البحر الأسود.. المجهول الأعظم لحلف شمال الأطلسي

21.07.2016

قادة رومانيا يحلمون بأن تهاجم منظمة حلف شمال الأطلسي روسيا، ومع هزيمتها ستتم استعادة الأراضي السابقة التي كانت تنتمي إلى رومانيا. فقط مناطق مثل جزيرة الثعابين، جنوب بيسارابيا (Budjak) وشمال بوكوفينا تنتمي إلى أوكرانيا، ورومانيا عضو حلف شمال الأطلسي تدعم بشكل غير مشروط أوكرانيا. في إطار حلف شمال الأطلسي عرضت رومانيا حماية الجيش الأوكراني في مجال الأمن السيبراني (أمن المعلومات والشبكات). ليس من الممكن سؤال أوكرانيا عن الأراضي الرومانية، بالرغم من أن بعضها ذا أهمية إستراتيجية للدفاع عن رومانيا وعن الجناح الشرقي لحلف الناتو.

لماذا تحتاج رومانيا إلى أسطول حلف شمال الأطلسي في البحر الأسود؟
كانت مبادرة غريبة تلك المبادرة من الرئيس الروماني لوهانيس الذي طلب انتهاك اتفاقية مونترو من خلال وجود دائم في البحر الأسود من مجموعات قوية تابعة لبحرية حلف شمال الأطلسي، تتألف من سفن حربية من الدول غير المتشاطئة على البحر الأسود (الولايات المتحدة، إيطاليا، فرنسا، ألمانيا، إنجلترا وكندا). اقتراح رومانيا تعرض للرفض من قبل بلغاريا، الدولة التي تملك شواطئ على البحر الأسود مثل رومانيا. اتفاقية مونترو لعام 1936 تقيد السفن الحربية للدول غير المتشاطئة على البحر الأسود من الدخول عن طريق مضيق البوسفور والدردنيل، إذا بلغت حمولتها أكثر من 10 آلاف طن. وإذا كانت السفن تعود للدول المتشاطئة على البحر الأسود والتي تشارك في حلف شمال الأطلسي  فينبغي ألا يتجاوز إجمالي حمولتها 45 ألف طن. هذا الاقتراح السخيف من رومانيا يدل على موقف عدواني ضد روسيا واستؤنف عرضه في قمة وارسو من قبل الرئيس الروماني دون أن يلقى اهتماما من المشاركين الآخرين.
مبادرة رومانيا تثبت الغياب الكامل للإستراتيجية العسكرية لدى رومانيا بأنها سوف تقوم بأي شيء لتحريك مواجهة عسكرية ضد روسيا. الحجة البسيطة في هذا البيان هو أنه في البحر الأسود وعلى بعد 45 كيلومترا من الساحل الروماني  و120 كم من أوديسا الأوكرانية ، تقع جزيرة الثعابين التي يبلغ طولها حوالي 1 كم وعرضها 440 متر. حتى العام 1944 كانت جزيرة الثعابين مع رومانيا، ثم أصبحت في حوزة الاتحاد السوفيتي حتى العام 1991. واليوم هي من الأراضي الأوكرانية. قادة رومانيا لم يطعنوا أبدا بحق أوكرانيا في هذه الجزيرة في السنوات الـ25 الماضية، والتي كانت في الواقع أراضي رومانية. وهذا يثبت أن القادة السياسيين والعسكريين الرومانيين لا يعرفون الأهمية الإستراتيجية لهذه الجزيرة في البحر الأسود التي هي أثمن من أسطول حلف شمال الأطلسي كله. فمن جزيرة الثعابين يمكن لرومانيا كشف ومواجهة أي هبوط روسي على الشاطئ الروماني.

رومانيا: بوابة التغلغل في غرب البلقان
في العلوم العسكرية، تشكل رومانيا بوابة لمسرح العمليات العسكرية في وسط وشرق أوروبا من خلال التطبيقات العسكرية (TAM) والتوجه الاستراتيجي في البلقان الذي يشكل الجسر الذي يربط بين أوروبا وآسيا والقارة الأفريقية. يتم وضع رومانيا استراتيجيا على أحد الاتجاهين  الاستراتيجيين في منطقة البلقان وهو الاتجاه التركي الذي يبدأ في اسطنبول  ويمر عبر الأراضي البلغارية ويمر بجبال الكاربات في رومانيا ليصل إلى بلغراد بانتشيفو وبودابست. لذلك، فإن روسيا مهتمة في خلق توازن جديد مستقر في غرب البلقان وتحتاج إلى ممر من البحر الأسود إلى صربيا مرورا برومانيا.
جزيرة الثعابين بدلا من الدرع الباليستية الأمريكية في ديفيسيلو 
مجمع الدرع الباليستية الذي يقع في ديفيسيلو (رومانيا) هو مجمع على الأرض، مأخوذ من فئة المدمرة الأمريكية أرلايج بيرك، ويتألف من رادار نوع AN / SPY-1D، لتتبع الأهداف والصواريخ ويعتمد النظام التوجيهي Mk-41 VLS ، ويتألف من خلايا من النوع العمودي. نظام VLS Mk-41 لديه القدرة على إطلاق مجموعة من أنواع الصواريخ مثل صواريخ من السفن إلى الفضاء ومن السفن ضد السفن والغواصات  والأهداف الساحلية وهذه المجموعات ذات مدى متنوع حسب الأهداف من مدى 190كم وحتى 1400 كم  مع وجود نظام إطلاق عمودي. ولهذا السبب فإن المركز الأمريكي بأكمله في ديفيسيلو  يناسب جزيرة الثغابين. لو كان لرومانيا قادة عسكريون خبراء لاقترحوا منذ عام 2010 أن تكون الدرع الباليستية موجودة في جزيرة الأفعى، لا في ديفيسيلو.

جزيرة الثعابين تشكل أيضا المكان الأمثل لبؤرة استيطانية تهدف للسيطرة على الوضع حول ترانسنيستريا. ترانسنيستريا الانفصالية هي جزء من مولدوفا (بيسارابيا الرومانية السابقة)، والتي لا تملك حدودا مع روسيا وتستضيف وحدة من قوات حفظ السلام التي لا تزال تتكون من الجيش الروسي. لقد مررت كل من أوكرانيا ومولدوفا قانونا يلغي الاتفاقات السابقة بشأن العبور من وإلى ترانسنيستريا. الحدود بين ترانسنيستريا وأوديسا، حيث تم نشر لواء ميكانيكي أوكراني، تبلغ 95 كم، ويتم التحكم في جميع النقاط من قبل الأوكرانيين. في الأساس، فإن الجيش الروسي في ترانسنيستريا لا يمكن استبداله أو دعمه في تلك المنطقة. حسب أستاذ العلوم السياسية الأوكراني سيرجي جايداي ، مدير مركز التخطيط الاستراتيجي تم تسريب سيناريو حول مقترح حرب خاطفة، ويشير التسريب إلى أن الأوكرانيين "الرجال الخضر الصغار" سيتعاملون في خمسة أيام مع ترانسنيستريا، ويستولون على قيادة وحدات قوات حفظ السلام الروسية المتمركزة هناك. في هذه الحالة، ولمواجهة الاحتلال العسكري والاستيلاء على ترانسنيستريا، فإن روسيا بحاجة إلى نقل جوي للطائرات العسكرية على القرم الروسي على البحر الأسود حتى مصب نهر دنيستر (120 كم). وهناك سوف تحلق فوق المجال الجوي لأوكرانيا حتى ترانسنيستريا (100 كم). منطقة المناورة هذه تنتمي إلى أوكرانيا وتسمى جنوب بيسارابيا أو بوجياس ، وهي المنطقة التي كانت تنتمي إلى رومانيا  حتى نهاية الحرب العالمية الثانية. ولو كان  الدرع الباليستي الأمريكي في جزيرة الأفعى بدلا من ديفيسيلو، فإنه كان سيحيد أية محاولة لنشر القوات الروسية عن طريق البحر أو عن طريق الجو.

في 4 يناير 2016 هارون كوريفا، مستشار وزير خارجية السويد، نشر مقالا وضع فيه السيناريو التالي: روسيا ترسل عدة سفن مدنية بالقرب من جزيرة الثعابين، مدربة في مهمات إنسانية من القواعد الروسية في شبه جزيرة القرم. هؤلاء سيكونون في الواقع "الرجال الخضر الصغار" الروس ، يحملون AK-47 التي من شأنها أن تحط على جزيرة الثعابين باستخدام قوارب يتم تثبيتها على أربع غواصات روسية وسفن السطح تحت الحماية الروسية. سوف تتحول جزيرة الثعابين تحت الاحتلال الروسي إلى ثكنة عسكرية من شأنها أن تضمن السيطرة على البحر الأسود من الجهتين  الغربية والشمالية الغربية.
إذا قررت روسيا الاستيلاء على جزيرة الثعابين، يمكن لأسطول البحر الأسود من السفن الحربية الروسية إغلاق خليج أوديسا، وبالتالي منع الأسطول الأوكراني الصغير من الحركة. وباستخدام الطائرات المقاتلة، والمروحيات الهجومية والسفن الحربية ومشاة البحرية الروس يمكن أن تستسلم الحامية الأوكرانية في جزيرة الأفعى خلال 2-4 ساعات، دون أية مقاومة.

الطرادات  من طبقة بويان التابعة لأسطول بحر قزوين الروسي، لديها منصات لإطلاق صواريخ كروز KALIBR (ذات المدى 1500 كلم) والتي ضربت أهدافا في سوريا. نظم الإطلاق العمودي UKSK على السفن الروسية مماثلة للأمريكية مر-41 على المدمرات والطرادات ومماثلة لتلك الموجودة في ديفيسيلو. النظم البحرية UKSK، إلى جانب صواريخ كروز، وأيضا الصواريخ الأسرع من الصوت M55 ONIKS  (ذات مدى 300كم) وصواريخ سطح-أرض أو صواريخ السفن القتالية الروسية ذات الإطلاق الرأسي والتي يمكنها استخدام صواريخ AA من نوع S-300/400 (ذات المدى 200-400 كم)، وكذلك صواريخ AA قصيرة ومتوسطة المدى.
استخدمت روسيا معدات النطاق العريض الروسية Krasukha-4 بنجاح في سوريا، التي تستطيع التشويش على رادارات الأقمار الصناعية العسكرية والرادارات البحرية والرادارات الأرضية في رومانيا ومولدوفا وجنوب أوكرانيا، وعلى أواكس وعلى رادارات المقاتلات الجوية. يمكن للروس بناء منصات للرادار ذات القوة العالية للتشويش من نوع  Krasukha-4 على التربة الصخرية في جزيرة الأفعى، وأنظمة REDUT UKSK، وأنظمة صواريخ أرض أرض من نوع اسكندر (500 كم المدى). وهكذا سيكون لدى روسيا الإمكانية لخلق "منطقة استبعاد" في البحر الأسود في الشمال الغربي ، كما هو الحال في شبه جزيرة القرم، تمنع جميع وسائل حلف شمال الأطلسي من العمل. سيكون الدرع الباليستي الأمريكي في ديفيسيلو مهددا من قبل صواريخ اسكندر التي تقع في جزيرة الأفعى، لأن المسافة  بين الموقعين هي 479 كم.