الموصل: القوات العراقية تتقدم وطائرات التحالف تتجاهل الإرهابيين المتسللين إلى سوريا
تكللت أشهر من الحشد والتجهيزات العسكرية في العراق، بإعلان معركة تحرير الموصل من تنظيم "داعش" الإرهابي، ليبدأ سقوط القرى سريعاً وسط انهيارات لافتة لدفاعات التنظيم على تخوم المدينة وانكفاء مسلحيه إلى الخطوط الداخلية، وهرب أعداد منهم باتجاه مدينة الرقة السورية، فيما أبطأت العبوات التي زرعها التنظيم من اندفاعة المهاجمين.
بدأ الهجوم عبر أربعة محاور، من الشمال عبر تلعفر وسهل نينوى، من الشرق عبر الخازر وبعشيقة، من الجنوب عبر القيَّارة، ومن الغرب لمنع تسلل مسلحي "داعش" باتجاه سوريا. وتوزعت الأدوار بين القوات المشاركة في العملية، فبينما تقود القوات التابعة للحكومة العراقية الهجوم نحو داخل المدينة، يتركز دور قوات "البيشمركة" ومقاتلي "الحشد الشعبي" على تطويق محيط الموصل لحماية الممرات ومنع هروب مسلحي التنظيم الإرهابي، فيما ستشنّ طائرات "التحالف الدولي" ضربات جوية تمهيدية على مواقع "داعش" قبيل تقدم القوات البرية. ويتوقع أن ينحصر دور "التحالف" في هذا النطاق، خاصة وسط ترجيح بأن تغدو المعركة عبارة عن حرب عصابات مع كل اقتراب للقوات البرية من مراكز التنظيم في المدينة، حيث ستكون الاشتباكات من منزل إلى منزل ومن شارع إلى آخر، ما يعني خروج سلاح الجو من المعركة.
وكان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أعلن فجر أمس بدء عمليات استعادة الموصل، قائلاً إن "ساعة التحرير دقت واقتربت لحظة الانتصار الكبير بإرادة العراقيين وعزيمتهم وسواعدهم".
وتابع في كلمة بثها التلفزيون العراقي: "بالاتكال على الله العزيز القدير أعلن اليوم انطلاق عملية تحرير محافظة نينوى"، موضحاً أن دخول المدينة سيقتصر على عناصر الجيش والشرطة، بينما تنتشر قوات أخرى في إطار هذه العملية بينها المقاتلون الكرد "البيشمركة" وقوات من العشائر و"الحشد الشعبي".
وذكر مصدر محلي في محافظة نينوى أن الخط الدفاعي الثالث لتنظيم "داعش" حول مدينة الموصل تفكك خلال ساعات، فيما هرب معظم عناصره من "المتطوعين الجدد".
وقال إن "الخط الدفاعي الثالث الذي أنشأه تنظيم داعش قبل ثلاثة أسابيع في المحيط الشرقي لمدينة الموصل تفكك خلال ساعات معدودة وانهار بشكل شبه كلي بعد هروب معظم عناصره"، مشيراً إلى أن "مفارز داعش أعدمت بعض الهاربين في الشوارع رمياً بالرصاص وسط حالة من الفوضى والإرباك تجتاح الموصل في الوقت الحالي".
إلى ذلك، ذكرت مصادر عشائرية أن تنظيم "داعش" أقدم على إحراق خنادق النفط التي أعدّت مسبقاً في محيط الحمدانية جنوب شرق المدينة سعياً منه لوقف تقدم القوات ولحجب الرؤية عن الطائرات الحربية.
على المحور الشرقي، أعلنت القيادة العامة للقوات الكردية في بيان بدء "عملية واسعة النطاق لقوات البيشمركة في منطقة الخازر شرق الموصل بالتنسيق مع قوات الجيش العراقي في منطقتي الكوير والقيارة جنوب الموصل كمرحلة أولى لعملية تحرير الموصل من أيدي إرهابيي داعش".
وأوضحت أن "أكثر من أربعة آلاف من قوات البيشمركة يشاركون في هذه العملية في ثلاثة محاور لتطهير القرى حول منطقة الخازر" التي يحتلها تنظيم "داعش".
من جهته، وصف رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني التنسيق بين الجيش العراقي وقوات "البيشمركة" عبر القتال جنباً الى جنب بـ"الرائع"، موضحاً أن "التنسيق رسالة تحمل معاني كثيرة بأن العدو سيتقهقر بسرعة أمام هذا التعاون بين بغداد وإربيل".
وقال خلال المؤتمر الصحافي ذاته في منطقة الخازر: "حتى الآن تم تحرير أكثر من 200 كيلومتر مربع في المرحلة الأولى التي بدأت في شمال مدينة الموصل وشرقها وجنوبها".
بدورها، ذكرت وكالة "أعماق" المرتبطة بالتنظيم أن مسلحي "داعش" شنوا عشر هجمات على قوات كانت تتقدم قرب الموصل، وأن قوات "البيشمركة" طوقت خمس قرى لكنها فشلت في السيطرة عليها.
هذا التقدم السريع للقوات المهاجمة وتقهقر خطوط دفاع التنظيم الإرهابي وانكفاؤه إلى داخل الموصل طرح جملة استفهامات، إذ إن التنظيم جهد في الشهرين الماضيين في تحصين المدينة عبر إجراءات متعددة من حفر الخنادق وغمرها بالنفط إضافة إلى تفخيخ الطرقات المؤدية إلى المدينة وغيرها من الوسائل الدفاعية.
طائرات التحالف تتجاهل عناصر داعش الهاربين إلى سوريا
وقالت مصادر إعلامية إن "داعش" أخلى جميع مقارّه الواقعة في الجانب الأيسر من المدينة وانتقل الى الجانب الأيمن، لتركيز قواته وتغيير أماكنها والحفاظ على أعدادها بسبب القصف الجوي والمدفعي الذي تعرضت له في الساعات الماضية، كما أن أرتالا عديدة من داخل الموصل خرجت نحو سوريا.
وبهذا الصدد، أبدت الحركة المسيحية في العراق (كتائب بابليون) المنضوية في إطار الحشد الشعبي، استغرابها من عدم استهداف أرتال تنظيم "داعش" الهاربة من قبل طيران التحالف الدولي.
التحالف الغربي: المعركة لا تزال في بدايتها
من جانبها، أكدت وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون" أن القوات العراقية تحقق أهدافها وهي متقدمة على الجدول المحدد في أول أيام الهجوم الذي يهدف لاستعادة مدينة الموصل من قبضة "داعش".
وذكرت أن القوات العراقية قادرة على استرجاع المدينة، موضحة أن لديها العديد من الجنود الأميركيين الذين يقدمون الدعم اللوجستي لتلك القوات.
وأكدت الوزارة أنها ستستخدم كل الموارد والإمكانات وستقدم المشورة للوحدات العراقية وقوات "البيشمركة" في الحرب ضد "داعش"، معربة عن استعدادها لتوفير مروحيات "الأباتشي" في العمليات القتالية.
ولفتت إلى أن المعركة ما زالت طويلة واليوم هو فقط يومها الأول، أكدت أن "الوقت لا يزال مبكراً للإجابة عن سؤال حول دخول القوات الأميركية الى الموصل مع القوات العراقية".
وكان وزير الدفاع الأميركي أشتون كارتر أكد في وقت سابق، أن العملية العسكرية تشكل "لحظة حاسمة في حملتنا لإلحاق هزيمة دائمة بتنظيم الدولة الإسلامية"، مضيفاً "نحن واثقون بأن شركاءنا العراقيين سيهزمون عدونا المشترك ويحررون الموصل وبقية العراق من وحشية داعش وعدائه".
بدوره، قال القائد الجديد لـ"التحالف الدولي" الذي تقوده الولايات المتحدة الجنرال ستيفن تاوسند إن عملية استعادة ثاني مدن العراق "ستستغرق أسابيع ومن الممكن أكثر من ذلك"، مؤكداً أن القوات العراقية "ستنجح تماماً كما فعلت في بيجي والرمادي والفلوجة وفي الآونة الأخيرة في القيارة والشرقاط".
أعلنت وزارة الدفاع الفرنسية أن أبرز وزراء دفاع الدول المشاركة في "التحالف الدولي" ضد "داعش" سيشاركون في اجتماع يعقد في 25 الشهر الحالي في باريس لبحث الهجوم على الموصل.
قلق أممي.. 1,5 مليون مدني مهددون
من جهتها، أعربت الأمم المتحدة عن "قلقها" حيال كارثة تتهدد نحو 1.5 مليون شخص يعيشون في الموصل، محذرة من بدء نزوح أعداد كبيرة من السكان خلال أقل من أسبوع.
وقالت منسقة شؤون الإنسانية في الأمم المتحدة ليز غراند للصحافيين بدورها، إن "الأسر معرضة للخطر الشديد من الوقوع في تبادل لإطلاق النار" أو أن يستخدمها "داعش" كدروع بشرية.
وأضافت "توقعاتنا المبنية على معلومات أطلعنا عليها الجيش العراقي أنه إذا بدأت حركة سكانية كبيرة فمن المحتمل أن يكون ذلك خلال خمسة إلى ستة أيام"، موضحة أن "السيناريو المتوقع هو أن تكون هناك موجة نزوح لنحو 200 ألف شخص خلال الأسابيع الأولى"، وهو رقم قد يرتفع بشكل ملحوظ مع استمرار العملية.