لماذا قامت الحرب المدمرة في سوريا عام 2011؟

11.02.2017

تختلف وتتعدد الأسباب والعوامل التي أدت إلى نشوب هذه الحرب المدمرة في سوريا، منها أسباب جيوسياسية دولية ومنها أسباب اقتصادية واجتماعية ومنها المباشر وغير المباشر.

انسحبت إسرائيل من الجنوب اللبناني (باستثناء مزارع شبعا) في 25 أيار عام 2000، وجاء هذا الانسحاب بعد سنوات طويلة من المعارك والعمليات التي شنها حزب الله على مواقع الجيش الإسرائيلي في الجنوب اللبناني، بدعم سياسي وعسكري سوري مفتوح ومطلق (من ضمنه الإمداد الصاروخي) السوري لحزب الله، هذا الدعم السوري للمقاومة أرهق إسرائيل وأوجعها، حتى أن بقايا الصواريخ التي كانت تسقط على المستوطنات الإسرائيلية كانت تبين أن بعض الصواريخ هي صناعة سورية، والمحصلة أن سوريا فرضت توازن جديد في المنطقة، وهذا أحد أهم الأسباب التي أدت إلى الحرب في سوريا من أجل كسر شوكة الجيش والقيادة السورية.

عندما دخلت القوات الأمريكية إلى العراق في آذار عام 2003، من أجل إحكام سيطرتها الأحادية القطب على العالم، جاء كولن باول وزير الخارجية الأمريكية إلى دمشق، وكانت الولايات المتحدة تشعر بحماسة انتصارها في العراق، وطلبت الولايات المتحدة من الرئيس بشار الأسد التخلي عن دعم حركة حماس وحزب الله وقطع العلاقة مع إيران، رفض الأسد المقترحات الأمريكية، وبدأ "النظام" السوري بدعم المقاومة العراقية "السنية" و"الشيعية" ضد الجيش الأمريكي، وبدأت بإرهاق الجيش "الإمبراطوري" الأمريكي في العراق، حتى انسحبت أمريكا من العراق، وغادر آخر جندي أميركي العراق في 18 كانون الأول/ ديسمبر العام 2011، وكان هذا من أسباب الغضب الدولي على الدولة السورية.

احتضنت سوريا مختلف الفصائل الفلسطينية التي رفعت شعار المقاومة ضد إسرائيل، ومنها حركة حماس التي تعلن اليوم عدائها العلني ل "النظام" السوري. فسوريا التي تؤجل فتح جبهة الجولان المحتل بسبب صعوبة الظروف التي سمحت بالتفوق العسكري الإسرائيلي والأمريكي بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، إلا أنها حافظت على "توازن الرعب" مع إسرائيل، ولم توقع سوريا على معاهدات مع إسرائيل، واستمرت بدعم حركات المقاومة العربية ضد إسرائيل.

تعتبر سوريا من أهم المراكز الجيوسياسية والاقتصادية بالنسبة لأطراف المعادلة الدولية الرئيسية، فموقع سوريا على ضفة البحر المتوسط الشرقية تجعلها بوابة ساحلية للقارة الآسيوية،
ويربط موقع سوريا بين القارات الثلاث آسيا وأوروبا وأفريقيا، وهي بذلك تقع على تقاطع خطوط التبادل والتجارة بين هذه القارات، أمريكا وبعض الدول الغربية تريد السيطرة على سوريا من أجل مد خطوط الطاقة من الخليج العربي إلى أوروبا عبر سوريا لكسر حاجة أوروبا للغاز الروسي. وكذلك جعل الأراضي والمرافئ السورية ممرا لاستيراد وتصدير البضائع إلى دول الخليج العربي.

كيف قامت الحرب في سوريا
بعد أن تأكدت القوى الغربية من استحالة إسقاط "النظام السوري" عسكريا نتيجة توازن الرعب الذي يحققه ضد إسرائيل والخوف من التدمير الشامل للمنطقة، قررت هذه القوى كسر وتفتيت النظام من الداخل، وبدأت تزرع عملاء لها في قلب الدولة السورية، كانت مهمتهم تخريب سمعة القيادة السورية من خلال نشر الفساد وإيقاف عجلة التطوير في مفاصل الدولة والمؤسسات الحكومية، وكان ذلك على مرحلتين: أولا وقف موجة التحديث والتطوير التي حاول الأسد القيام بها بعد عام 2000، وتفكيك أهدافها وتحويلها عن مسارها، لمنع سوريا من التطور لأن هذا التطور سيزيدها قوة و مناعة، والمرحلة الثانية بدأت مباشرة بعد حرب تموز عام 2006 التي انتصر فيها حزب الله على إسرائيل، وهذه المرحلة تمثلت بأن يقوم العملاء المزروعين في مناصب عليا من جسد الدولة السورية بكل الفظاعات الممكنة لتدمير بنية وهيكلية الدولة السورية وكسر العلاقة مع الشعب.

المرحلة الثانية كما ذكرت كانت تهدف لنخر جسد الدولة والمجتمع السوري، وخاصة في المناطق التي كان مخطط لها أن تبدأ الأزمة فيها، وكان الاختراق كبيرا لدرجة أصبحت كل الدوائر الحكومية تحارب المواطن في معاملاته وخدماته، (عداد المياه في حمص وصل سعره إلى 6000 دولار، وترخيص بناء غرفة في منطقة فقيرة يحتاج إلى رشوة كبيرة، وغيرها من إساءة كرامات المواطنين المقصودة لتأجيج الرأي العام على القيادة)، وبدأ الاستياء الشعبي  ينتشر، والخطة تنجح، مضافا لها جيش من "الدعاة الإسلاميين" المتشددين الممولين من أطراف خارجية، ينتظرون ساعة الصفر لتوجيه الشباب إلى الميادين والساحات.

وطبعا هؤلاء العملاء الذين نشروا الفساد، كان مخططا لهم أن "ينشقوا" عن الدولة، ليصبحوا قادة في المعارضة السورية، وأصبحوا ينظرون على الشعب السوري في الأخلاق وفي أخطاء "النظام" التي كانوا هم من خطط وبدأ بتنفيذها.
هذا الفساد لم يكن فسادا عاديا بهدف السرقة، فقبل هؤلاء العملاء، كان هناك من يحقق مصالحه من مؤسسات الدولة ولكن كانوا مع ذلك يعملون على تطوير مؤسسات الدولة أو تسهيل الخدمات إلى حد ما، ولكن العملاء في الفترة الأخيرة لم يكن هدفهم تحقيق المصالح بقدر ما كان الهدف هو التدمير وتخريب المؤسسات وضرب العلاقة بين الشعب والقيادة من خلال إهانة كرامة المواطنين.
جاء ما يسمى ب "الربيع العربي"، وأعلنت ساعة الصفر لقيام الحرب في سوريا، بدأت القنوات الإعلامية المرتبطة بالغرب بتأجيج النفوس في سوريا للتظاهر على الدولة وتخريب الممتلكات العامة، استلم المهمة في البداية بعض المأجورين الذين حرضوا الناس على التظاهر. وهم من الفئة الإسلامية المتشددة في سوريا والتي تقارب نسبتها حوالي 8% من الشعب السوري، وهي الفئة التي تأثرت بكذبة التحريض الطائفي التي لعب عليها الإعلام المشارك في الحرب على سوريا، وهنا كانت الشرارة الأولى التي أعلنت انطلاق الحرب في سوريا.
بعض المتضررين من الفساد الذي ذكرته سابقا والمطالبين بالإصلاح الإداري والاقتصادي، كانوا بين المتظاهرين حيث اعتقدوا أن هذه المظاهرات تهدف إلى "الحرية والكرامة"، ولكن هؤلاء سرعان ما اكتشفوا اللعبة وتركوا التظاهر عندما بدأ السلاح يظهر ويوجه على الشرطة.

يستطيع اليوم أي شاب أفغاني أو أوزباكستاني أو طاجيكي أو قرغيزي أو تونسي أو مصري أو خليجي الانتقال بسهولة بالغة من بلده إلى صفوف تنظيم "داعش" أو "جبهة النصرة" في سوريا لقتال الجيش السوري. فالأدوات والمطارات الدولية والحدود والممولين الدوليين جاهزين، بالإضافة إلى آلاف "رجال الدين" ومئات المحطات الفضائية التحريضية في هذه البلدان التي تزرع برأس الشباب فكرة ضرورة قتال الجيش السوري "من أجل الصعود إلى الجنة"، وفعلا يوجد الآن آلاف مؤلفة من المقاتلين "الإسلاميين" من مختلف دول العالم يقاتلون في سوريا وبأجور شهرية مقبولة، هذا بالإضافة إلى عشرات آلاف "المقاتلين" السوريين (مدفوعي الأجر طبعا) الذين رفعوا السلاح ضد الجيش السوري.

وكل هذا مدعوم بجوقة دبلوماسية وإعلامية دولية تعمل على إظهار هؤلاء المقاتلين المتشددين ك"مدنيين" مسالمين، وتصبح عملية مكافحة هؤلاء "المقاتلين" المتشددين الإسلاميين الأجانب من قبل الجيش السوري وروسيا "إجراما"، والحقيقة أن الإعلام العالمي والتصريحات الدولية تؤثر في العقول البسيطة وخاصة في المسألة السورية. وبدت التصريحات الغربية التخديرية بهدف التشويش، "أيام الأسد معدودة"، "كل الخيارات مطروحة"، وغيرها من التصريحات التي لا تتعدى كونها مجرد كلام غير واقعي هدفه المزيد من التحريض والتشويش والحرب النفسية.

هذه الألوف المؤلفة من المقاتلين المحليين و الأجانب تغلغلوا بين السكان المدنيين في المدن والأحياء، واستخدموا مواقعهم في هذه الأحياء للهجوم على الجيش السوري، وفي هذه الحالة من البديهي لن يكون رد الجيش على هذه الاعتداءات بالورود، ولكنه عندما رد أفسح المجال للمدنيين بالخروج قبل كل معركة، ومن الطبيعي نتيجة هذه المعارك هي الدمار، وكانت مشاعر معظم المدنيين هي مع الجيش السوري في مواجهة هذه الميليشيات، وكان حال لسان بعضهم يقول، "اللهم انصر الجيش على الإرهابيين حتى لو دمر بيتي". 

يمكن أن نقول الحرب في سوريا، ويمكن أن نقول كذلك الحرب على سوريا أو ضد سوريا، هذه الحرب تقوم بها كل الدول التي فتحت مطاراتها وخدماتها وحدودها للمقاتلين للذهاب إلى سوريا، وكل الدول التي أغلقت سفارات سوريا لديها (مع العلم أن المتضرر الأول من إغلاق السفارات هو هؤلاء الناس اللذين تطالب هذه الدول ب"حريتهم")، وكل الدول التي قطعت علاقاتها مع الدولة السورية، وكل الدول التي مولت وسمحت للمحطات والمؤتمرات ببث سموم التحريض على هؤلاء البسطاء الذين لم يدركوا أن ما يقومون به هو تخريب لتاريخهم ولأرضهم وفائدة جيوسياسية واقتصادية للكبار اللذين يقومون بتحريضهم فقط.

هذه الحرب الكبيرة حققت هدفها في تدمير سوريا، ولكنها لم تستطيع أن تخضع سوريا وتسيطر عليها، وعوامل الصمود متعددة كذلك، وأثبتت نتائج الصراع أن طبيب العيون الهادئ بشار الأسد لديه شعبية كبيرة في سوريا حتى في مناطق التوتر، لأن الناس يعرفون أن من يهين كرامتهم هم هؤلاء الطغمة المرتبطة، وليس الرئيس بشخصه لأنه يمتلك شخصية إنسانية وعلمية واستراتيجية، ومصلحته الأولى هي في تحقيق الأفضل لشعبه، وكانت هذه الشعبية هي الركيزة الأساس في صمود الدولة والجيش السوري إلى اليوم. بالإضافة إلى الدعم الروسي الاستراتيجي للدولة والجيش السوري في هذه الحرب العالمية، وكذلك دعم الحليف الإيراني وحزب الله، وعندما نقول روسيا وإيران، فنحن نتحدث عن قوى عالمية عظمى.