الجبل الأسود وروسيا وحلف شمال الأطلسي
بدأ أول اتصال دبلوماسي رسمي بين روسيا والجبل الأسود في عام 1711، عندما أرسل القيصر الروسي بطرس الأكبر مبعوثيه إلى الأسقف "فلاديكا دانيلو"، حاكم الجبل الأسود. فلاديكا دانيلو هو الرجل الذي أسس لوجود المذهب الديني الموالي لروسيا في الجبل الأسود والذي لا يزال موجودا حتى يومنا هذا. ومع الزمن أصبحت روسيا حامية ومدافعة عن الجبل الأسود، وقفت بجانب الجبل الأسود في أوقات الشدة، ولعبت دورا رئيسيا في مساعدة الجبل الأسود للخلاص من الإمبراطورية العثمانية، لذلك فإن شعب الجبل الأسود يتذكر روسيا بكل امتنان ولهذا فإن مصطلح "روسيا الأم" موجود ودارج في الجبل الأسود.
ولكن رجل واحد قرر تغيير كل ذلك من أجل مصالحه الشخصية، هذا الرجل هو "ميلو ديوكانوفيتش"، رئيس الوزراء الحالي من الجبل الأسود. قررت جماعة ديوكانوفيتش بيع الجبل الأسود إلى الغرب بسبب المصالح الخاصة، من خلال الإدعاء أنهم يريدون تغيير الدائرة الحضارية للجبل الأسود. يصادف يوم 24 مارس/آذار الذكرى السابعة عشرة للعدوان الأمريكي على صربيا و الجبل الأسود. لقد تدخل الناتو بدون موافقة مجلس الأمن الدولي، أدت الهجمات التي استمرت دون انقطاع لمدة 78 يوما لتدمير البنية التحتية بشدة بما فيها المباني التجارية والمدارس والمرافق الصحية والمؤسسات الإعلامية، والمعالم الثقافية والكنائس والأديرة وغير ذلك. تم تقدير تكلفة إعادة بناء ما دمرته هذه الغارات بين 30 و 100 مليار دولار، وبلغ عدد الضحايا، (العدد لم يعلن بشكل رسمي) بين 1200 و 2500 وعدد الجرحى حوالي 5000 جريح.
حكومة الجبل الأسود لا تحتفل بهذا وعلاوة على ذلك فإن نظام ديوكانوفيتش يحظر ذكر مناسبة بداية العدوان. خريجو المدارس الثانوية من مدينة دانيلوفغراد التي تقع بالقرب من بودغوريتشا العاصمة تحركون تخليدا لذكرى ضحايا عدوان حلف شمال الأطلسي في عام 1999 استخدموا صوت صفارات الانذار من الغارات الجوية للتعبير عن احتجاجهم كما أنهم ألقوا الطائرات الورقية في بهو صالة للألعاب الرياضية، وبعد ذلك قاموا بتأدية أغنية المغني الصربي "بورا ديوردييفيتش" (أيها الناتو - أنا لن أغفر لك من أجل أولئك الأطفال) والتي تم التصفيق لها بشكل حار. بعد ذلك مباشرة هددت وزارة التربية والتعليم في الجبل الأسود الطلاب بإجراءات تأديبية مشيرة إلى أنهم لن يتساهلوا مع هذا السلوك. في الوقت نفسه يتم الترويج بقوة في مدارس الجبل الأسود للتكامل اليورو-الأطلسي. هذه هي ديمقراطية نظام ميلو ديوكانوفيتش، التي تحظى بدعم قوي من الولايات المتحدة ودعم صامت من الاتحاد الأوروبي.
الجنرال "بن هودجز" قائد القوات البرية في الجيش الأمريكي الذي جاء لزيارة الجبل الأسود قبيل العدوان قال: " أنا هنا اليوم لأسباب عديدة، لدعم بلدكم ودعم جهود التكامل التي تبذلها القوات اليورو- أطلسية ". أما بالنسبة للجنرال هودجز الذي يقال أنه ساهم في إعادة تشكيل الجيش الأوكراني. وبنفس الاسلوب تماما تم إعادة تشكيل جيش الجبل الأسود تحت راية الإصلاح.
لم ينسى شعب الجبل الأسود بعد 17 عام عدوان حلف شمال الأطلسي على الساحة الرئيسية في بودغوريتشا. نظم حزب "ديمقراطية صربية الجديدة" تجمع يسمى "نحن لا ننسى". أظهر فيها المحتشدون أنه على الرغم من الضغط، فإنهم لن ينسوا الضحايا الأبرياء. وأقامت الكنيسة الأرثوذكسية الصربية صلاة من أجل ضحايا العدوان. من الاحتفال، كان هناك شيء واحد ملحوظ بشكل واضح: أن الشعب يعارض بشدة انضمام الجبل الأسود إلى حلف شمال الأطلسي. وأن من الهواجس الرئيسية لشعب الجبل الأسود هو أن جزءا كبيرا من "النخبة" يتوجه نحو الكيان اليورو-أطلسي.
اغتنت النخبة الحالية في الجبل الأسود بطريقة غير مشروعة، وبالتالي يمكن ل "ميلو ديوكانوفيتش" السيطرة عليهم بسهولة. يتم تنفيذ غسل الدماغ في الجبل الأسود بشكل يومي، من خلال جميع محطات أخبار التلفزيون (الموالية للغرب)، وكذلك أغلب الصحف اليومية. الجبل الأسود بحاجة ماسة لوسائل الإعلام الموالية لروسيا، التي من شأنها أن تجعل المشهد الإعلامي في الجبل الأسود أكثر توازنا. ومع ذلك، فإن الصحف اليومية التي تؤيد الوطنية الصربية وروسيا هي الأكثر قراءة في الجبل الأسود.
يتضح لنا أنه بدون وجود روسيا قوية، فإن الجبل الأسود سيكون له مصير محزن وسيصبح مستعمرة أمريكية أخرى. لذلك، تبرز الحاجة إلى المزيد من المشاركة السياسية مع روسيا ليس فقط في الجبل الأسود، ولكن أيضا في كل منطقة البلقان. وللأسف، قوة روسيا "الناعمة" في الجبل الأسود غير كافية. والوضع الجيوسياسي لروسيا معقد، ومع ذلك، فإنه يجب على روسيا أن تجد الفرصة لاتخاذ خطوة حاسمة في الجبل الأسود.