الجزائر تواجه إسرائيل في إفريقيا ..
لقد لعب العقيد معمر القذافي دورا رائدا في محاولته لصياغة نموذج تكاملي إفريقي على شاكلة الاتحاد الأوروبي من خلال العديد من المبادرات السياسية والاقتصادية التي تجعل من عملية التكامل سلسة وديناميكية ،ولعل هذه الخطوة لم تَرُق لبعض القوى الإقليمية والدولية الأخرى التي تريد إبقاء يدها مبسوطة على القارة السمراء ولعل أحد أسباب إسقاط نظام العقيد القذافي وإسقاط كل ما له علاقة بمفهوم الدولة في ليبيا كان يستهدف بالأساس هذا الدور الإقليمي والقاري الذي كانت تلعبه الجماهيرية ،وقد سعت الجزائر لاستعادة المشعل وعدم ترك الساحة لأي جهة إقليمية أو دولية أخرى معادية ،وخاصة إسرائيل التي تضع القارة الإفريقية نصب أعينها لإيجاد بديل عن المنطقة التي يتربَّع عليها ككيان غير شرعي وغير معترف به في المجال الإقليمي الذي يحتله ويجد فيه مقاومة عسكرية وسياسية وثقافية ... لهذا عمل هذا الكيان على الخروج من العزلة المفروضة عليه في الشرق الأوسط وعمل على استراتيجية فرِّق تسد ،عبر إثارته العديد من النزاعات والخلافات بين دول إفريقيا بحيث دعم مساعي الإنفصاليين في كل من السودان "سيلفا كير" والجزائر "فرحات مهني وحركة الماك" وزرع الخلافات بين دول القرن الإفريقي ودعم مساعي بناء سد النهضة في نهر النيل ما من شأنه أن يهدد الأمن المائي لكل من مصر والسودان ودعم انفصال جنوب السودان عن شماله وغيرها من أشكال الحروب الخفية التي عُرف بها هذا الكيان المحتل
-وعبر المساهمة في إسقاط الدولة في ليبيا وإسقاط الدور الليبي الرائد في منظمة الاتحاد الإفريقي سعت إسرائيل لإيجاد صيغة "تقنية" للانضمام لإفريقيا عبر مقاربة اقتصادية مغرية لدول إفريقيا التي تعيش أسوء حالاتها اقتصاديا وملء الفراغ الذي خلفته ليبيا .ولهذا سجلت الجزائر تحركها كدولة لها امتداداتها الجيواستراتيجية والاقتصادية والتاريخية الطيبة في القارة الإفريقية لملء الشغور الريادي في المنظمة القارية عبر سلسلة من الإجراءات الدبلوماسية لحل النزاعات المحتدمة في القارة على غرار النزاع في مالي وإفريقيا الوسطى وليبيا ومشاركة تجربتها في مكافحة الإرهاب ،هذا الأخير الذي استشرى في بعض دول القارة الرئيسية على غرار مالي ليبيا نيجيريا وتونس في العشرية الأخيرة وكذا العديد من الآليات الأخرى التي عززت الموقع الجزائري في قارة إفريقيا مما قطع دابر إسرائيل في الانضمام للمنظمة الإفريقية ،لهذا فقد لاح حل جديد للكيان الصهيوني عبر انضمام المغرب ذو العلاقة الممتازة مع إسرائيل بعد قرابة 33 سنة من الخروج من المنظمة -يوليو 1984- بسبب وجود الصحراء الغربية ممثلة في الناطق باسمها "جبهة البوليساريو"
وهو ما اعتبرته المغرب آنذاك تهديدا لسلامة وحدتها الترابية ،وتعبيرا منها بعدم الاعتراف بالصحراء الغربية وعدم الاعتراف أيضا بحق الصحراويين في تقرير مصيرهم ونيلهم للاستقلال من الاحتلال الذي تفرضه المملكة على الصحراء الغربية ،ليعود المغرب من جديد للاتحاد الإفريقي والصحراء الغربية لا تزال عضوا مؤسسا موجودا بمقعده المستقل في المنظمة ،وهذا ما يجعلنا نطرح العديد من علامات الاستفهام حول سر عودة المغرب للمنظمة ،هل هو استدراك لتخلف السياسة الخارجية المغربية في تحقيق مكاسب للمغرب أمام صقور السياسة الخارجية الجزائرية ممثلة في وزيرها رمطان العمامرة كما عبر العديد من الباحثين المحسوبين على البلاط الملكي في المغرب ،أم أن رجوع المغرب يُراد منه أسباب أخرى خفيَّة لا يعلمها الكثير وتتعلق أساسا بمحاولة تطبيع علاقة الاتحاد الإفريقي مع إسرائيل عبر المغرب ...؟
لقد تبادر إلى ذهني هذا السؤال بعد أن انسحبت بعض الدول الخليجية مسجلة تضامنها مع المغرب الذي احتج بهذه الطريقة على تواجد وفد الصحراء الغربية في اللقاء العربي الإفريقي الأخير ،ولكن هذا الانسحاب كشف حقيقة أن الأغلبية الساحقة من الدول الإفريقية لم تنسحب مع المغرب ،بل تضامنت مع الطرح الذي تدعمه الجزائر والمتمحور حول أحقية الشعب الصحراوي في نيل حريته ونيل حقه في الاستقلال الذاتي وتقرير المصير وهي رسالة للمغرب وحلفائه في الخليج وإسرائيل بأنه لا مجال لتغيير عقيدة المنظومة القارية الإفريقية ،وكذا كشفت الشرعية التي تتمتع بها القرارات الجزائرية في إفريقيا بعد عمل دبلوماسي كبير إثر توجه الجزائر نحو دول إفريقيا كمجال حيوي يحقق مكاسب مشتركة بينها وبين شركائها الأفارقة ،وهي رسالة قاسية تتلقاها إسرائيل مرة أخرى مفادها أن لا موطئ قدم لها أينما تتواجد الجزائر ،وقد عبرت الجزائر في السنوات الأخيرة عن تموقعها العقدي السياسي والجيو استراتيجي في محور موسكو طهران دمشق كاراكاس هافانا ،وسعيها الدائم في التعبير عن رؤيتها للمنظومة الدولية المرغوب فيها وهي المنظومة ذات البنية التعددية التي تسودها قيم العدالة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وقيم تنمية اقتصاديات الدول الفقيرة في إفريقيا ،ومكافحة الإرهاب وقطع دابره أينما كان ودعم الحركات التحررية حتى نيل الاستقلال ،وهي القيم التي تستمدها الجزائر من تاريخها الحافل بالتجارب القاسية.
وفي الأخير فليس هدف هذا المقال الإساءة لأي مواطن من مواطني المغرب الشقيق وإنما كشف الحقائق حول علاقة المملكة المغربية بإسرائيل ومحاولته تمهيد الأرضية لانضمام الكيان الغاصب لمنظمة الاتحاد الإفريقي وهو ما ترفضه الجزائر من أصله ،مع العلم بأن الجزائر رحبت بتواجد المغرب في إطار الاتحاد الإفريقي كدولة تضم شعبا شقيقا وكدولة أيضا تتفاعل داخل القارة الإفريقية وتنتمي لها جغرافيا ويمكنها المساهمة في تنمية هذه القارة جنبا إلى جنب مع الدولة الجزائرية والشركاء الأفارقة الآخرين بشرط أن
تحترم المملكة بنود الاتحاد الإفريقي واتفاقياته ومن بينها تواجد الصحراء الغربية كطرف مؤسس للاتحاد وفتح ملف مفاوضات مباشرة مع البوليساريو كممثل للشعب الصحراوي عبر كفالة كل حقوق الشعب الصحراوي ومن بينها حقه في تحقيق مصيره.