النظرتان الروسية والتركية للتفاهم الحالي بين البلدين
أردوغان يحاول أن يفك الحبل الملتف حول عنقه والمشدود من مختلف اللاعبين الكبار، في طرف يشد الحبل أصدقاؤه الأمريكيون والأوربيون، وفي طرف آخر يشد الحبل أولئك الذين صنع بيديه العداء معهم وهم الروس وجيرانه الإقليميون وأعداؤه في تركيا نفسها وعلى رأسهم حزب العمال الكردستاني. تصرف كما يعتقد وكما يفعل دائما، ذهب إلى حليفه الاستراتيجي الدائم إسرائيل من أجل المساعدة في فك الحبل الملتف على رقبته والذي يكاد يخنقه، ذهب إلى أصدقائه في إسرائيل لأنه تعود على أنهم يستطيعون فعل كل شيء، فهم المسيطرون على العالم وهم الوحيدون الذين لا يخضعون للقانون الدولي، كان يقول علنا وتكرارا أنه لن يعيد علاقاته مع إسرائيل إلا إذا اعتذرت وفكت الحصار عن غزة و... ، وعندما وجد أن مصلحته تتطلب الذهاب إلى إسرائيل هرول إليها على الرغم من أن إسرائيل لم تحقق له أيا من طلباته، رغم أن إعلامه يدعي أن إسرائيل قدمت الاعتذار وفكت الحصار بشكل جزئي عن قطاع غزة، المهم أن إسرائيل لم ترفع الحصار الذي كان يريده أردوغان لتحقيق صورة كان يحلم بها بأن يكون البطل الإسلامي الذي رفع الحصار عن المسلمين المحاصرين في غزة، ولكن الحقيقة أنه ذهب لتفك له إسرائيل حبل المشنقة بدلا من فك الحصار عن غزة.
إسرائيل كانت ذات يوم قادرة على فك حبل المشنقة عنه وعن غيره، ولكنها اليوم خسرت دورها بعد حرب 2006 في جنوب لبنان، فقد اكتشف مشغلوها أنها لم تعد قادرة على الانتصار على حزب صغير في جنوب لبنان على الرغم من أن العالم كله كان يدعمها ومعه غالبية العرب وحتى بعض اللبنانيين، وإلا لماذا أعطى مشغلو إسرائيل هذا الدور الجديد لأردوغان وزرعوا في رأسه الحلم العثماني وحركوا معه كل الأخوان المسلمين ومن لف لفهم وأرسلوا لهم أولاد الأفاعي من كل أصقاع الأرض ليدمروا الدولة التي كانت السند الرئيسي لحزب الله؟
عرف أردوغان أن إسرائيل لا تستطيع فك حبل المشنقة فذهب إلى من يستطيع فكه، ذهب إلى روسيا صاغرا يطلب الصفح ويعتذر، ولعل الكثيرين يعتقدون أنها السياسة التي تفرض بعض الأحيان تصرفا براغماتيا لضمان المصالح الوطنية، نعم إن السياسة كذلك ولكن ليس في حالة أردوغان، وأنا هنا لا أتحدث عن الشخص نفسه أي عن أردوغان فأنا لا أعرفه، ولكني أتحدث عن فكر الإخوان المسلمين الذي يحمله أردوغان، فأنا أعرف جيدا هؤلاء الذين يحملون هذا الفكر، فهم ببساطة ليس لديهم عهد ولا ميثاق وهم يتقلبون مع مصالحهم بكل سهولة، ينسون كل العهود السابقة عندما يجدون فرصة للانقلاب وتحقيق المكاسب ويبررون ذلك بمصلحة الأمة، ألم يكن هذا هو الحال مع سوريا من قبل أردوغان نفسه؟ ألم يكن هذا هو الحال مع روسيا التي بنت معه علاقات متميزة؟ ألم يكن هذا هو الحال مع حركة حماس التي تحمل فكر الإخوان المسلمين والتي انقلبت على سوريا على الرغم من كل ما قدمته سوريا لها؟ نحن نعرفهم في سوريا ونعرف أنهم يغدرون بكل بساطة.
نعود إلى بيت القصيد إلى روسيا، فروسيا كدولة عظمى لها الحق في صياغة معادلات مصالحها الوطنية، بل هو الواجب الوطني لها، ولكننا نريد أن نلفت الانتباه إلى عوامل هامة قد تكون معرفتها مفيدة ، فعندما كان شاويش أوغلو في سوتشي مع لا فروف، كانت المجموعات المسلحة التابعة لتركيا تضرب قرى شمال اللاذقية وتسيطر على كنسبا, وتضرب مدينة حلب بلا رحمة أو هوادة، لأنهم يقولون ما لا يفعلون.
لدى الأخوان المسلمين معسكران فقط، الأول معسكرهم الذي يضم الأخوان المسلمين في جميع الدول وكذلك تلك الدول التي أنشأت الأخوان المسلمين ومنها إسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا، وهم مع هذا المعسكر في تحالف استراتيجي دائم وخلافاتهم داخله هي خلافات بين أصدقاء كبرت أم صغرت، والمعسكر الثاني هو كل دول العالم المتبقي الذي لا ينتمي لفكرهم، وجميع الاتفاقيات مع هذا المعسكر هي تفاهمات الضرورة التكتيكية مع الأعداء وسيتم الانقلاب عليها في أول فرصة يجدون فيها إمكانية لتحقيق المصالح الإستراتيجية لهم أو لسادتهم.
روسيا تتصرف كدولة مسؤولة مؤمنة بالقانون الدولي، وهذا متوقع منها وهو حق لها، لكننا نريد التركيز أن المنطلق التركي في التفاهم مع روسيا يختلف عن المنطلق الروسي، تركيا بقيادة الأخوان المسلمين تنطلق من الضرورة التي فرضها الواقع وهي لا تبني تفاهما استراتيجيا كما يأمل الروس وكما يتوقع المراقب غير العارف بطبيعة الأخوان المسلمين، إنه تفاهم الضرورة لفك حبل المشنقة عن أردوغان، وسنراه بعد حين ينقلب على من يسميهم حلفاءه اليوم وسيغدر بهم مرة ثانية ويضربهم في الظهر عندما تتاح له الفرصة، أنا شخصيا أتوقع أن الدخول التركي إلى سوريا سيكون احتمالا موجودا وكبيرا في المستقبل إذا تحقق لأردوغان ظرفان مستقبليان : ظرف يجعل روسيا منشغلة في أي أمر طارئ كبير وظرف داخل سوريا يجعل حسابات أردوغان تستسهل الدخول إلى سوريا. نرجو أن تؤخذ هذه المخاوف وهذه الخبرة على محمل الجد.