لماذا يتجنب أوباما لقاء بوروشينكو
على الرغم من الحصول على موافقة ارسيني ياتسينيوك، الاستقالة من منصب رئيس الوزراء، يبقى الرئيس الأوكراني غير قادر حتى الآن، على إعادة تشكيل الحكومة وفقا لرغباته. وهذا الأمر يستدعي غضبا واضحا، لدى شركاء كييف الغربيين.
اللهجة الحماسية للأمريكيين تجاه السلطات الأوكرانية، والتي ظهرت فور انتصار الأخيرة وسيطرتها على البلاد، تتحول بشكل متزايد إلى لهجة باردة وعملية. الحجة الرسمية لزيارة بوروشينكو إلى الولايات المتحدة، هو مشاركته في قمة الأمن النووي، ما سمح لباراك أوباما بالتهرب من لقاء نظيره الأوكراني. وبدلا من ذلك، سيتحدث مع بوروشينكو، نائب الرئيس الأميركي جو بايدن، المسؤول عن الحقيبة الأوكرانية في البيت الأبيض. برودة أوباما مفهومة، إذ أن الزعيم الأوكراني، ليس لديه ما يفخر به أمام أوباما، وواشنطن لا ترى مبررا، للفت الانتباه مرة أخرى للشركاء السياسيين، المخيبين للآمال.
ورغم ذلك، فإن الجانبين لديهما الكثير للنقاش. الولايات المتحدة مهتمة في المقام الأول، بالتقدم في مجال الإصلاحات وتنفيذ الشق المتعلق بأوكرانيا ضمن اتفاقات مينسك. الولايات المتحدة ستضغط على أوكرانيا لهذا الغرض، وهذا ما صرح به في 17 مارس/آذار، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، جون كيربي. في المقابل، الرئيس الأوكراني مهتم ليس فقط بالحصول على أسلحة أمريكية والحفاظ على ضغط واشنطن على موسكو، الأمر الذي تزعزعت ثقة كييف فيه في الفترة الأخيرة، ولكن أيضا هو مهتم بالحصول على الجزء التالي من قرض صندوق النقد الدولي بقيمة 3 مليارات دولار، وعلى مليار دولار أخرى كضمانات قروض من الولايات المتحدة.
الصراع من أجل الكرسي
قبل مغادرته متوجها الى واشنطن، قال بوروشينكو إن الأزمة السياسية، أصبحت عقبة أمام الحصول على المال الضروري جدا للاقتصاد الأوكراني. قال الرئيس الأوكراني خلال لقاء مع نواب حزبه في البرلمان الأوكراني "الولايات المتحدة تنتظر أوكرانيا، ولكن يجب علينا أن نجد القوة، لانتخاب حكومة جديدة. نحن نتحدث عن مليار دولار كضمانات قروض امريكية في حال تعيين حكومة جديدة، عن برنامج جديد في مجال الدفاع الوطني، الذي وافق عليه الكونغرس. بدون حل - لن تكون هناك ضمانات أمريكية، و لن يكون هناك برنامج".
وفي هذا الصدد، يتوافق الشركاء الغربيون مع بوروشينكو. فالرئيس الأوكراني والسفير الاميركي جيفري باييت، يؤكدان بصوت واحد، أن الانتخابات المبكرة ستضر بأوكرانيا. رغم أن بوروشينكو يخادع بعض الشيء.، فهو كان السبب الرئيسي للمأزق الحالي الذي تشهده كييف بعد محاولتين فاشلتين لتغيير رئيس الوزراء ياتسينيوك، أخيرا تمكن بوروشينكو من الحصول على موافقة خصمه بالانسحاب. ولكن هذا لم يؤدّ إلى حل الوضع تلقائيا. بل على العكس تماما - الائتلاف الحاكم القديم لم يعد موجودا رسميا، وخلق إئتلاف جديد مسألة مشكوك فيها. ومن العواقب السلبية المحتملة لمثل هذا التطور، حذرت وزيرة المالية الأوكرانية، ناتاليا ياريسكو في فبراير/شباط.
رئيس الوزراء الجديد، وفقا لخطة الرئيس، كان من المفترض أن يصبح، حليفه المقرب، رئيس البرلمان فلاديمير غرويسمان. وفي المقابل، كان لحزب ارسيني ياتسينيوك "الجبهة الشعبية"، أن يحافظ على أرسين أفاكوف في منصب وزير الشؤون الداخلية، في حين أن صديق ياتسينيوك بافل بترينكو، يحافظ على كرسي وزير العدل، بالإضافة إلى عدد من المقاعد الوزارية. وكمنصب آخر محتمل، لاسترضاء "الجبهة الشعبية"، كان يمكن أن يتم منحهم مقعد رئيس البرلمان، والذي سيصبح شاغرا، بعد انتقال غرويسمان إلى الحكومة.
الواقع الصادم
ومع ذلك، فبانهيار توازن القوى القديم في الحكومة الأوكرانية، لم يتمكن بوروشينكو من إيجاد الدعم لتشكيل حكومة جديدة، تتلاءم بشكل أفضل مع طموحاته الرئاسية. وإذا كانت جبهة ياتسينيوك الشعبية، التي خسرت في النهاية دعم الجمهور، أظهرت لينا وقابلية للإتفاق، واضطرت لإفساح المجال أمام ضغط الرئيس، فإن الشركاء الأصغر في الائتلاف البائد، ليسوا في عجلة من امرهم للموافقة على شروط بوروشينكو ورفاقه. ودون أصواتهم، من المستحيل تشكيل ائتلاف جديد والموافقة على الحكومة الجديدة، فالعدد الإجمالي لنواب كتلة بيترو بوروشينكو و"الجبهة الشعبية"، ليس كافيا حتى لتشكيل أغلبية برلمانية بسيطة.
حزب "مساعدة الذات" التابع لعمدة مدينة لفوف، اندري سادوفي، رفض رفضا قاطعا التعاون مع الرئيس ورئيس الوزراء، وتوجه إلى المعارضة. حزب أوليغ لياشكو الراديكالي، وحزب "باتكيفشينو" بقيادة يوليا تيموشينكو، كانوا مستعدين لمناقشة شروط المشاركتة في تكوين الحكومة الجديدة. ومع ذلك، بعد مرور بعض الوقت، انسحب لياشكو من المفاوضات. وحسب تصريحاته، يرجع ذلك إلى حقيقة أن الشركاء المحتملين رفضوا الأحذ بعين الاعتبار، متطلبات الحزب الراديكالي. في حين فسرت كتلة بيترو بوروشينكو ذلك، برغبة لياشكو في الحصول على منصب رئيس البرلمان، فهذا المنصب بالنسبة له كخطيب موهوب، كان يمكن ان يصبح مكانا مثاليا لرفع شعبيته. وعلى ما يبدو، فإن بوروشينكو وياتسينيوك يتمتعان بشهية مفرطة.
وبهذا، يبقي حزب "باتكيفشينو"، الشريك الوحيد المحتمل لخلق تحالف جديد. فتيموشينكو على عكس لياشكو، لم تعلن مطالب منصبية- في المقابل طالبت باعتماد سلسلة من مشاريع القوانين الشعبوية، التي من شأنها أن توفر خفض رسوم الخدمات العامة، وأسعار الغاز للمواطنين، ومقايسة الأجور ورفع الحد الأدنى للرواتب. بعض هذه الشروط، تتعارض بشكل مباشر مع شروط التعاون بين أوكرانيا وصندوق النقد الدولي. وعندما، طالب رئيس كتلة بيترو بوروشينكو يوري لوتسينكو، خلال إحدى جولات المفاوضات، من تيموشينكو عدم مواصلة الابتزاز، خرجت الأخيرة من الغرفة، صافقة ورائها الباب.
بأيد فارغة
ونتيجة لذلك، لم يتمكن بوروشينكو من تشكيل حكومة جديدة قبل مغادرته إلى واشنطن، على الرغم من أنه حاول تحديد موعد نهائي لزملائه وشركائه المحتملين. ومن المحتمل أن تحاول كتلة بوروشينكو و"الجبهة الشعبية" في المستقبل القريب، الخروج من المأزق باستخدام حل بديل، عبر إدراج نواب مستقلين في ائتلافهم. المفاوضات مع النواب المستقلين في البرلمان الأوكراني جارية بنشاط. ومع ذلك، هذا بالتأكيد لن يحدث قبل مغادرة بوروشينكو واشنطن.
التنازل الوحيد الذي يمكن لبوروشينكو عرضه للشركاء الغربيين، عند لقائه معهم، سيكون إقالة المدعي العام المثير للجدل فيكتور شوكين. إذ أن عدم رضا البيت الأبيض عن هذه الشخصية، كان شديدا لدرجة أن السفير الأمريكي أعرب علنا عن ارتياحه بعد طرد شوكين، من قبل البرلمان الأوكراني. وبالإضافة إلى ذلك، ربط السفير مسألة توفير مزيد من المساعدة بشخصية النائب العام الجديد. وبما أنه لا يوجد مرشح معين لهذا المنصب حتى الآن، ومكتب المدعي العام يواصل الفضائح، فحتى هذا الإنجاز، لن يسمح لبوروشينكو بالعودة من واشنطن مع أي أخبار سارة للأوكرانيين.
ونتيجة لذلك، الرئيس الأوكراني مضطر لزيارة واشنطن خالي الوفاض. هو غير قادر على عرض مقترحات واقعية للخروج من جمود اتفاقيات مينسك حول حوض الدون، ولا يمكنه التباهى بنجاح الإصلاحات. بل على العكس تماما، سيكون عليه أن يفسر سبب تهديد طموحاته السلطوية للاستقرار السياسي في كييف، الذي تعب الغرب من الحديث عن ضرورة الحفاظ عليه. من الطبيعي أن البيت الأبيض، لم يكن ينتظر من بوروشينكو ورفاقه انجازات تاريخية. ولكن محاولاته العنيدة للعمل فقط لمصالحه الخاصة على حساب مصالح الشركاء الغربيين، فضلا عن مصالح أوكرانيا نفسها، لا يمكنها ألا تؤدي لزيادة البرودة في العلاقات بين العاصمتين.