الموصل.. لا تقدم ولا تحرير والبرد والجوع يحاصر 1,5 مليون مدني

21.12.2016

مع انطلاق معركة استعادة الموصل من تنظيم "داعش" قبل شهرين، تعهدت الحكومة العراقية بتحرير المدينة الأكبر، التي يسيطر عليها التنظيم في العراق، قبل نهاية العام الجاري. لكن يبدو أن تعهد حكومة حيدر العبادي صعب التحقيق، لا سيما مع تباطؤ العملية العسكرية داخل الموصل، خلال الأيام الأخيرة، بينما تتفاقم الأزمة الإنسانية بشكل كبير، لا سيما مع حلول فصل الشتاء.

بعد أقل من أسبوعين على انطلاق المعركة، يوم 17 أكتوبر الماضي، استطاعت القوات العراقية دخول الموصل، ذات الأغلبية العربية السنية، من الجهة الشرقية، بعد أن سيطرت على معظم القرى والبلدات المحيطة بالمدينة، الواقعة على بعد 405 كم شمال العاصمة بغداد.

فور دخولها الموصل، سيطرت هذه القوات، خلال أيام قليلة، على عدد من أحيائها، ليصل إجمالي ما سيطرت عليه نحو نصف الجهة الشرقية من المدينة، أي ربع مساحة الموصل، لكن سرعان ما تباطأ تقدم تلك القوات.

تباطؤ العملية العسكرية، لا سيما خلال الأيام الأخيرة، له أسباب عديدة، بحسب قادة عسكريين، منها: اعتماد "داعش" على هجمات ليلية مضادة، واستغلاله التقلبات الجوية الشتوية، التي يصعب معها تغطية طيران التحالف الدولي للقوات العراقية، فضلا عن استخدام مدنيين دروعا بشرية، وشن هجمات بسيارات مفخخة، والاعتماد على قناصة يتنقلون عبر شبكة أنفاق سرية.

مع هذه التطورات، وضعت العملية العسكرية نحو 1.5 مليون مدني في الموصل أمام مصير مجهول، وسط تحذيرات للمنظمات الدولية، بينها الأمم المتحدة، من تفاقم الأزمة الإنسانية بشكل غير مسبوق.

فالسكان يعانون أوضاعا متردية للغاية؛ مع اشتداد معارك حرب الشوارع، والكر والفر داخل الأحياء المكتظة بالسكان، وقلة إمدادات الغذاء والدواء؛ مما يعرض حياة الأكثر فقرا لخطر مميت.

وحتى الآن، نزح نحو 53 ألف مدني من الموصل، مركز محافظة نينوى، من بين أكثر من 107 آلاف مدني نزحوا من المدينة ومحيطها منذ بدء العملية العسكرية، وفقا لوزارة الهجرة والمهجرين العراقية.

لتجنب مشقة النزوح، لا سيما مع تردي أوضاع المخيمات، آثر معظم المدنيين البقاء في منازلهم بالمناطق التي استعادتها القوات العراقية من "داعش"، غير أن الهجمات المضادة اليومية للتنظيم تهدد حياتهم.

محمد الناصر، وهو عامل طبي في مستشفى ميداني بمنطقة كوكجلي شرقي الموصل، قال إن "المستشفى يستقبل يوميا قتلى وجرحى من المدنيين يسقطون في خطوط التماس بين داعش والقوات العراقية بسبب المعارك الدائرة".

لكن أكثر ما يشكل خطرا على حياة المدنيين، وفق الناصر، هي "الهجمات المضادة التي يشنها داعش في المناطق التي استعادتها القوات العراقية"، وغالبا ما يكون ذلك عبر خلايا نائمة للتنظيم داخل أحياء خسرها.

فالتنظيم، أضاف العامل الطبي، "يشن هجمات انتحارية وسط مناطق السكان، ويقصفها على نحو مستمر، وفي مرات كثيرة تسقط الدور السكنية على أهلها، وهو ما يودي بحياة كل من بداخلها.. هذه حرب مأساوية بالنسبة للمدنيين".

الناصر ختم بأن "القوات العراقية تنقل من المدينة القتلى والجرحى إلى مستشفيات ميدانية، ويتم نقل الحالات الحرجة من الجرحى إلى مستشفيات في إقليم الإدارة الكردية في الشمال، أو إلى ناحية القيارة"، على بعد نحو ستين كم جنوب الموصل.

حال من غادروا الموصل ومحيطها إلى مخيمات النزوح ليس أفضل ممن فضلوا البقاء في منازلهم، فالنازحون يواجهون مشقة كبيرة في الوصول إلى تلك المخيمات، التي أقامتها الحكومة العراقية، بمساعدة منظمات دولية، في جنوب الموصل وشرقها.

لكن لا تقي الخيم النازحين من برد الشتاء القاسي ولا مياه أمطاره الغزيرة، فضلا عن قلة الخدمات الأخرى، مثل علاج المرضى؛ وهو ما أودى بحياة نازحين، لا سيما بين كبار السن والأطفال، بحسب مصادر داخل تلك المخيمات.

نزهان الجبوري، وهو قائد فريق إغاثي في وزارة الصحة العراقية، قال إن "فرق الإغاثة تبذل كل مساعيها لإغاثة النازحين وتقديم الخدمات الصحية لهم، لكن الوضع صعب للغاية؛ نظرا لقلة الإمكانات وعدم تجهيز المخيمات بالصورة الصحيحة".

الجبوري أوضح أن "النازحين عرضة للأمراض؛ بسبب قلة تجهيز المخيمات.. كبار السن وحديثي الولادة لا يتحملون برودة الشتاء.. العواصف تقتلع الخيم ومياه الأمطار تغرق بعضها".

في الجانب الآخر من الموصل، أي الضفة الغربية للمدينة، حيث المناطق الخاضعة لسيطرة داعش، تبدو الصورة قاتمة أكثر بالنسبة للمدنيين. فلا يسمح التنظيم للمدنيين بمغادرة تلك المناطق؛ مما يعرض حياة الكثيرين للخطر بسبب نقص الغذاء وشح كبير في الأدوية.

مصدر طبي في مستشفى يقع ضمن المناطق الخاضعة لداعش قال للأناضول إن "عددا من المدنيين توفوا خلال الأيام القليلة الماضية بسبب عدم توفر الأدوية".

المصدر، الذي طلب عدم نشر اسمه حتى لا تتعرض حياته للخطر، أضاف أن "الأيام العشرة الماضية شهدت وفاة 4 رجال مسنين وامرأتين تعانيان من مرض اللوكيميا و6 أطفال حديثي الولادة؛ لعدم توافر ما يحتجونه من أدوية ومستلزمات طبية".

وعبر هاتف جوال يلتقط شبكة إرسال من الإقليم الكردي، تابع المصدر أن "مستشفيات الموصل باتت تكتظ بجرحى التنظيم، الذين يسقطون جراء المواجهات المسلحة ضد القوات العراقية في محاور الموصل كافة.. والكوادر الصحية مجبرة على التفرغ للعناية بهم دون غيرهم".

وتكتمل المعاناة، وفق المصدر، بأن "داعش يحتكر الأدوية، لا سيما تلك المسعفة للحياة ومحاليل التعقيم والمواد المخدرة، ولا يسمح باستخدامها لعلاج المرضى المدنيين مهما كانت حالتهم؛ حيث يخشى نفادها في ظل اشتداد المعارك على تخوم الضفة الغربية للموصل".

وبنبرة صوت يعلوها الحزن، أضاف أن "أغلب الأدوية المتوفرة لعلاج المدنيين في المراكز الصحية التجارية هي من مناشئ رديئة وباهظة الثمن، فلا يستطيع المريض شراءها حتى وإن وجدت"، مشددا على أن "المدنيين المصابين بأمراض مزمنة يواجهون خطر الموت؛ لتعذر توفير أدويتهم".

خلال الأسابيع القليلة الماضية، وضمن معركة الموصل، سيطر مقاتلو "الحشد الشعبي" (مليشيا شيعية موالية للحكومة العراقية) على مناطق غرب المدينة؛ فباتت طرق الإمدادات إلى المناطق الخاضعة لسيطرة داعش داخل الموصل شبه منعدمة، وهو ما ينعكس على المدنيين.

وقبل ذلك كانت القوات العراقية وقوات البيشمركة الكردية الموالية لها تحكم حصار المدينة من الشمال والشرق والجنوب.

في ظل تلك الأوضاع، تضاعفت أسعار المواد الغذائية ووقود التدفئة مرات عدة؛ ما وضع الشرائح الفقيرة من المدنيين أمام خطر الموت.

أحد المدنيين، طلب عدم نشر اسمه، قال إن "سعر برميل النفط الأبيض (يستخدم لغرض التدفئة) ارتفع إلى مليون دينار عراقي (نحو 850 دولار أميركي) بعد أن كان بـ150 ألفا (نحو 120 دولارا)".

وبصوت يملؤه الحزن والقلق، ختم بحديثه بما يشبه المناشدة: "سنموت بردا وجوعا إذا استمر الوضع هكذا".

وذكر تقرير لمعهد دراسات الحرب الأميركي، يوم الثلاثاء، أن معركة "تحرير" المدينة من سيطرة التنظيم الإرهابي "تحولت إلى حرب استنزاف"، مبيناً أن "المعركة باتت بحاجة إلى تعزيزات إضافية للمضي قدماً".

وأشار التقرير أن "العمليات تباطأت عمداً في الأيام السبعة الماضية لتخفيض معدل الاستنزاف في قوات مكافحة الإرهاب التي تقاتل لوحدها في المدينة"، موضحاً أن "هناك رؤية بتغيير تكتيكات المعركة للاستعانة أكثر بالضربات الجوية المركزة وحتى وإن أدى هذا الأمر لتقدم بطيء".

وأضاف التقرير، أن "ظروف المعركة الحالية وخاصة تدرع داعش بالمدنيين وإصراره على المقاومة قد تضطر مكافحة الإرهاب لاستدعاء شركائها من الجيش والشرطة الاتحادية والحشد الشعبي لفتح أكثر من جبهة وتحريك المعركة على الأرض في الموصل بنحو أسرع".