العلاقات الألمانية الروسية.. تحسن على أرضية هشة

15.06.2016

بعد أن وصلت الى مستوى منخفض جديد في أعقاب الأزمة في أوكرانيا في العام 2014، أظهرت العلاقات الألمانية الروسية علامات تحسن حذر بحلول نهاية العام.
لا يوجد أدنى شك أن العلاقات الألمانية الروسية يشوبها الاضطراب. أدنى مستوى للعلاقة، بطبيعة الحال، جاء بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في فبراير/شباط 2014، ومزاعم التدخل في منطقة دونباس بأوكرانيا في الأشهر التالية. وفي وقت لاحق، عززت الحملة العسكرية الروسية في سوريا هذا الاتجاه، ما أدى إلى تصوير روسيا كدولة معتدية.

ونتيجة لذلك، قلصت ألمانيا، بالتضامن الوثيق مع الأصدقاء والحلفاء في الاتحاد الأوروبي ومنظمة حلف شمال الأطلسي، علاقاتها مع روسيا من سياسة الشراكة والمصلحة المتبادلة إلى حالة تتميز بضبط النفس والعقوبات وتجدد عدم الثقة.
الأسباب التي ولدت هذا التغيير الجذري في المناخ السياسي إلى حد ما معروفة: ألمانيا تحمل روسيا المسؤولية عن خرق الالتزامات الأساسية التي تنص أن جميع الشركاء الأوروبيين هم جزء من "وثيقة هلسنكي الختامية لعام 1976" وميثاق باريس لعام 1990، فضلا عن العضوية في المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة، ومنظمة الأمن والتعاون ومجلس أوروبا.
وألمانيا تشعر بقلق خاص إزاء تدهور العلاقات مع روسيا بعد أن استثمرت قدرا كبيرا من الثقة في روسيا الحديثة التي انبثقت عن تفكك الاتحاد السوفيتي.
هذه الثقة يبدو الآن أنها قد تحطمت بشدة. ونتيجة لذلك، دليل السياسة الأمنية الجديدة في ألمانيا الذي من المقرر أن يصدر هذا الصيف، قد يضع روسيا في قائمة أكبر 10 تحديات أمنية، على قدم المساواة مع الإرهاب، والمهاجرين من الشرق الأوسط وتغير المناخ العالمي.

كانت الصورة مختلفة إلى حد كبير عندما توصلت الحكومة الائتلافية الألمانية بين حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي والحزب الاشتراكي الديمقراطي، والتي نتجت عن الانتخابات العامة في سبتمبر 2013، إلى المبادئ التوجيهية في سياستها الخارجية. في ذلك الوقت، كانت علاقة المانيا مع روسيا تبدو واعدة بشكل عام على الرغم من بعض الخلافات التي ظهرت بالفعل في البداية.
في نهاية التسعينات وبداية القرن الحالي، تعززت العلاقات الثنائية من خلال العديد من الاجتماعات الرسمية والاتصالات في الكثير من مجالات الاقتصاد والثقافة والمجتمع المدني. وهذا ما لم يسعد الأصدقاء والحلفاء، نصحت ألمانيا شركائها باتخاذ موقف ضبط النفس والتعقل فيما يتعلق بقضايا مثل توسيع حلف شمال الاطلسي وإنشاء درع صاروخية في أوروبا. وتم انتقادها بأن هذا كان يعد تساهل فيما يتعلق بمزاعمهم حول "نوايا موسكو السيئة".
ومع ذلك، حاول الاتفاق الائتلافي لنوفمبر 2013 بين الحزب الديمقراطي المسيحي والحزب الديمقراطي الاشتراكي في ألمانيا أن ينظر إلى هذه العلاقة بطريقة إيجابية. وسلط الضوء على أهمية العلاقات الألمانية الروسية في فقرة منفصلة واحدة، تنص على أن أمن أوروبا لا يمكن تصوره دون تدخل الروس ويدعو لصالح حوار مفتوح مع القيادة الروسية، وبالتالي تعزيز سياسة "تحديث الشراكة".
ولم يعد هذا المصطلح يستخدم بعد فبراير 2014. من الواضح أنه فقد أهدافه في عيون أصحابه، بعد أن دخلت عقوبات الاتحاد الأوروبي حيز التنفيذ كعلامة احتجاج قوي مرة أخرى على دور روسيا في الأزمة الأوكرانية.

وفي الوقت نفسه، تطورت القضية الأوكرانية إلى شيء من اختبار للعلاقات الألمانية-الروسية. وبشكل لا يخلو من بعض التردد وافقت المانيا على تولي دور قيادي في ما يسمى "صيغة رباعية النورماندي" (التي تضم أيضا روسيا وأوكرانيا وفرنسا) التي صممت للمساعدة في العمل على التوصل إلى تسوية سياسية صالحة على أساس اتفاقات مينسك.
زاد التحدي أمام ألمانيا مع توليها رئاسة منظمة الأمن والتعاون في بداية عام 2016. كانت الأزمة الأوكرانية، ومازالت، في قمة اهتمامات جدول منظمة الأمن والتعاون. ومع ذلك، فإن جهود السلام هناك تم نسفها مرارا بسبب ما يعتقد على نطاق واسع أنه "عدم التعاون الروسي". وفي المقام الأول، ألمانيا هي التي ستتضرر سياسيا إذا تم نسف هذه الجهود.

لذلك، أي توقعات لتحسين العلاقات الألمانية-الروسية ستأتي على أرضية هشة. وكما هو متوقع، ستستمر هذه القضية لتحتل مكانا بارزا في جدول الأعمال السياسي الألماني. وفي الوقت نفسه، فإن الأصدقاء والحلفاء يراقبون عن كثب العلاقات الألمانية-الروسية، وخاصة أولئك الذين يشكون بالمزاعم الألمانية حول روسيا.
من هذا المنظور، ألمانيا لديها ميل للتقليل من الحديث "عدوانية روسيا" ومنح موسكو الكثير من الفضل في أي بوادر للتهدئة. تبلور النقاش حول مسألة ما إذا كان ينبغي أو لا ينبغي استمرار العقوبات الحالية ضد روسيا، أو  إلى أي حد بمكن تمديد هذه العقويات. ومن المقرر في نهاية يونيو صدور قرار من الاتحاد الأوروبي بهذا الشأن.
فقط في الآونة الأخيرة خرج الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني بمبادرة أخرى تقترح الحد من هذه العقوبات. علقت ميركل بأن العقوبات لا يجب أن يتم التعامل معها على أنها "غاية في حد ذاتها"، ولكن كأداة سياسية ينبغي استخدامها بحرص شديد. ولم تتمتع العقوبات ضد روسيا بالكثير من الدعم في أوساط الجمهور الألماني.

ساعدت "سياسة التقارب" لويلي براندت، على ظهور الرأي السائد بأن روسيا لا ينبغي النظر إليها كعدو، إنما كشريك. كانت " سياسة التقارب" تعني الانفراج في العلاقات بين ألمانيا الغربية ودول الكتلة السوفيتية في أوروبا الشرقية خلال أواخر 1960، ويبدو أن هناك الكثير من المصالح المشتركة بين البلدين، في المقام الأول المسائل الاقتصادية مثل الطاقة. ولكن الثقافة تلعب دورها أيضا. حتى يومنا هذا، لا يزال تشايكوفسكي، تولستوي ودوستويفسكي مفضلين عند الألمان. وقصص الفنانين الروس الذين عانوا من القمع السوفيتي في الماضي - باسترناك، شوستاكوفيتش وسولجينتسين - لاقت رواجا دائما بعمق في العقل الألماني.
ابتداء من هذا الخريف، وعلى نحو متزايد ألمانيا ستتأثر بالحملات التي تسبق الانتخابات العامة المقبلة المقرر إجراؤها في سبتمبر 2017. وفي هذا السياق، ستكون العلاقات الألمانية الروسية، الموضوع المحوري في دائرة الاهتمام. وفي أفضل سيناريو بالنسبة لروسيا، هذه العلاقة الثنائية ستصبح نقطة توافق بدلا من الخلاف بين السياسيين في ألمانيا في الحملات الانتخابية.