة أنواع من الإدارة الاقتصادية في وقت واحد ، ووجود ثغرات بين قطاعات مختلفة من السكان، ووجود مجموعات عرقية ودينية محلية وعوامل أخرى يمكن أن تدفع باتجاهات التفكك في البلدان نتيجة ضعف المجتمع المدني والحكومات المركزية الضعيفة. ونتيجة لذلك، فإن مسألة وحدة التراب يمكن خفضها للحصول على الموارد الوطنية، في المقام الأول المالية ، وخاصة للجماعات التي تمثل مناطق مختلفة من البلاد.
 في هذه الحالة، يمكن للحكومة الخضوع للرغبة اللامركزية  بدون تفويض الصلاحيات الحقيقية لتلك المناطق. ولكن هذا محفوف بجولة جديدة من التوترات الاجتماعية ويمكن أن يشوه سمعة المؤسسات الحكومية.
 مشاكل التنمية الاقتصادية
 مشاكل التنمية الاقتصادية، وكثير منها ذات طبيعة تتعلق بالأنظمة، تلعب دورا رئيسيا في هذا السياق. على سبيل المثال، مخاطر الأمن الغذائي تتزايد، والجفاف، وتآكل التربة ونقص المياه أصبحت من العوامل الدافعة للصراعات.
 وعلى الرغم من هذه المشاكل الأساسية فقد كانت دول المنطقة من الدول الرائدة في العالم من حيث النمو الاقتصادي وتحسين الأوضاع الاجتماعية قبل الأزمة. قبل عام 2010، كانت عمان وتونس والجزائر والمغرب والمملكة العربية السعودية من بين الدول الأكثر نجاحا في العالم. معدلات عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية ومعدلات جرائم القتل الفرد انخفضت وأظهرت جميع المؤشرات أن منطقة الشرق الأوسط كانت في طريقها لإنتاج معجزة اقتصادية.
اليوم، تتأثر المنطقة بالتحديات من خلال الاضطرابات السياسية والحروب والإرهاب. في مايو/ أيار 2015، كان تقرير صندوق النقد الدولي صادما حول تقييم ميزان المدفوعات في ليبيا  52.8٪ من الناتج المحلي الإجمالي و68،2٪ من الميزانية الوطنية وعند 9.6٪ و 10٪ على التوالي، في العراق.
قبل الأزمة، كان الخبراء يتوقعون أن الناتج المحلي الإجمالي سينمو سريعا في سوريا وسيصل إلى 90 مليار $ بحلول عام 2015. ولكن انكمش الناتج المحلي الإجمالي بعد بدء الأعمال العدائية، والتي كلفت سوريا 250 مليار $.  ومن المتوقع أن يعود إلى مستويات ما قبل الحرب في موعد لا يتجاوز عام 2025 بموجب السيناريو المتفائل الذي يتضمن استثمارات بمليارات الدولارات وإنشاء وكالات لتوزيع الأموال، ومراقبة إنفاقها، ومحاربة الفساد في الاقتصاد السوري.