العلاقات العربية الروسية.. السعودية والإمارات نموذجًا

25.12.2023

في 20 ديسمبر (كانون الأول) 2023، انعقد في مدينة مراكش المغربية، منتدى التعاون العربي الروسي، الذي عقد أول اجتماعاته قبل نحو عشر سنوات. يشير هذا الاجتماع إلى أن علاقات روسيا مع العالم العربي تتعزز وتتطور. وعلى الرغم من محاولات التأثير الغربية، من خلال القنوات الدبلوماسية الرسمية وغير الرسمية، فإن الغالبية العظمى من الدول العربية تدرك أن روسيا لاعب أكثر ملاءمة للعرب ومصالحهم في العلاقات الدولية من الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة.

أشار الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، إلى أن روسيا: “شريك دولي فاعل، يربطنا به تاريخ طويل من العلاقات السياسية، فضلًا عن مقومات تاريخية وثقافية تمثل أرضية صلبة يمكن البناء عليها من أجل تدعيم أواصر العلاقات بيننا، ولتعزيز قدرتنا معًا على مواجهة الأزمات والتحديات المشتركة”، وذلك في كلمته في المنتدى.

في عام 2009، وقعت روسيا مع جامعة الدول العربية، مذكرة بشأن إنشاء منتدى عربي روسي، لمناقشة الجهود الرامية إلى إقامة السلام والأمن الدوليين وتعزيزهما، وضمان التنمية المستدامة، وتعزيز التنمية الاقتصادية، والتجارية، والصناعية، والتعاون المالي، وتنفيذ المشروعات المشتركة، وتنسيق المواقف والخطوات في الأمم المتحدة.

أشار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في كلمته أمام المنتدى، إلى أن: “العالم يقف عند مفترق طرق مصيري في الوقت الحالي، وأن جوهر الصراع يعتمد على الإجابة عن السؤال الأساسي عما إذا كان من الممكن تشكيل نظام عالمي عادل وديمقراطي حقًّا، على أساس الدور المركزي للأمم المتحدة، وفق المبدأ المتمثل في المساواة في السيادة بين الدول، والتوازن البناء لمصالح جميع البلدان، أو أن الولايات المتحدة ومجموعة من العواصم الاستعمارية السابقة سوف تستمر في فرض ما يسمى القواعد وأجندتهم الأنانية؟”. كما أشار إلى أن المنتدى المقبل سيعقد عام 2024 في روسيا، وهو ما يبشر بمزيد من الاستعداد لتطوير التعاون في جميع المجالات.

ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الدول العربية يختلف بعضها عن بعض في تاريخها، وتقاليدها الثقافية، وموقعها الجيوستراتيجي، وسياستها الخارجية. ومن الواضح أن الجزائر، بتكوينها العربي الأمازيعي، وتقاليدها الثقافية، تختلف عن العراق، حيث يعيش الكرد إلى جوار العرب، كما تختلف سوريا، بمكوناتها المختلفة، عن قطر، أو عمان.

رغم وجود علاقة روسية عربية مميزة، لكنني أفضل أن أركز في هذا المقال على الفروق الدقيقة المرتبطة بتشابه وجهات النظر والمواقف بين روسيا من جهة، والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة من جهة أخرى، بوصفهما الدولتين العربيتين الأكثر تقليدية، إذا جاز التعبير.

شاركت السعودية- بفاعلية- في الاستعدادات الخاصة بالمنتدى العربي الروسي. وقبيل المنتدى، شارك مندوب السعودية الدائم لدى الجامعة العربية، عبد العزيز بن عبد الله المطر، في الاجتماع التنسيقي الثاني على مستوى المندوبين، في مقر الجامعة بالقاهرة. وتم خلال هذا اللقاء تأكيد أهمية المنتدى نظرًا إلى ثقل دور روسيا، وموقفها من كثير من القضايا في المنظمات الدولية، فضلًا عن مناقشة تعزيز العلاقات العربية الروسية في المجالين الاقتصادي والثقافي.

أولًا: هناك مواقف مشتركة بشأن عدد من القضايا بين البلدان الثلاثة. على سبيل المثال، ما يتعلق بدور منظمة أوبك في إنتاج النفط وتحديد أسعاره، مع أن دولة الإمارات العربية المتحدة بدأت مؤخرًا بالتوسع في استخدام ما يسمى بالتقنيات الخضراء، فإن قطاع النفط في هذا البلد لا يزال يعمل بطاقته كاملةً.

ثانيًا: لدى البلدان الثلاثة موقف مماثل فيما يتعلق بالسياسة الداخلية والخارجية، أي التنمية السيادية لها، مع مراعاة تقاليدها الخاصة (بما في ذلك الروحية)، وهذا يرتبط بالمصالح الإقليمية. على سبيل المثال، لم تتدخل روسيا في الصراع اليمني، حين بدأت السعودية والإمارات، باتخاذ إجراءات حازمة على الأرض لتعزيز أمنهما القومي. ومن ناحية أخرى، لا تتدخل السعودية والإمارات في “العملية العسكرية الروسية الخاصة” في أوكرانيا. وبشكل عام، وعلى عكس الغرب، فإن الدول الثلاث تتبع حاليًا مسار عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى؛ بحجة حماية حقوق الإنسان، أو أي شيء آخر.

وفي هذا الصدد، يجدر الانتباه أنه على الرغم من التعاون الوثيق بين روسيا وإيران، فإن موسكو اتخذت موقفًا خيب آمال طهران بشأن مسألة النزاع الإقليمي مع الإمارات. وفي منتدى مراكش، أشار الإعلان الختامي إلى البيان المشترك المعتمد في 7 يوليو (تموز) 2023، عقب اجتماع “الحوار الإستراتيجي بين مجلس التعاون لدول الخليج العربية والاتحاد الروسي”، الذي أكد- من جديد- دعم جميع جهود السلام، ومنها المبادرات والخطوات الرامية إلى تحقيق تسوية سلمية للنزاع بشأن الجزر الثلاث (طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وأبو موسى) وفقًا لمبادئ القانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة، بما في ذلك من خلال المفاوضات الثنائية، أو الاحتكام إلى محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة، إذا قرر الطرفان ذلك.

ثالثًا: جميع البلدان الثلاثة، تشكل أحد أهم نقاط الربط في أوراسيا. تمتلك دولة الإمارات العربية المتحدة شبكة نقل جوي متطورة على نطاق عريض، كما تعتمد على تطوير المواني البحرية، وتتمتع المملكة العربية السعودية أيضًا بموقع متميز بوصفها حلقة وصل بين إفريقيا وآسيا وأوروبا. وتشمل الأولويات الإستراتيجية موقفًا أكثر انفتاحًا فيما يتعلق باتصالات النقل العابر، وتنمية السياحة. إن روسيا، بفضل أراضيها الشاسعة، تشكل- بشكل أو بآخر- جسرًا بين الدول الآسيوية وأوروبا. وبالمناسبة، طُوِّرَ هذا العام طريق بري وبحري مشترك من روسيا إلى السعودية عبر إيران؛ ولذلك، ينبغي أيضًا أن يؤخذ هذا الفرع من ممر النقل المتطور بين الشمال والجنوب في الحسبان مستقبلًا (مع إمكانية إنشاء فرع إضافي في دولة الإمارات العربية المتحدة).

أخيرًا: تدعو الدول الثلاث إلى نظام عالمي متعدد الأقطاب، من دون هيمنة الولايات المتحدة، أو الغرب الجماعي. ومع أن قيم جميع الدول ومصالحها تختلف- بدرجة أو بأخرى- فإن هذا لا يمنع التعاون في اتجاه خلق تعددية قطبية، مع تقسيم المسؤوليات وأدوار إقليمية أكثر أهمية. إذا كانت روسيا، مع كونها نقيض الغرب في عدد من القضايا، بطريقة أو بأخرى، قطب قوة على خريطة العالم، فإن الإمارات والسعودية أدركتا هذا الدور مؤخرًا نسبيًّا. ومع ذلك، فإن قيادة هذه الدول تتفهم الآفاق المستقبلية؛ ومن ثم تعمل في هذا الاتجاه، مع أنها لا تقطع اتصالاتها مع الغرب. وهذا الموقف العملي له ما يبرره تمامًا؛ لأن الانحيازات السياسية الاقتصادية الحادة تؤدي إلى تكبد تكاليف باهظة. وكما يقولون في روسيا: “الشرق مسألة حساسة”؛ ولذلك فإن النهج الأكثر ليونة، وغير التصادمي في العلاقات بين هذه الدول العربية والغرب، بدأ يؤتي ثماره بالفعل.

وبطبيعة الحال، هناك أيضًا جانب روحي، حيث إن سكان البلدان الثلاثة يلتزمون- في الغالب- بالتقاليد الإبراهيمية، أي إنهم أتباع المسيحية والإسلام. وفي الوقت نفسه، تجدر الإشارة إلى أنه في عدد من جمهوريات روسيا الفيدرالية، على سبيل المثال، في القوقاز ومنطقة الفولغا، يمثل المسلمون فيها أغلبية، وهم من السكان الأصليين. بالإضافة إلى ذلك، فإن أول نسخة مطبوعة من القرآن الكريم، التي انتشرت على نطاق عريض، طُبعت في روسيا بأمر من الإمبراطورة كاترين الثانية، في مدينتي سانت بطرسبورغ، عام 1787، وكازان، وقد انتشرت نسخ مطبعة كازان فيما بعد في الدول الإسلامية.

إن الضيافة التقليدية، التي يتميز بها كل من الروس والعرب، هي أيضًا حلقة وصل بين ثقافاتنا. ومع أن الروس يعرفون الإمارات جيدًا بسبب السياحة المتطورة، فإنهم ما زالوا بحاجة إلى معرفة المملكة العربية السعودية أكثر، ولكن ليس هناك شك في أن السكان الروس سيكتشفون هناك أيضًا كثيرًا من الأشياء الجديدة والمثيرة للاهتمام، التي ستكون أيضًا حافزًا لمزيد من التفاعل بين كلا الشعبين.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.

https://eurasiaar.org